همسات

بقلم
امحمد الخوجة
المنهج الرباني في مراعاة الرأي المخالف
 لمّا خلق الله الإنسان حباه من المقوّمات ما يليق به ليتعايش مع الكون، سواء باعتبار هذا الإنسان هو امتداد، وعنصر مهمّ في الكون وجزء منه، أو باعتباره كائنا يتعدّد فتختلف خصائصه، وميولاته واتجاهاته.
ومن أهم المقومات التي يتمتّع بها الإنسان العقل، تلك البوصلة التي توجّه الإنسان لكي يميّز، ويغربل ويمحّص، إلاّ أنّ هذا العقل لابدّ له من وسيلة تساعده لكي يصقل ويبقى عطاؤه في تجدّد مستمر، بحسب تطوّر الحضارة، وتوالي الأحداث والوقائع، والوسيلة التي تحفظ تجديد العقل هي المعرفة، التي تؤهّل الإنسان حتّى يتعايش مع الكون ومن فيه، من  نبات، وجماد، وحيوان ...
والفهم السّليم للإسلام، هو الذي يقي المرء من الانزلاقات الخطيرة التي تمزّق العلاقات، وتشتّت الأواصر، لأنّ أول ما دعي إليه الإنسان هو المعرفة (العلم)، قال عزّ وجل:«وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة» سورة البقرة الآية 31.
إنّ رأي إبليس، كان معارضا لأمر الله سبحانه، لكن هل الحقّ عز وجل أعرض عن ٍرأيه، ونحاه من الكون، وفي إمكانه ذلك؟؟؟ أبدا، بل استجاب له حين طلب منه الإنظار، «قال رب أنظرني إلى يوم يبعثون» سورة الأعراف الآية 14 ، وهذا هو المنهج الرّباني لأجل مواجهة المخالف والمعارض بالحجّة، وبالتي هي أحسن، لأنّ حجّة إبليس كانت واهية، فالخلق من النّار ليس هو مقياس التّفضيل، والمكانة، إنّما العلّة كانت في الامتثال، والطّاعة، وهو الأمر الذي كان من المفروض أن يقدم عليه إبليس، ثم إنّ الله فضّل آدم على أساس امتلاكه للمعرفة، وقد يكون هذا سببا للحسد أيضا.
وعليه، فهل يحقّ لنا أن نكيل لكلّ مخالف لنا مكاييل السبّ، والّشتم، والقدح؟؟؟، 
إن الفكرة ينبغي أن تجابه بالفكرة، وهذه الفكرة محلّها ومنطلقها العقل، الذي تشرّب برحيق العلم والمعرفة والبحث والتقصي، وإلاّ فإنّنا نعلم بيقين، أنّ سبّ أهل الدّيانات الأخرى لا يجوز، وهو منهج ربّاني أيضا في مراعاة الرّأي المخالف، وهو من باب سدّ ذرائع سبّ خالق الكون، وربّما كان من باب ترك فرصة للآخر، الذي قد يغيّر أفكاره بين عشية وضحاها.
وعودة منّا إلى قضية تعلّم الأسماء(المعرفة والعلم والتّعلم)، نجد أنّها عرضت على الملائكة، فلم يفقهوا كنهها، ومعلوم أنّ إبليس كان من الجنّ، وبلغ بعبادته درجة الملائكة، بمعنى أنّ الأمر كان يهمّه أيضا، ولذلك أعرض، ونأى بجانبه، ولم يرض بالسّجود للإنسان تقديرا واحتراما.
إنّ صقل العقل بالمعرفة، أمر ضروري لمجابهة الرّأي المخالف، بل واحترامه وعدم الطّعن في ذوات المخالفين، لأنّنا لا نجد أبدا في القرآن الكريم أنّ الله عزّ وجل، يعيب خلقة إبليس، أو ينتقص من شكل ذاته، وجسمه. ومع الأسف هذا هو الذي يحصل عند بني البشر، إذ غالبا ما ينتقصون الأجساد، والصّور، والأشكال، لمجرّد أنّ صاحبها صدرت منه بعض الأفكار التي تخالف أفكارهم.
إنّ ضرورة حضور العقل للاطّلاع على هذه الأمور وغيرها، والدّعوة إلى استخدام العقول أصبحت حاجة ملحّة، ولا مناص من الانفكاك عنها، وما كانت الآيات المتشابهة مثلا، في القرآن الكريم، إلاّ من أجل تحريك وشحذ تلك العقول للبحث في الحقيقة التي يمكن أن يتوصّل إليها من خلال اعتماد أساليب وآليات لفهم المتشابهات من النّصوص، وهذا التّشابه هو الذي نتج عنه اختلاف بين فرق كثيرة من المسلمين، فعقدت المناظرات وألّفت الكتب ووجهت الرّسائل والرّدود، ولكن كلّ ذلك إنّما كان في إطار النّقد الموضوعي المعتمد على العقل، ومقارعة الحجّة بالحجة، بعيدا عن السّب، والتّعصب، اللّهم ما كان يند من البعض، وعلى هذا تتأسّس فكرة مفادها أنّ القويّ واللّبيب، هو من يملك معرفة تجعله يقنع الآخر بلباقة وحكمة، وحتى إن لم يقتنع صراحة، فعلى الأقل أن يترك في ذهمه بعض التساؤلات التي قد تؤرّق مضجعه، وقد يأتي يوم يغيّر فيه رأيه وأفكاره.