تأملات

بقلم
عادل دمّق
الأمة في حاجة إلى تفسير نوعي يجدد خيريّتها
 العقل المسلم المعاصر مُقصّر في إنتاج تفاسير تغطّي حاجات الإنسان ومتطلّبات الاجتماع البشري الجديد....الحركة التّفسيريّة بمفهومها المنهجي العلمي التي عادة ما تنتهي بإنتاج تفاسير معيّنة لم تتوقف في تاريخ الأمّة منذ زمن ما كان يُعرف بالتّفسير بالرّواية والتّفسير بالدّراية أو الرّأي أو الجمع بينهما أو البحث في ما كان يُعرف منهجيّا بعلم التّناسب، وهو نوع من المنهج المتكامل في النّظر إلى النّص القرآني في وحدته الكلّية المتناسقة، ومرورا بذلك الكمّ الهائل من التّفاسير التي تعكس لنا قدرة العقل المسلم على التّعاطي مع النّص القرآني وفق مناهج تفسيريّة وتأويليّة لها قواعدها وضوابطها ومناهجها وأدواتها سواء على مستوى ما عُرف بالتّفسير الجزئي أو التّفسير الموضوعي، وتعريجا على مناهج التّفسير البياني والبلاغي والعلمي والاجتماعي... وغيرها كثير
المشكلة الأساسيّة تكمن في ندرة التّفاسير التي تستطيع فعلا تنزيل القرآن الكريم على واقع النّاس وتفعيل معانيه ودلالته في قضايا العمران والحضارة والسياسة والاقتصاد والإدارة والتّربية والفنّ والأدب والقيم والأخلاق والسّلوك... 
المطلوب أوّلا من علماء التّفسير ليس إنتاج تفاسير على غرار الموجود معنا، وهي غنيّة وثريّة وتؤدّي دورها إلى حدّ كبير في تحقيق بعض أهداف حماية الأمّة اليوم، بل المطلوب منهم هو إعادة النّظر في مناهج التّفسير القائمة بما يصلح لتطوير مناهج أصيلة، ولكنّها تكون متفاعلة مع لحظتنا التّاريخية الحضاريّة العالميّة الفاصلة في تاريخ الإنسان كلّه؛ أعني لحظة الانتقال من العيش في عصر الحضارة إلى عصر الحضارة العالميّة...أي تفاعل الحضارات كلّها في اللّحظة ذاتها وبشكل متسارع ومتكاثف، وهو انتقال عسير حتما، وسيغيّر الكثير من تصوّراتنا، ومفاهيمنا القديمة حول العالم والاجتماع الإنساني والمستقبل الحضاري للبشريّة. 
والذي لا شكّ فيه أنّنا سنتغيّر سواء بمحض إرادتنا أو تخطيطنا، وهو الأولى، أو بمحض إرادة تفاعلات أحداث الواقع العالمي الجديد وقوانينه الصّارمة التي نشاهد أثارها في كلّ مكان، وعلى وجه كلّ ثقافة تعاصر عصر العولمة والعالميّة وهما يٌفكّكان وعي العالم القديم، ويعيدان تركيبه خلقا جديدا وفق رؤى كونيّة وحضاريّة كثيرا ما تكون مغايرة تماما لنسق الوعي الإسلامي، ومقولاته المعرفيّة والثقافيّة والحضاريّة. 
القضيّة ليست في إنتاج تفسير جديد، ولكن في نوعيّة التّفسير المطلوب في لحظة المشكلات العالميّة هذه، وفي لحظة تفاعل الأمّة مع العالم وأحداثه، وفي نقطة الانتقال بالإنسانيّة ووعيها إلى عالم العالميّة بكلّ مشكلاتها وتدافعاتها وسُننها وآلياتها وأثارها السّلبية المدمّرة، وفرصها الإيجابيّة الرّائعة لمن يفهمها ويستوعب قوانينها وآلياتها. إنّ الأمّة في أمسّ الحاجة اليوم إلى تفسير يعيد صياغتها من جديد، ويعيد ضبط موازين الأصالة والفعالية فيها، ويخرجها من التّفكك الذّاتي، ويحرّر طاقتها الكامنة من آسر الجمود والتّخلف والتآكل والتّصادم، ويجدّد فيها روح الرّساليّة الاستخلافيّة، وينتقل بالعقل المسلم من الجزئيّة والانقسام إلى الكلّية والتّكامليّة. فالتّفسير المطلوب هو ذلك التّفسير الذي يتمكّن من فصل الأمّة عن واقع التّخلف ويفتح آفاق التّنمية الحضاريّة ذات العمق الاستخلافي، والأصالة الإسلاميّة الصّافية، والذي يستطيع أن يساعد الإنسان المعاصر وخاصّة في الغرب الجديد وفي أوروبا من أن يفهم طبائع العيش في أرض، وفي كون متداخل مترابط متفاعل يتحوّل رويدا رويدا إلى سفينة واحدة تقلّ البشر جميعا بشكل متقارب وحسّاس للغاية...
«اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» (سورة البقرة - الآية 257) .