خواطر مشروع مواطن

بقلم
فيصل العش
من يوميّات أعزب !

عفوا لم أتعود تقديم نفسي للقراء لكن أردت فقط أن يعلم الجميع أنني أعزب بالرغم من أنني قد بلغت من الكبر عتيّا ... فالزواج "مكتوب " كما يقولون والذي لا مال له في "مكتوبه " عليه بتأجيل الموضوع إلى أن يحضر "الأجل" . المهم يا سادتي أنني  أعزب . وكأغلب العزاب فأنا أجيد الطبخ والغسيل وهما صفتان لا يملكهما إلا من "صفّر" قطاره وارتحل. دخلت كعادتي إلى البيت بعد يوم من العمل والكدّ وأعددت العدّة في المطبخ وتركت القدر على النار حتّى يستوي الطبخ وجلست أمام التلفاز أتابع أخبار اليوم لعليّ أفهم ما يدور حولي من أحداث. كانت مذيعة الأخبار على عكس عادتها في العهد البائد  تتحدث بحماس فيّاض عن فكّ الاعتصام أمام مقر التلفزة بعد مصادمات عنيفة بين العاملين بها والمعتصمين من مليشيات أحد الأحزاب على حدّ تعبيرها ، خلّفت جرحى من الصحفيين ومن رجال الامن. وتقليدا "للجزيرة " والقنوات الاخبارية العالمية ، نظرت المذيعة إلى زميلها مبتسمة ليأخذ عنها الكلمة ويواصل سرد الاخبار "الوطنية" . وبسعادة فياضة أعلن عن مصادمات بين أهالي إحدى المعتمديات الدّاخلية ورجال الأمن على إثر إعتصام بعض شباب المنطقة وقطع الطريق أمام حركة السيارات وقد خلفت هذه المصادمات ايضا جرحى من الجانبين ... تتالت الاخبار على مسمعي ولم تفارق الابتسامة محيّا الصحفيين الذين كانا يتبادلان سرد الأحداث بالرغم من أن جميع الاخبار تعلّقت باعتصامات هنا وهناك وعنف بين هذا الطرف وذاك وتنديدات من هذا الحزب أو ذاك وكانت تعطي صورة قاتمة عن الوضع في البلاد وتجعل المستمع يسبح في بحر من الأحزان ويتألم لبلده الذي لم تمض على ثورته إلا القليل .المتدخلون من رجال السياسة أجمعوا أن الوضع خطير وأن المسؤولية تعود للطرف الآخر فالحكومة تتهم المعارضة "بصبّ الزيت على النار" والمعارضة تؤكّد أن الحكومة أصبحت عاجزة وأن مليشيات الحزب الحاكم أصبحت تتحكم في الميدان .تعنّف هذا وتهدد ذاك ولابدّ من وقفة حازمة لتتوقف المهزلة . تحدّث الجميع بحماس كبير وتبادلوا التّهم كما شاءوا .. قال أحد الملتحين لمن عارضه  الرأي:" أنت علماني حقير " فردّ عليه الآخر وهو يصيح : "وأنت سلفي رجعيّ خطير ". غنّى الجميع النشيد الرسمي "حماة الحمى " وكل طرف منهم يشير إلى الآخر بسبابته عند نطق "فلا عاش في تونس من خانها " وكأنه يتهمه بالخيانة ويهدده بالتصفية .إنها معركة السياسيين. صرخ أحدهم في جمع غفير من المؤيدين : " أشتمّ رائحة المؤامرة" وصرخت بدوري " يا إلاهي أشتمّ رائحة "الشياط" لقد ضاع العشاء ... وأسرعت إلى المطبخ  لعلّي أنقذ ما يمكن إنقاذه حتّى لا أبيت بلا عشاء وأنا أتمتم بمقولة حفظتها في صغري من أحد نصوص العربية في مرحلة الابتدائي " لعن الله السياسة والسياسيين والناس أجمعين".