في العمق

بقلم
أ.د.فوزي أحمد عبد السلام
حين لا يسعك الصمت ولا الكلام
 فض الاشتباك الاستبدادي
دخلنا منذ زمن طويل في ثقب أسود. يتنامي عدد الثّقوب السّوداء غير المعزولة في منظومتنا المعرفيّة باستمرار حتّى كاد أن يبلغ حدّ اللاّنهاية ولا أدري ماذا بعد اللاّنهاية، لا قوانين تحفظ العلاقات بين النّاس، تدان على كلّ شيء وضدّه، تتماهى الأقطاب المتناقضة، تضيع الحواجز والفوارق بين الصّمت والكلام. كنّا في الماضي - حين ننشد السّلامة - نتعلّم «أمسك عليك لسانك وابك على خطيئتك وليسعك بيتك»، والآن لم يعد بيتك يسعك حتّى لو أمسكت عليك لسانك، لم يعد الصّمت يغني عنك من الاستبداد شيئا، فقد علم المستبدّون أنّ «الصّمت فنّ من فنون الكلام»، فعندما نصمت يستقيل الجزء الظّاهر من اللّغة وهو الكلام، ويبحر الإنسان داخل نفسه في عالمه الخاصّ وداخل الظّواهر، وربّما أبدع أكثر وأكثر ممّا لو تكلّم، وكانوا يعلّموننا أيضا «لا تتكلّم  فللجدران آذان»، أمّا اليوم فقد صار للصّمت تُرجمان، هذه ضريبة صمتنا بل نومنا لقرون طالت أكثر من مدّة أهل الكهف، حتّى انقلبت المفاهيم وظنّنا أنّ طول النّوم يمدّ في الأجل، ندفع ثمن هذه الغفلة غاليا من تخلّفنا، فقدنا عُملة التّداول العقلي بيننا، نقاشاتنا أقرب إلى الاتهام والتّخوين منها إلى النّقاش العقلي الجادّ لاستجلاء الحقيقة، فقدنا مفردات اللّغة التي نتفاهم بها، عدنا إلى ما قبل «وعلّم آدم الأسماء كلّها». هذه ليست لغة تشاؤميّة، ولست يائسا من إصلاح ما نحن فيه، لكنّها محاولة توصيف مختزل جدّا لحالتنا، وواجب الوقت هو محاولة الخروج من هذا التيه، وأقلّ ما فيه فضّ الاشتباك الاستبدادي بيننا، لأنّ الاستبداد لم يعد يخصّ علاقة السّلطة بالمواطن لكنّه تعدّى إلى علاقة المواطن بالمواطن وربّما كانت علاقة المواطن بنفسه. 
تعريف الصّمت
الصّمت في اللّغة هو السّكوت عن الكلام واصطلاحًا قال المناوي الصّمت «فقد الخاطر بوجد حاضر»، وقيل «سقوط النّطق بظهور الحقّ»، وقيل «انقطاع اللّسان عند ظهور العيان»[1]. وقال الكفوي «والصّمت إمساك عن قوله الباطل دون الحقّ»[2]، وقد يكون الصّمت أبلغ من السّكوت قاله الرّاغب الأصفهاني[3]. وعند التّحذير من الوقوع في آفات اللّسان ومنكرات الأقوال حثّ الشّرع على الصّمت ورغب فيه حيث قال النبي صلي الله عليه وسلّم «من صمت نجا» [4] وقال «رحم الله امرأً قال خيرًا فغنم، أو سكت فسلم»[5] وقال «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» [6]، ولهذا دار كلام كثير من العلماء على فضيلة الصّمت على أنّه منجاة وأنّ فيه السّلامة، لكن هناك آخرون استنبطوا من كلام النّبي فهما أوسع وأشمل فقال علي بن أبي طالب «لا خير في الصّمت عن العلم، كما لا خير في الكلام عن الجهل»، وقال النيسابوري «والإنصاف أنّ الصّمت في نفسه ليس بفضيلة، لأنَّه أمر عدمي، والنّطق في نفسه فضيلة، وإنّما يصير رذيلة لأسباب عرضيّة». 
لكن أتى علينا زمان إن صَمَتّ فلا تُضمن لك السّلامة وربّما استجوبوك لماذا أنت صامت وإن تكلّمت اتهمت «لماذا تنشر الفرقة والتّنازع». حينئذ لا يسعك الصّمت ولا الكلام، وغاية ما في الأمر أنّه اختلاف في وجهات النّظر ورأي مخالف لآخر، فما هو الخلاف والاختلاف؟.
