الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
الافتتاحية
 يصدر هذا العدد الجديد من مجلّة «الإصلاح» في ذكرى عزيزة على قلوبنا جميعا نحن المسلمين وهي مولد آخر الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وتحلّ علينا هذه الذكرى ونحن في معيشة ضنكا، وقد غزا الوهن قلوبنا وتداعت علينا الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، لا نعرف أين المسير ولا كيفيّة التّدبير. ولكنّنا سنحتفل بها برغم كلّ المآسي تمجيدا لشأنه وتعظيما لقدره ولرسالته لنعبّر فيها عن حبنا وفرحتنا وإكبارنا لهذا النبي العظيم الذي منّ الله به على المومنين وأرسله رحمة للعالمين، لعلّ هذا الاحتفال يكون مناسبة نرتوي فيها من رحيقه المختوم ولحظة نراجع فيها أنفسنا ومقدار محبّتنا له، لنسير بعدها على هديه حتّى نلاقي ربّنا مهما تكاثرت الفتن وازدادت علينا البلايا والمحن.
لقد تميّزت شخصيّة محمد بالحكمة والرشاد وبعد النظر والاعتدال في المواقف والمعاشرة الطيّبة والصبر والمكابدة. فقد اتبع هذا القائد منهجا  يقوم على التّبسيط في كل مناحي الحياة، والرّفق بمن حوله بدل العنف وتعقيد الأمور، غير أنّ عبادا يدّعون انتسابهم إليه وإلى دينه لم يستوعبوا حكمة منهجه، فبدّلوا الرّفق بالغلظة والحوار بالصّدام والتّسامح بالتشدّد، فشوّهوا بذلك صورة الدّين الذي بعث به رحمة للعالمين واحتكروه ليصنعوا منه سلاحا يحاربون به من خالفهم ويرعبون به خصومهم ويتحكّمون من خلاله في رقاب الناس، وقد استغل أعداؤه جهل هؤلاء ليسوّقوا صورة مشوّهة عنه وعن دينه فغدا الإسلام رديف الإرهاب والعنف في نظر الكثيرين. 
لقد أسند الأمر بالمعروف إلى غير أصحابه وانتصب متكلّما فيه من لم يجمع بين العلم والحكمة والصّبر، وهيمن على الدّين رجال لا يعرفون منه إلاّ التّحريم والمنع، ليس لديهم من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم إلاّ القليل، فقد كان الحبيب محمد يعالج المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة ويعامل المخطئ برفق ولين وحسن خطاب، ملتزما بقول ربّه «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» فكان يخاطب الناس بما يفهمون، كل حسب حاله وفهمه وقوله. أمّا اليوم فقد ابتلينا بمن يدّعي انتسابه للنبي محمد إلاّ أنه يعالج المنكر بمنكر أشدّ منه وأعظم وزرا، فوُئدت الحكمة والموعظة الحسنة وحلّ مكانها التشدّد والغلظة. ضيقوا على أنفسهم وعلى النّاس فضيق الله عليهم.
لم يكن الحبيب محمد شيعيّا ولا سنّيا ولا درزيّا ولكن كان حنيفا مسلما،  فهل من سبيل إلى العودة إلى نبعه الصّافي؟ وهل من طريق إلى إحياء مشروعه الإنساني المؤمن بالتّعدد والتنوع؟
إنّ الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم أهل لأن تُذكر سيرته العطرة في كل لحظة و أن يعظّم في يوم مولده وفي سائر أيّام السّنة  لأنّه القدوة التي من دونها سنبقى تائهين  نعيش الوهن والتّخلّف والضّلال.