لغتنا العربية

بقلم
سامي الشعري
اللغة والانخراط
 لقد قرّرت أن أغيّر لغة هاتفي: قد يكون هذا السّلوك في المعنى المتداول مجرد إجراء تقني قد يروح إلى ناحية أو أخرى دون وجود مرجح لأحدهما. لكــن هــذا التّماثـــل، هــذا الـ «كيف كيف» هو منطقة الخطر التي تهم الرّموز واستعمالها كما ذكرنا. لكن، بناء على ما مررنا عليه من مقدّمات، يصير الأمر تموقع ضروري لجهة أو أخرى، ونكون قد أنجزنا خطوة مهمّة إذا قدرنا أن نبيّن خصائص الفضاء ( الخطاطة، المسطح، ...) الذي نتحرك فيه. 
أن أتكلم وأكتب بلغة ما، فذلك يعني -بعيدا عن كلّ زيف أو وهم- انتماء ومرجعية ما. إن الفعل الفردي الذي قمنا به هو موقف، التزام فردي، أخلاقي، يلتصق بنمط وجودنا وليس مجرّد مشغل نظري، وهذا ما يجعله مشكلا. لم تعد العربيّة إذا في ماهيتها الاجتماعية والحضاريّة كائنا محايدا، ولذلك فالمسافة إزاءها التي تفرضها اللّحظة النّقدية مع كلّ جهاز رمزي لا يمكن بحال أن تستحيل الى لامبالاة بدعوى «الحياد العلمي». الأمر صار غير ذي وجاهة داخل العلوم التّجريبية الصّورية، بحكم أنّنا تحولنا من براديغم الموضوعية إلى التّفاعل والتأويل والمقاربة والصّلاحية التداولية. 
لكن الأمر يصير أكثر إلحاحا ومشروعيّة مع المباحث الإنسانية، حيث تخترق من طرفها إلى طرفها بزاوية نظر الباحث أو المؤسسة أو المرجعيّة أو الرّهان... ليس الحياد إذا بهذه الصورة إجرائيّة علميّة معرفيّة، وإنما استراتيجيّة للاستقالة، بل أكثر من ذلك تفويضا للقوى المعادية.  
اللّغة ليست محايدة. إنّها المنفتح الذي يرعى الوجود ويحفظ المعنى، ومن الوهم –إن لم أقل من الغباء المبرمج-أن نعتقد أنّها يمكن أن تكون كيانا بلا هويّة يصلح فقط للتّسمية. إنّ التّسمية نفسها هي استراتيجيّا كما تعود أن يقول مطاع صفدي، وهي «خلق ثان» للأشياء.  إنّها فوق ذلك –في نمط حضورها الثقافي-الاجتماعي-السّياسي الفضاء الذي يرسم ضـــــرورة توزيعـــا للمــواقع، ولذلك وجب بدءا أن نختــار: أما أن نعبّر (ونسمي الأشياء ونتّصل وننفتح على الوجـــود) عن طريق هذه اللّغة، أو أن نعرض أي أن نرفض ذلك. 
استعادة مشكلة اللّغة العربيّة من جديد يدلّ على أنّ هناك تاريخ، ولا نعني بذلك مجرّد تتال للأنات الزّمنية، وإنّما نحن نتحيّز في مرحلة، في وضعيّة ما سياسيّة ثقافيّة تتّصل بهواجس مجموعة ما تتحدّد أساسا باستعمالها لهذا اللّسان تربط مصيرها بتواصله. إنّ الوضعيّة التّاريخيّة في ذاتها تشي بأنّ الأمر يتجاوز البعد القطري الوطني ليلقي بجذوره فيما هو أبعد من ذلك، هذا الذي يراد له أن يندثر استعمالــه وبالتّالي معناه (أقصد الامّة). 
استعادة المشكل هو تفكيك ما ترسّب خصوصا في الدّولة الوطنيّة حيث استبعد كلّ ما هو عربي إسلامي في التّجربة البورقيبيّة. إنّ الاشتغال الايديولوجي لأجهزة الدّولة، جعلنا لم نعد قادريـــن حتّى على «رؤيــــــة» ما حصل فعلا ، قبل تأويله بطريقة أو بأخرى. إنّنا نضع في الحقيقــة جهدنا المتواضع هذا ضمن خطّ الثورة،  ضمن «الحقيقة والكرامة»، ضمن «مقاومة الفساد» في منابته الأولى، حيث لم يعد يتحدّث إلاّ عن ظواهره المالية