الخلاف والاختلاف في اللّغة ضدّ الاتفاق، والأوّل مصدر خالف، والثاني مصدر اختلف، قال الرّاغب الأصفهاني «الخلاف أعمّ من الضدّ؛ لأنّ كلّ ضدّين مختلفان، وليس كلّ مختلفين ضدّين»[7]، و ذكر أبو البقاء الكفوي[8] في كلّياته أنّ الاختلاف هو فيما يسوغ وما اتحد فيه القصد، واختلف في الوصول إليه واستند إلى دليل لذا فهو من آثار الرّحمة، والخلاف هو فيما لا يسوغ ويختلف فيه القصد مع الطّريق الموصل إليه ولم يستند إلى دليل ولذا فهو من آثار البدعة. ومع وجاهة هذا الكلام وإمكانية الانتفاع به إلاّ أنّه عارضه آخرون بأنّ هذا الكلام ليس عليه دليل يعضده من اللّغة. وعليه يكون الخلاف والاختلاف في الاصطلاح هو «منازعة تجري بين المتعارضين؛ لتحقيق حقّ أو لإبطال باطل [9]» . 
لماذا نخاف من الخلاف  والاختلاف 
المشكلة تكمن في أنّ هناك مصطلحات استقر في العقل الجمعي -إن كان هناك ثمّة عقل جمعي ظلّ بحوزتنا- وفي الوجدان الشّعبي والثّقافي في منطقتنا العربيّة والإسلاميّة بغضها ومقتها، وذلك لأنّنا ورثناها في إطار قيمي سامي على أنّها من كلام المعصوم صلّى الله عليه وسلّم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فهل ذلك صحيح على أخذها كذلك أم تفهم في سياقها الذي ربّما يؤكّد على معنى مختلف، وربّما احتاجت إلى تفصيل؟، أي أنّنا وبكلّ جسارة لابدّ من أن نقدم على مراجعة دقيقة وشاملة لمثل هذه المصطلحات والتي منها «الاختلاف لا يأتي بخير» و«الخلاف شرّ» وقد روي ذلك بالفعل عن عبد الله بن مسعود، فعن معاوية بن قرّة عـن أشياخه أنّ عبد الله بن مسعود صلّى أربعا، فقيل له عبت على عثمان ثم صليت أربعا، قال «الخلاف شرّ»[10] والقصّة ببساطة أنّ عبد الله بن مسعود كان يرى القصر والجمع بمنى وهي من مكّة، وكان عثمان إمام المسلمين وقتئذ يرى إتمام الصّلاة مع الجمع لأنّه كان يرى نفسه من أهل مكّة وله بها أهل، وقد صلّى ابن مسعود وراء عثمان وأتمّ الصّلاة خلافا لما يراه في خاصّة نفسه، فلمّا سُئل عن ذلك قال: «الخلاف شرّ» لأنّ متابعة الإمام والمحافظة على اجتماع الأمّة أمر واجب، ومصلحة راجحة، وأخذه بمقتضى رأيه مصلحة مرجوحة. لكنّه رضي الله عنه حين المناظرة والمحاججة لم يكن ليقل أنّ رأيه واختلافه مع عثمان رضي الله عنه خطأ، بل سلك مسلكا عمليّا - من وجهة نظره - ظنّا منه رضي الله عنه أنّ ذلك سيفضي إلى التفرق والتّنازع، لكن المأثور عنه أنّه لم يرجع عن رأيه ولم يضطهده عثمان بن عفان أمير المؤمنين حينئذ رضي الله عن الجميع. 
