في الصميم

بقلم
سعيد السلماني
الحب والعنف أية علاقة
 هل يقوم الحب على التطابق أم على الاختلاف؟
قد يبدو مثل هذا التّساؤل بديهياً لكن في مملكة السّؤال سرّ لا يعرفه إلاّ أهل الحرف والكلمة، وهذا ما انكشف لي عندما تأمّلته جيدا. فالمتأمّل في ثقافتنا العالمة وغير العالمة يجد دعوات وآراء كلّها تصبّ في كون الحبّ تطابقاً لا اختلافاً. وقد تصبح هذه الدّعوة راسخة شامخة عندما تجد لها مرتعاً خصباً عند بعض المشايخ النّاطقين باسم الدّين، الذين لا يقبلون الآخر إلاّ إذا كان على شاكلتهم، وإلاّ فهو مخالف خارج عن الجّماعة، وعليه، بغضه واجب. مع العلم أنّ الدّين كلّه دعوة للانفتاح وتقبّل الآخر، دعوة للتّآلف والتّعارف... «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» (1).
سُئل الفيلسوف الفرنسي «دي مونتين»(2) مرّة عن سرّ حبّه الشّديد للكاتب الثّائر صاحب كتاب  «العبوديّة الطّوعيّة» «إتين دي لابويسيه»(3)، فقال: «لأنّه هو هو، وأنا أنا».
ماذا يعني هذا الكلام؟ إنّه حديث عن الاختلاف وتقبّل الآخر كما هو، إنّ الحبّ بهذا المعنى حبّ منفتح، حبّ يفتح أفق الاختلاف إلى أبعد الحدود، فنحن عندما نحبّ، نتعارف، ونبني رابطة، وهذه الأخيرة تقوم بداية على الاختلاف الذي هو أساس التّعارف. 
إنّ الثّقافة الدّاعية إلى جعل الكلّ واحد، (الحبّ المنغلق) تحكم على نفسها بالموت، وحياتها وبقاؤها يكون بردّ الاعتبار للواحد المختلف الذي منه يتشكّل الكلّ المختلف.
وعليه، فمن الخلاصات التي يمكن أن نسجّلها في هذه العجالة تريد القول:
• إنّ الحبّ عندما ينغلق يصبح قاتلاً، فالحبّ الذي يقوم على التّطابق والانغلاق، يحوّل الآخر صفراً فارغاً أو ذات خاضعة جامدة، قد تنهار يوماً أو تذوب بين أصابعك دون أن تدري ما سرّ الذوبان. 
• بينما الحبّ الذي يقوم على الانفتاح والاختلاف، ينظر الى الآخر على أنّه هو هو، فأنت تحبّ ابنك الوحيد كما هو، وإن كان مختلفاً معك تمام الاختلاف. فإذا استطعنا استيعاب هذا المعنى المنفتح للحب فإنّ الكثير من أمراض المجتمع يمكن القضاء عليها، وأبرزها العنف الناتج عن انغلاق الحبّ.
 الهوامش
(1) سورة الحجرات - الآية 13 
(2) ميشيل دي مونتين - Michel de Montaigne أ( 28 فيفري 1533-13 سبتمبر 1592) أحد أكثر الكتّاب الفرنسييّن تأثيرا في عصر النّهضة الفرنسي. رائد المقالة الحديثة في أوروبا. 
(3) إتين دي لابويسيه - Étienne de La Boétie كاتب وقاضي فرنسي وصاحب النّظريّة الفوضويّة، ومؤسّس الفلسفة السّياسية الحديثة في فرنسا، ويُذكر بأنّه أعظم صديق وثيق لكاتب المقالات البارز «ميشيل دي مونتين» المشار إليه في المقال.