نقاط على الحروف

بقلم
أيمن الديماسي
حول تقييم منظومة الصفقات العموميّة بعد الثورة بتونس
 (1) تقديم عام
ترتبط منظومة الصفقات العمومية بالتطورات والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تقتضي مواكبة قانونية وترتيبية مستمرة، فكيف تطورت هذه المنظومة خلال السنوات السبع التي مرّت على اندلاع ثورة الحريّة والكرامة؟
أمران أساسيّان صدرا بعد الثورة:
* الأمر عـدد 623 لسنـة 2011 المؤرخ في 23 ماي 2011 المتعـلق بأحكام خاصة لتنظيم الصفقات العمومية وهو أمر لا ينقّح الأمر 3158 لسنة 2002 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية بل يتعلق بأحكام خاصة لتنظيم تلك الصفقات.
* الأمر عدد 515 لسنة 2012 المؤرخ في 2 جوان 2012 المتعلق بتنقيح الأمر عدد 3158 لسنة 2002 المؤرخ في 17 ديسمبر 2002 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية والأمر عدد 623 لسنة 2011 المؤرخ في 23 ماي 2011 المتعلق بأحكام خاصة لتنظيم الصفقات العمومية
(2) تنقيح الأمر عدد 3158 لسنة 2002 
المنظّم للصفقات العمومية 
بالنسبة للأمر عـدد 623 تم إصداره بعد الثورة لإضفاء مزيد من المرونة على منظومة الصفقات العمومية. وحسب رأينا فإن إخضاع مبالغ هامّة لرقابة لجنة شراءات تتكوّن من أعضاء تابعين للمشتري يزيد من إمكانية ارتكاب أخطاء التصرّف ويحدّ من نجاعة الشراءات العموميّة.
ونعتبر أنّ إيداع العرض الفني والعرض المالي مرّة واحدة واجتماع لجنة فتح الظروف في جلسة واحدة ساهم فعلا في تقليص آجال إبرام الصفقات العمومية وتخفيف العبء على المشتري العمومي الذي أصبح يتولى ترتيب العروض المالية والقيام بعملية الفرز الفني للعرض المالي الأقل ثمنا. إلا أنّه لم يصاحب هذا الإجراء تخفيضا في آجال صلوحية العروض المنصوص عليها بكرّاسات الشروط التي بقيت في حدود 120 يوما. وما يزيد في تعكير الأمور هو التجاء عدّة مشتريين عموميين إلى التمديد في آجال صلوحية العروض.
كما أنّ إلغاء العرض الوجوبي على الرأي المسبق للجان الصفقات المختصّة قبل الإعلان عن المنافسة لمشاريع كراسات الشروط إجراء كان يرمي أساسا إلى إضفاء مرونة على الإجراءات وتسريع الآجال وتخفيف الرقابة المسبقة للجان الصفقات. وحسب رأينا فان هذا التمشي قد جانب الصواب نظرا للأهمية البالغة التي تكتسيها كراسات الشروط، ذلك أنّ عرضها على أنظار لجنة الصفقات المختصّة يمكّن التثبت من منهجية الفرز ويقلّل من مخاطر تسرّب الأخطاء.
أمّا بالنسبة للأمر عدد 515 لسنة 2012 المنقح للأمر المنظم للصفقات العمومية فقد تضمّن خاصّة الترفيع في الأسقف المحدّدة لإبرام الصفقات العمومية.وفي تقديرنا كان من الأجدر إصدار أمر يتعلق بتنظيم الاستشارات يتضمن إجراءات واضحة لتسهيل أعمال المتصرف في الصفقات العمومية وتلبية الحاجيات في أفضل الآجال مع تحقيق نجاعة هذه النوعية من الشراءات واحترام مبادئ الصفقات العمومية.
وتبقى الإشكالية الأبرز لدى المشتري العمومي هي كيفية ترجمة الحاجيات إلى خاصيات فنية، حيث أن عديد الشراءات العمومية تتمّ دون دراسة دقيقة للحاجيات ودون تحديد دقيق للخاصيات الفنية ولا للأهداف المرسومة من الاقتناءات المبرمجة بالميزانيّة.