الاختلاف لا يقتضي التنازع  
بناء على هذه الثّقافة، تمّ التّفزيع من الاختلاف بذريعة أنّه مفضي إلى التّنازع مستدلّين بالآية الكريمة «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» [11]. ونسينا أنّنا بشر ننقسم انقساما ميوزيّا أو اختزاليّا عندما كنّا نطفا في أرحام أمّهاتنا،  يتعاظم في هذا الانقسام التّغيير والاختلاف عن آبائنا، هذا الاختلاف هو ما يأتي بالإبداع حقّا، بخلاف الكائنات الأوّليّة وحيدة الخليّة التي تنقسم انقساما ميتوزيّا أو متساويّا، نسخ طبق الأصل من آبائها خالية تماما من أيّ إبداع. في هذا الجوّ المادّي البحت يتعاظم الاختلاف من لدن آدم عليه السّلام إلى عصرنا والعصور القادمة التي ستعقبنا ممّا يؤكّد أنّ الاختلاف سنّة كونيّة كما قال الله تعالي «ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربك» [12] وأنّ المراد منها إن كان في الأمور الشّرعيّة القطعيّة فهو باطل ومذموم ومقاومته مطلوبة رعاية لثوابت الدّين ووحدة الأمّة، وإن كان الاختلاف في الأمور الفروعيّة فالمراد منه هو معرفة المتّبع للقواعد المحكمة والمقاصد الكلّية للشّريعة من المبتدع والمطلوب هو توضيح كلّ رأي بأدلته، وهو يثري ولاشكّ كثيرا الحالة الفكريّة، ويؤكّد على أنّ السّلطة الحقيقيّة في هذه الأمّة هي الدّليل. وإن كان الاختلاف في المصالح المرسلة من أمور الدّنيا فالمراد منه هو مراعاة التّجديد والإبداع والمطلوب هو تعظيمه، ففي العلوم الطّبيعية ليس هنالك ثمّة جمال بدون اختلاف، لا تنمو المعرفة وتزداد إلاّ في تربة التّنسيق والتّفكيك والتّركيب للعناصر الثّقافية المختلفة، عالم مليء بالمختلفات ألون وأصوات ولغات بل وأعمار وقيم ومعتقدات فلا تعشق العين إلاّ بالإختلاف ولا تطرب النّفس إلاّ بتنسيق المختلفات، ولا تملّ إلاّ من النّسق الواحد، بل في أنّه «لن يوجد إبداع إلاّ ببناء أنماط واستقرارها ثمّ كسرها» [13]. إذن فمجهودنا نحن البشر بين الحين والآخر هو مراجعة أساليب حياتنا في ظلّ هذا الاختلاف لكي يكون اختلافا بناءً فاعلا مبدعا، ولأنّنا إن قاومنا الاختلاف لأجل رفعه تماما أو حتى التّقليل منه كما يقول كثير من السّلفيين والمقاصدّيين على حدّ سواء، بدلا من ترشيده والاستفادة القصوى من وجوده كسُنّة كونيّة ربّما أثّر ذلك على التّكوين العقلي لأجيال بأكملها من رفض الخلاف. الخوف كلّ الخوف ينبع دائما من سحب التّخويف من الاختلاف في مساحات شرعيّة بها نصوص ذات دلالات واضحة أو حتّى ملتبسة وربّما يذمّ الاختلاف فيها إلى مساحات تركت من الشّارع الحكيم ليتحرك النّاس بحرّية ومرونة في حياتهم من أقصى يسار العلوم الطبيعيّة إلى أقصى يمين العلوم الإنسانيّة. ومعظم اختلاف النّاس أصلا في هذا الباب وهو باب المصالح المرسلة. لقد كانت هناك مناطق كانت تعدّ في السّابق مثلا من السّفسطة والجدل العقيم والعلم الذي لا ينفع والجهل به لا يضرّ ثم اتضحت الصّورة أكثر وأكثر وتمّ تأسيس علوم حديثة مثل المنطق الصّوري «الرّياضي» عليها مثل حوارات الفلاسفة، والغريب أنّه ما يزال طوائف كثيرة منّا تظنّ أنّ الرّياضيات والفيزياء والفلك ومعظم العلوم الطّبيعية هي من زاد الدّنيا فقط. 
