حديقة الشعراء

بقلم
عبداللطيف العلوي
لاَ تُلْبِسُونِي عارَكُمْ!....
 مرَّ الشَّهيدُ على الدِّيارِ،
سَمِعتُهُ بينَ الأَزِقَّةِ يطرُقُ الأبوابَ بابًا إثْرَ بابْ 
وَرَأيتُهُ في أَوْجِ زِينَتِهِ 
يُربِّتُ فوقَ أَكْتافِ الصِّغارِ كَعهْدِهِ دوْمًا
وَيَمْلأُ بالنُّجُومِ أَكُفَّهُمْ وجُيُوبَهُمْ 
وَيَشُدُّ في رِفْقٍ على أَيْدِي الْعَجائِزِ،
يَمسحُ الأشواكَ عنها 
والتّجاعيدَ الْحزينةَ والضّبابْ 
ورَأيتُهُ في الْحيِّ يسألُ عن رفاقِ الأَمْسِ 
والجيرانِ أَجْمَعِهِمْ 
وأَبنَاءِ الْعُمومةِ والصِّحابْ 
وَرَأَيْتُهُ يُلْقِي السَّلامَ ويُوقِظُ الْمَوتَى ...
سلامًا أَيُّها الْمَوْتَى 
أَمَا آنَ الأَوانُ لِتَنْهَضُوا؟
لاَ شيْءَ يَمْنَعُكُمْ سِوَى غَبَشِ الصّباحِ،
وأُغنياتِ الطّيرِ فوقَ رؤوسِكُمْ 
فَلْتَنْهضُوا!
ولْتَنْفُضُوا يَا قومُ عن أَرْواحِكُمْ هذا التُّرابْ 
مرَّ الشَّهيدُ على الدِّيار، دِيارِهِ،
كلُّ الْبيوتِ بيوتُهُ، كلُّ الدُّروبْ
أَنْفاسُهُ الحرَّى تُذِيبُ الثّلجَ في كلّ القلوبِ
وَلاَ تَذُوبْ!
هذِي حقِيبتُهُ وألبُومُ الزَّفافِ،
قَمِيصُهُ والهاتِفُ الْخلَوِيُّ، 
صورتُهُ على طرَفِ السَّريرِ 
وتلكَ أَوراقُ الهويّةِ 
تونسيٌّ شامخٌ في الرّوحِ نجمتُهُ 
وفي كبِدِ السّماءِ هلاَلُهُ العالِي 
وبينهما بحارٌ من دمٍ قانٍ غَضُوبْ 
لمْ ينتبِهْ أحدٌ إِلَيهِ، 
وسارَ بين النّاسِ منكسِرًا 
على شفتيهِ يختلجُ السَّرابْ 
مرّ الشّهيد على الأَزِقَّةِ والْمقاهِي ...
والزّوايا المُعْتِمَهْ 
يا طَائِرَ النّوْءِ الظَّمِيءَ
وزَفَّةَ الْمَطَرِ الشَّحيحِ على النّوافِذِ والْهِضابْ
يا دَعْوةً لاَ تُسْتَجابْ! 
ماذا وجدتَ الْيَومَ في أرْضِ الْملاَحِمِ 
غيرَ أَحْذِيةٍ قدِيمَهْ!
أَوْ شوارِعَ سُمِّيَتْ وطَنًا بِأَسْماءِ الغُزاةِ
وساحةً تزهو بتمثالِ الزّعيمِ المُفْتَدَى
سبحانَ مَنْ أَحْيَا رَمِيمَهْ! 
وبَكَى الشَّهيدُ، بكى دَمًا،
هلْ كانَ هذا ما سَقَطْتُ لأَجْلِهِ؟
مِنْ فوقِ أَكْتافِ النّخيلِ بكَى دمًا 
يا كَمْ «أَضَاعُونِي» وضَاعُوا
إخوَتِي الشّهداءُ ضاعُوا 
إِخوَتِي الأَحياءُ ضاعُوا بَعْدَنَا بينَ الذِّئابْ!
عارٍ أَنَا ...
لاَ تُلْبِسُونِي عَارَكُمْ!
لاَ تَكْتُبُوا عنِّي سوى خبرٍ قَصِيرٍ عَاجِلٍ:
قدْ كانَ لي قمرٌ، وغابْ!