وعليه فان الحكومات بعد الثورة كانت تبحث عن الإطار الترتيبي الذي يمكّن من الحدّ من إهدار المال العام والسعي لإبرام صفقات تلبي الحاجيات الحقيقية لترشيد النفقات، علما وأنّ ترشيد النفقات هو الاستخدام الأمثل للموارد المالية والحدّ من إهدارها بإرساء إجراءات وتقنيات تؤدّى إلى خفض استهلاك الميزانية دون المساس بالأهداف الحقيقية المراد تحقيقها.
وفي هذا الاطار تم إصدار منشور رئيس الحكومة عدد 42 المؤرخ في 23 جوان 2012 المتعلق باعداد اطار القدرة على الأداء للسياسات العمومية
ويعتبر هذا المنشور مرجعا هاما لتفسير عديد المفاهيم إلى جانب تحديد أدوار ومسؤوليات جميع المتدخلين في إعداد إطار القدرة على الأداء .
وعليه تمّ عرض ميزانيات وزارات الفلاحة، الصّحة، التّربية، التّعليم العالي والبحث العلمي وتكنلوجيا المعلومات والإتصال(قسم التّعليم العالي والبحث العلمي)، التّكوين المهني والتّشغيل بعنوان سنة 2013 على أنظار المجلس التّأسيسي وفق منهجيّة التّصرف حسب الأهداف. ونعتبر هذه الخطوة كانت حجر الأساس في إرساء منظومة التّصرف في الميزانية حسب الأهداف. 
بالإضافة إلى أنّ كرّاسات الشّروط الإداريّة والفنّية الخاصّة التي يعدها المشتري العمومي لم ترتق بعد إلى كرّاسات ضمانات إداريّة وفنّية ومالية لإقصاء العارضين الذين لا يلبّون الحاجيّات الحقيقيّة للمشتري العمومي، لذلك تمّ إصدار عدّة كراسات شروط نموذجية في الغرض موجودة على موقع الصفقات العمومية.
وعليه يمكن الجزم بأنّ الإطار الترتيبي للصفقات العمومية بعد الثورة كان يشكو عديد الهنّات التي استوجبت إصدار أمر جديد منظّم للصفقات العموميّة.
(3) الإطار الترتيبي الحالي للصفقات العمومية:
نظرا لكثرة تنقيحات الأمر عدد 3158 لسنة 2002 التي أثّرت سلبا على فهمه من طرف المشتري العمومي، اختارت السلطة التنفيذية إعادة صياغة منظومة الصفقات العمومية واتخذت اجراءً صائبا تمثّل في إصدار الأمر عدد 1039 لسنة 2014  الذي يلغي ويعوّض جميع النصوص السابقة. 
ويمكن تلخيص ايجابيات الأمر عدد 1039  لسنة 2014 في النقاط التالية:
* تقديم تعريفا لعدة مصطلحات هامة تفاديا لسوء الفهم. ولأوّل مرّة يتمّ التفريق بين صفقات إسداء الخدمات وصفقات إعداد الدراسات مثلا. 
* تم التنصيص على مبادئ جديدة يبدو أنّها بقيت غامضة، حيث أصبحت الصّفقات العموميّة تخضع إلى قواعد الحوكمة الرّشيدة وتأخذ بعين الاعتبار مقتضيات التّنمية المستدامة.  بمعنى أنه يتعيّن إرساء نظام شامل للتّسيير والمراقبة بما يحققّ أفضل حماية وتوازن بين مصالح كلّ الأطراف المعنيّة، دون المساس بقدرة الأجيال القادمة. كما يجب أن تتضمن شروط تنفيذ الصفقة قدر الإمكان جوانب ذات صبغة اجتماعية وبيئية تأخذ بعين الاعتبار أهداف التنمية المستدامة.
* وجوبيّة إشهار مشاريع الصفقات المنصوص عليها في المخطط التقديري لإبرام الصفقات بإعلان للعموم وبموقع الصفقات العمومية.
* توضيح طريقة وآجال تقديم الطعون بخصوص كراسات الشروط.
* الغاء الطلبات المعقدة فنيا.
