شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
نجم الدين أربكان«المعلم» ومهندس الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا
 يلقّبه البعض بـ «المجاهد»، ويسمّيه آخرون بـ «مهندس الحركة الإسلاميّة في تركيا». هو الوجه الأبرز بين الإسلاميين في تركيا، وصاحب تاريخ سياسي حافل ومميّز، تنقّل فيه من نائب مستقل، إلى زعيم حزب، فرئيس حكومة. جمع بين الإسلام الصّوفي والإسلام السياسي فاتهمه الصوفيون بالإفراط في السياسة واعتبره تلاميذه الذين انسلخوا عنه بنقص الحيلة وقلّة الدهاء. هو شخصيّة سياسية مركّبة مثيرة للجدل فيه شيء من مهاتير محمد وسوكارنو وفيه أيضا شيء من حسن البنا وسيد قطب هو إسلاميّ وجد نفسه في بلدٍ، رغم تاريخه الإسلامي العريق، يحارب الإسلام (السياسي بالحد الأدنى). لم ييأس يوماً من تأسيس الأحزاب التي كان يتمّ حلّها الواحد تلو الآخر من قبل السلطة العلمانيّة (وبقوّة الجيش غالباً)، وعرف السجن والمنفى في سبيل أفكاره وأقواله.
ولد «نجم الدين أربكان» في 29 أكتوبر 1926 في عائلة متديّنة من مدينة «سينوب» على ساحل البحر الأسود، نشأ في كنف الطريقة النقشبندية برعاية شيخها محمد زاهد كوتكو، وأنهى دراسته الثانوية سنة 1943، لكنّه لم يلتحق بكليّة الإلهيّات بجامعة إسطنبول، بل التحق بكليّة الهندسة الميكانيكيّة في جامعة اسطنبول التقنيّة، وبعد تخرّجه عام 1948 لم يقصد، كما كان يفعل الشبان المسلمون الأتراك آنذك (وما زالوا)، مصر لكي ينال الدكتوراه من جامعة الأزهر، بل تابع دراسته في ألمانيا، في جامعة «آخن»، حيث أنهى دكتوراه بالإختصاص نفسه عالم 1953. لم يتعلّم أربكان حينها اللغة العربيّة بل الألمانيّة، ولم يكن يرتدي جبّة بل بذلة أوروبيّة. وهذا ما ساعده في مواجهته للعلمانيّين في تركيا، إذ لم يكن لشخصيّته أي طابع إسلامي تقليدي، إنّما كان «علمانيّ المهنة والمظهر». 
عاد «أربكان» إلى تركيا حيث تولّى تدريس مادّة المحرّكات في كليّة الهندسة بجامعة إسطنبول التقنيّة منذ العام 1954 إلى العام 1966. كما كان عضوًا بارزًا في حزب العدالة برئاسة سليمان ديميريل (الذي كان زميل صفٍّ له أثناء دراسته الجامعيّة)، وكذلك لمع اسمه كواحد من رجال الصناعة في تركيا بعدما تولى عددًا من المناصب التجارية والاقتصادية خلال عقد الستينيات من القرن الماضي.
 وفي عام 1970 أنشأ أربكان بدعم من تحالف طريقته مع الحركة النورسية «حزب النظام الوطني» الذي كان أول تنظيم سياسي ذا هوية إسلامية تعرفه الدولة التركية الحديثة منذ إلغاء الخلافة عام 1924. وكانت تلك هي البذرة الأولى للإسلام السّياسي في تركيا. 
لم يصمد حزبه (النظام الوطني) سوى تسعة أشهر ثمّ تمّ حلّه بقرار قضائي من المحكمة الدستورية، فقام بدعم من التحالف ذاته بتأسيس حزب السّلامة الوطني عام 1972، وأفلت هذه المرّة من غضب الجيش ليشارك بالانتخابات العامة ويفوز بخمسين مقعدا كانت كافية له ليشارك في مطلع عام 1974 في حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك ليرعى المبادئ العلمانية. تولى أربكان منصب نائب رئيس الوزراء، وتولّى بعض أتباعه وزارات أساسيّة، مثل الداخليّة والعدل والصناعة. وقد حقق بتلك الخطوة مكاسب كبيرة لتيار الإسلام السياسي من أهمها الاعتراف به وبأهميته في الساحة السياسية التركية إلى جانب مكاسب اعتبرت تنازلات مؤثرة من قبل حزب الشعب. لكنّ الجيش كان دائما بالمرصاد، خاصّة بعد ضغط أربكان في اتجاه معاداة إسرائيل وقام بتجييش الناس من أجل القدس، فنفّذ العسكر انقلابا أطاح بالائتلاف الحاكم، وأدّى إلى حلّ الأحزاب واعتقال أربكان وعدد كبير من الناشطين الإسلاميين. وبعد ثلاث سنوات غادر السجن ليؤسّس في العام 1983 حزب الرفاه الوطني، الذي أفلح في الفوز بالأغلبية في انتخابات عام 1996 ليشكّل أربكان أوّل حكومة يترأسها إسلاميّ في تركيا.
خلال أقل من عام قضاه رئيسا للحكومة التركية، سعى أربكان إلى الانفتاح بقوة على العالم الإسلامي، وأعلن عن تشكيل مجموعة الثماني الإسلامية التي تضم إلى جانب تركيا، إيران وباكستان وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وبنغلاديش وماليزيا. كما حرص في نفس الوقت على عدم استفزاز الجيش، من خلال عدم المساس بالنظام العلماني وتنفيذ الاتفاقيات السابقة مع إسرائيل دون تردد، مع زيارتها لدعم التعاون العسكري معها. لكن ذلك لم يكن كافيا لإقناع الجنرالات، الذين ضغطوا من أجل إصدار قوانين تستهدف وقف كل مظاهر النشاط الإسلامي بجميع أنواعه، فاضطر أربكان إلى الاستقالة من منصبه لمنع تطور الأحداث إلى انقلاب عسكري فعلي. وفي عام 1998 تم حظر حزب الرفاه وأحيل أربكان على القضاء بتهمة انتهاك مواثيق علمانية الدولة، ومنع من مزاولة النشاط السياسي لخمس سنوات، لكنه سرعان ما أسّس حزبا جديدا باسم الفضيلة بزعامة أحد معاونيه وبدأ يديره من خلف الكواليس، لكن هذا الحزب تعرض للحظر أيضا في عام 2000. وبلا كلل عمد أربكان إلى تأسيس حزب آخر هو «حزب السعادة» لكن خصومه من العلمانيين، تربصوا به ليجري اعتقاله ومحاكمته في نفس العام بتهمة اختلاس أموال حزب الرفاه المنحل، وحكم على الرجل بسنتين سجنا وكان يبلغ من العمر وقتها 77 عاما، قبل أن يصدر الرئيس التركي عبد الله غول عفوا رئاسيا عنه في 18 أوت 2008 بسبب تدهور صحته.
خرج أربكان من العمل السياسى الفعلي، بعد أن غادر السجن على إثر عفو رئاسي لسببين إثنين أحدهما تقدّمه في السنّ والآخر نتيجة صعود نجم أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي جمع حوله أغلب الأنصار السابقين لأربكان. توفي نجم الدين أربكان في يوم الأحد 27 فيفري 2011، في أحد مستشفيات أنقرة عن عمر ناهز 84 عاماً.