الرأي ليس معادلة رياضية
يختلف النّاس في تقدير المصلحة والمفسدة في قضايا عديدة حسب المكان والزّمان والظّروف والثّقافة والبيئة ... إلى آخره، وينبغي أن نعلم أنّ إبداء الرّأي في موضوع ما ليس معادلة كيميائيّة أو فيزيائيّة يتحقّق طرفاها بمجرد التّعويض، ولا هو نظريّة رياضيّة مبرهن على صحّتها بأدوات منطقيّة لا يمكن نقضها، أقصى ما فيها أنّها دراسة جدوى فكريّة للموضوع محلّ المناقشة، لذا قد يصيب في بعض زواياه وقد يخطئ في الأخرى، بل أكاد أجزم أنّه لطبيعته البشريّة لابدّ وأن يصيب في البعض ويخطئ في البعض. لا سيما أنّ هناك مواضيع كثيرة تطرح للنّقاش وتكون الملامح الدّقيقة للموضوع نفسه غير محدّدة تماما، فعند وضع القانون فإنّه لا يستقصي كلّ الحالات وحتى لو استقصاها وقت إقراره، فربّما استحدثت حالات بعد ذلك وحين مناقشتها يتمّ التّنازع بشأنها. أيضا عدم تحديد الصّلاحيات المناطة بكلّ مستوى من مستويات المسؤوليّة على وجه الدّقة وأنّها لا تحسب وفق قوانين رياضيّة بل أكثرها ملائمة لطبيعة المسؤوليّة. لكن على أيّة حال ينبغي ألاّ يقذف بالرّأي لمجرد أنّه رأي مخالف، كما لا ينبغي أن تستعدي السّلطة على صاحب الرّأي، أو أن يتمّ إشعار المسؤول بأنّه لا يخطئ، فهذا كلّه لعمري من الكبائر الفكريّة. وهو ممّا يؤدّي إلي توحّش المستبد وأصحاب فائض الإحساس بالقوّة على أصحاب الرّأي، وإنتاج جيل يسلم عقله لغيره ليفكّر له بمنطق الفريسة والمفترس، حتّى يظنّ بعد ذلك أنّ التّفكير جريمة.
جريمة مصادرة الرأي
  جريمة كبرى أن يكون لك رأي في أزمنة الاستبداد «حتّى ولو رأي صامت»، والجريمة الأكبر أن تبديه، أمّا التي لا تغتفر أن تدافع عنه. ومع تمدّد زمن الاستبداد وانكماش العقل الجمعي السّابق صارت فئات كثيرة منّا تتبنى حجج المستبد تقرّبا لنعمه الزّائلة وخوفا من نقمه، فيريد البعض منّا أن نكون ممثّلين لا نخرج عن النّص المكتوب، والغريب أنّ هذا النّص ليس وحيا فليس لنا أن نتقدّم أو نتأخّر عنه، ولكنّها جملة من محدّدات الخطاب في عصر الاستبداد الذي يقدّس مقولاته من خلال فرض قيودٍ مرهقة على الصّمت وقيود مزعجة على الكلام، إن تكلمت خارج النّص المكتوب فأنت مُدان وإن صمتّ فأنت مدان. هؤلاء الذين يتبنّون مقولات الاستبداد لا يؤمنون بفتوحات العقل السّياسي الذي اكتشف منذ قرون طويلة في إمكانيّة عقد مصالحة بين ما يظنّه كثيرون نقائض. ويظنّ هؤلاء أنّ الحياة هي جملة من الحرّيات التي ينبغي أن يتمتّع بها الجسد ويا ليتهم حصّلوها، ويتناسون في بلاهة مطلقة الحرّية التي ينبغي أن يتمتّع بها العقل مثل حرّية التّعبير بل وحرّية الصّمت إن كان الصّمت أبلغ من الكلام في حالات معيّنة، وصرنا في وضع لا نحسد عليه، صار بيتنا الحقيقي «في التّفكير الدّاخلي وهو الصّمت» لا يسعنا، وحتى على الصّمت يصادرون حرّيتنا، يتناسون أيضا حرّية مقاومة التّغيير حتى ولو كان التّغيير إلى الأحسن لأنّه حين التّغيير لا يعلم ما هو مصير التّغيير ولأنّه لو فقدنا حرّية المقاومة لأصبحنا ريشة في مهبّ الرّيح، يبرّر هؤلاء مصادرة الحرّية ومنع الكلام واغتيال العقل أحيانا بفقد الأمن أو بفقد الرّفاهية أو التّخويف من مصير كمصائر الآخرين حتى ولو لم تحسم الأمور بعد. أنظر إلى ما نفعله ببعضنا، فعندما اختلفنا قدّمنا طاعة فلان أو علاّن على طاعة الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم حين أمرنا بالإنصاف والقيام بالعدل حتى مع أولئك الذين بيننا وبينهم عداوة كما في قول الله عزّ وجل «وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئآنُ قَوْمٍ على ألاَّ تَعْدِلُوا» [14] حتى صارت تلك الطّاعة للمستبدّين قريبة جدّا من العبادة، وتأمّل إلى كلام فولتير «قد أختلف معك في الرّأي ولكنّني على استعداد أن أموت دفاعاً عن رأيك». لأنّه وفي ظلّ عدم وجود قدر محترم من الاختلاف سأفنى أنا وأنت ومن ثمّ يكون العدم.
