من القلب

بقلم
محمد الهميلي
حصاد ضحايا الإستبداد بعد سبع سنوات من ثورة الحرية و الكرامة
 بعد سبع سنوات كاملة من انتصار ارادة الشعب التونسي وهروب الطاغية، من المؤسف أن نطرح هذا السؤال: «متى تنتهي مأساة ومعاناة ضحايا الإستبداد في تونس؟».
شهداء، جرحى ومناضلون سجناء،  طيف واسع من الشّعب التّونسي يحتاج إلى عمليّة ترميم كبيرة نظرا للحالة الاجتماعيّة والصّحيّة المزرية التي عاشها ومازال يعيشها حتّى الآن. جراح يستمر نزيفها، حرمان وإقصاء وتهميش، والأدهى من ذلك كلّه أنّهم قد أبتلوا بمحنة  قديمة جديدة تتمثّل في سيل جارف من التّشويه والتّقزيم والتّشفي والكراهيّة والإقصاء الممنهج، فلا القضاء أنصفهم ولا العدالة الانتقالية ضمّدت جراحهم أو أعطتهم شيئا من الأمل أو التفاؤل ولا الرأي العـــام أدرك حقيقة مظلوميتهم من فرط القصف الإعلامي الغاشم والكاذب من بعض الجهات الإعلاميّة المؤدلجة والحاقدة على كلّ ضحايا منظومة الإستبداد.
حرب معلنة ضدّ كلّ ما هو حقوق للضّحايا ورفض ممنهج لإدماجهم بالمجتمع كمواطنين وعدم الإعتراف بحقوقهم التي أقرّتها كلّ الأعراف والقوانين الدّولية والمحلّية. مؤامرة تحاك ضدّ كل تطلّعات الضّحايا في غد أسلم وأجمل ووطن يحتضن الجميع في كنف المساواة في الحقوق والواجبات.
  كانت هيئة الحقيقة والكرامة قبلة وملجأ كلّ الضّحايا وعائلاتهم لإيمانهم الكبير بأنّ قانون العدالة الإنتقاليّة قد يكون البلسم الشّافي لكلّ جراحهم والجهة الوحيدة القادرة على الإستجابة لكلّ إنتظاراتهم وتحقيق أحلامهم عبر كشف حقيقة مأساتهم ومعاناتهم وجبر ضررهم مادّيا ومعنويّا ليتمكّنوا من العيش الكريم كغيرهم في ظلّ المساواة والاستقرار والشعور بالإنسانية والمواطنة الكاملة مع محاسبة كلّ من إقترف ضدّهم تلك الإنتهاكات المشينة والجسيمة. 
 إنّ الوضع السّياسي بالبلاد في ظلّ تحالفات سياسيّة هجينة قد حكم على مسار العدالة الإنتقاليّة بالضّبابية والإخفاق في تقديم جرعات من الأمل للضّحايا. فقد ألقت محاولات إفشال الهيئة والتّقليص من صلوحياتها ومهامها بظلالها على الضّحايا ليعيشوا جولة ثانية من الانتهاكات في ظلّ حكومات ما بعد الثّورة التي لم تضع ملفهم على سلّم أولويّاتها ولم تستطع أن تؤمّن لهم شيئا من حقوقهم وكرامتهم.
إنّ الوضع السّياسي الحالي الهشّ غير قادر على تفعيل الدستور التونسي والمعاهدات الدولية والقوانين الخاصّة بحقوق الانسان والعدالة الانتقالية وهو من  ساهم في تعطيل مسار العدالة الإنتقالية وتشويه رسالتها وأهدافها وتيئيس المناضلين والضحايا منها خاصّة بعد أن فشلت هيئة الحقيقة والكرامة في البروز بمظهر الجدّية والقدرة على المسك بزمام أمورها فقد كانت انطلاقة تنفيذ مهمتها الدستورية غير موفقة نتيجة تفاقم مشاكلها الدّاخلية التي عبّرت عنها إنسلاخات بعض الأعضاء والإعفاءات التي طالت آخرين وعدم الرضا بطريقة تسيير رئاسة الهيئة. وقد أدّى ذلك إلى غضب الضحايا الذين أعياهم الانتظار في ظلّ ظروف اجتماعية وصحّية قاسية وحالة نفسية متردية فلم يعد بمقدورهم تحمّل المزيد من المعاناة وانتظار مخرجات أشغال الهيئة غير المقنعة. إن الإختلاف الحاصل بين الضحايا والقائمين على الهيئة مرده الركود والبطء في الأشغال وعدم ملامسة إجراءات واقعية وبناءة كإنصاف الضحايا والتعجيل بترميم حياتهم والحدّ من  تعميق جراحهم.
إن عدم وجود إرادة سياسيّة حقيقيّة وطغيان الحسابات والمزايدات هي أهم سبب في تعطيل معالجة ملف الضّحايا في تونس وجعله موضوعا ثانويّا محكوم عليه بالتّأجيل والتّرحيل إلى آجال لا يعلمها وأثناء ذلك يتساقط موتى جدد من الضّحايا حيث لا بواكي لهم إلاّ من عايش محنتهم  القاسية.