* امكانية تنصيص الصفقة على ثمن مختلط.
* وجوبيّة العمل بالأسعار القابلة للمراجعة بالنسبة للصفقات التي تفوق مدة إنجازها السنة.
* إمكانية التنصيص بكراسات الشروط على مراجعة الأسعار عندما تكون مدة إنجاز الصفقة تتجاوز الستة (6) أشهر بالنسبة لصفقات الأشغال والمواد والتجهيزات المرتبطة أهم مكوناتها بأثمان سريعة التغير. 
* تكون الصفقة ذات ثمن وقتي إذا اكتست طلبات الأشغال أو التزود بمواد ذات تقنية جديدة صبغة التأكد المطلق أو تضمنت مخاطر فنية هامة تحتم الشروع في تنفيذ الصفقة في وقت لا يمكن أن تضبط فيه نهائيا كافة الشروط والمقتضيات وتخضع في هذه الحالة الصفقة إلى مراقبة خاصّة.
* لا يتمّ اللّجوء إلى تنظيم طلب عروض على مرحلتين إلا بالنسبة للصفقات التي هي من أنظار اللجنة العليا لمراقبة وتدقيق الصفقات أو اللجنة الوزارية لمراقبة الصفقات واللجنة الداخلية لمراقبة صفقات المنشأة 
* إلغاء الاستشارة الموسعة
* تغيير شروط إبرام الصفقات بالتفاوض المباشر
* التنصيص على أسقف جديدة للصفقات المبرمة عن طريق الإجراءات المبسّطة دون التطرق إلى مراحل إبرامها
* التنصيص على اجرءات طلبات العروض على الخط ولأول مرة يتم التنصيص على وثيقة لا مادية في مجال الصفقات العمومية. حيث تقوم لجنة فتح الظروف بفتح العروض الفنية والمالية التي تم قبولها عبر منظومة الشراء العمومي على الخط «تونيبس». ويستخرج محضر فتح العروض آليا من منظومة الشراء العمومي على الخط.
* إضافة نظير من السجل التجاري للوثائق المطلوبة
* إلغاء إعفاء المؤسسات الصغرى والمتوسطة من تقديم الضمان الوقتي.
* ترأس أعمال لجنة فتح الظروض ممثل المشتري العمومي عوضا عن مراقب المصاريف العمومية أو مراقب الدولة.
* توضيح التنصيصات الوجوبية لتقرير تقييم العروض.
* التفريق بين طلب عروض غير المثمر وإلغاء طلب العروض.
* إحداث المجلس الوطني للطلب العمومي.
* التأكيد على خضوع كافة المتدخلين مهما كانت صفتهم في إبرام الصفقات العمومية وتنفيذها لحساب المشتري العمومي أو الجهات المكلفة بالمصادقة أو المراقبة إلى الأحكام التشريعية والترتيبية المتعلقة بمقاومة الفساد وتضارب المصالح في الصفقات العمومية.
(4) خاتمة
يمكن الجزم بأنّ الإطار الترتيبي للصفقات العمومية بعد ثورة الحريّة والكرامة ساهم في تسريع الإجراءات ونجاعة الشراءات العمومية بالرغم من غموض بعض النقاط التي يمكن توضيحها بمنشور تفسيري من رئاسة الحكومة تفاديا لكل لبس. وحسب رأينا فانه كان من الأجدر تجميع الأحكام المنظّمة للشراءات العموميّة بمجلّة يتم إصدارها بمقتضى قانون. وتتضمّن هذه المجلّة خاصّة:
* قانون يتضمّن عقوبات للمتدخلين في منظومة الصفقات العموميّة في صورة مخالفة التشاريع والتراتيب الجاري بها العمل 
* أمر منظّم لصفقات المؤسسات والمنشآت العمومية نظرا لخصوصيتها ولدفع عجلة التنمية.
* أمر منظّم لصفقات الدولة. 
* أمر منظّم لصفقات الجماعات المحليّة بعد دخول مجلة الجماعات المحلية حيز التنفيذ.
* أمر منظّم للاستشارات. 
* قرارات مصادقة على كراسات شروط نموذجية.