دنيا بلا  اختلاف تساوي العدم
كيف تكون الدّنيا بلا اختلاف، تعني أنّنا سنكون بلا علماء، ولا أشكّ لحظة أنّ الجنس البشري وقتها سيكون تابعا حقيقة لا مجازا للملكة الحيوانيّة، ورحم الله من قال «يا علماء الدّين يا ملح البلد من يصلح الملح إذ الملح فسد»، ومن وجهة نظري أنّ ذلك ليس قاصرا على علماء الدّين فقط كما قال بل لا تصلح الدّنيا إلاّ بعلماء الدّين والدّنيا. تخلو الدّنيا من العلماء إذا وكلّ الأمر إلى غير أهله ويسود الظلمة المستبدّون، وأقلّ ما فيه إن لم يكن خلوّا حقيقيّا من العلماء كان خلوّا مجازيّا بصمت العلماء. العلماء هم القوّة الدّافعة لتطوّر المجتمعات وفي نفس الوقت جهاز مناعته، ومن نكد الدّنيا أن يصمت العالم، ومن وجهة نظري أنّ الصمت عدوّ العالم حين يلقي النّاس، فمهمّة العالم الرّئيسية هي تعليم النّاس وليس الصّمت، وقد يتفلسف البعض ويقول يعلّمهم بالصّمت، ورحم الله أحمد بن حنبل إمام أهل السّنة حين قال «إذا سكت العالم تقيّة والجاهل يجهل فمتى يعرف النّاس الحقّ»، وأعجب من ذلك أنّه في عصر الاستبداد قد لا يسعه السّكوت وربّما لو عاش أبو الطيب المتنبي  في عصرنا لصاغ بيتا آخرغير بيته الآتي لأنّه لن يكون كافيا أبدا في توصيف حالة النّكد التي يعيشها العلماء التي تستوجب دعاء الله لتفريج الكروب، أو ربّما عُدّ هذا البيت من  باب التّذكير بالنّعم.
ومن نكد الدّنيا على الحرّ أن يرى         عدوّا له ما من صداقته بدّ
الهوامش
[1] عبد الرؤوف المناوي، «التّوقيف على مهمّات التّعاريف»، تحقيق عبد الحميد صالح حمدان، ص 219، عالم الكتب، القاهرة، 1990م.
[2] أبو البقاء أيوب بن موسى الكفوي ، «الكلّيات: معجم في المصطلحات والفروق اللّغوية» ، تحقيق عدنان درويش - محمد المصري، ص 806، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1998م.
[3] أبو الحسن نور الدين الملاّ الهروي القاري، «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح»، دار الفكر، بيروت - لبنان، 3038/7.
[4] حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وثق رواته المنذري في التّرغيب والترهيب (3/343)، أخرجه التّرمذي (2/82) والدّارمي (2/299) وأحمد (2/159)، وصحّح إسناده أحمد شاكر في المسند (10/140) والألباني في «السّلسلة الصّحيحة» 2 / 62.
[5] حديث خالد بن أبي عمران، رواه ابن أبي الدّنيا في الصمت (ص 71). وقال السيوطي في الجامع الصغير (4427)، مرسل حسن.
[6] حديث أبي هريرة رضي الله عنه، متفق عليه، البخاري (6475)، ومسلم (47).
[7] الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ط2، دار القلم، دمشق، (ص 294) سنة 1992م.
[8] المرجع رقم [2]  ص61.
[9] علي بن محمد السيد الشريف الجرحاني، «معجم التعريفات»، تحقيق محمد صديق المنشاوي، ص 89، دار الفضيلة،  1996م.
[10] قول لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أخرجه عبد الرزاق في المصنف 2/199 وأبو داود 1960 والطبراني 6/386 والبيهقي 3/143.
[11] سورة الأنفال - الآية  46
[12] سورة هود - الآية  118
[13] فوزي أحمد عبد السلام، بناء الأنماط وكسرها، مجلة الإصلاح، العدد 114، جانفي 2117- ربيع الأول 1438، 22-27.
[14] سورة المائدة - الآية  8