في العمق

بقلم
أ.د.فوزي أحمد عبد السلام
رؤية تفكيكية لبنية الهزيمة
 مقدمة
يولد الإنسان على الفطرة التي فطر الله النّاس عليها وهي تمثّل الرّصيد الغيبي الضّخم في التّفاعل مع المتناقضات في الواقع، في مقاومته للتّغير ابتداء ثمّ قبوله إذا تمّ الاقتناع به، وتظلّ الفطرة هي المنارة التي تهتدي بها النّفس عندما تقع في ظلمات الحيرة والشكّ وتتقاذفها التّناقضات من كلّ جانب، والملاذ الآمن الذي يلوذ به الإنسان إلى رشده حين يخلو بنفسه وربّما حين تتوقّف أدوات العقل، حين لا يعرف الإنسان كيف يثبت أو ينفي ولا يكون إلاّ الاطمئنان الدّاخلي، وإذا لم تكن الفطرة قد شوّهت فإنّ النّفس سرعان ما تؤوب إلى اليقين وإلى السّكينة، تؤوب إلى الحالة التي تعاين بها النّفس أحيانا الحقيقة شبه المطلقة، وتكون النّفس مستعدّة لأن تضحي بالجسد في سبيلها، مثلما قال سحرة فرعون لفرعون «إقض ما أنت قاض» وهو أوضح مثال قرآني برغم وعود ووعيد فرعون لهم، ومثال الفطرة النقيّة من السنه «زيد بن عمرو بن نفيل» المؤمن الحنيفي، أحد أشهر الموحّدين في الجاهليّة قبل الإسلام والذي رفض عبادة الأصنام قبل مبعث النّبي صلّى الله عليه وسلّم وأخبر النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه يبعث يوم القيامة أمّة وحده. تبقي الفطرة هي الحصن الحصين غير القابل للاختراق من أي فيروس أنتجه البشر، ولكن قد يحيد بعض البشر عن الحقّ لا بسبب تبديل فطرهم ولكن بعد تشويهها وأغلب التّشويه يأتي من قبول التّغير دون فرز الفطرة له، وهو الشّيء الذي يهزّ المرجعيّة هزّا عنيفا داخل الذّات، ومن هنا تتأسّس بنية الهزيمة بداخل النّفس، وكلّ ذلك يتأتّي من توهّم فوات نفع عظيم أو حصول ضرر بالغ أو محصلتهما من تسلّل المتناقضات الحدّية من العادات والتّقاليد وأنماط التّربية والمذاهب الفكريّة المنتشرة التي تعرض على النفس، وفي كلّ ذلك ما يثبت الفطرة أو يدعمها وفيها ما يطيح بها تماما أو يشوّهها. 
ضياع القدوة
أثبتت الثّورات العربيّة حقيقة مفادها أنّ تفكيك الإنسان من هويّته وانتزاعه من بيئته الثّقافية أمر عسير جدّا مهما علت درجة القهر والاستبداد، وأنّه لا زالت مجموعة من النّاس بعيدة ربما عن التّلوينات الفكريّة حتّى ولو كانت بداخلها، هؤلاء لم تتلوّث فطرهم بعد، تستطيع إلهام البشر من حولها بفعل شيء إيجابي، فأوّل شيء يؤثّر في اتخاذ القرار الفردي والجماعي هو ثبات المرجعيّة التي تقاس إليها هذه القرارات والتّرجمة العمليّة للمرجعيّة هو وجود القدوة أو ضياعها، يقول «جوستاف لوبون» في السّنن النفسية لتطور الأمم نقلا عن سان سيمون «إذا ما أضاعت فرنسة بغتة الخمسين الأُوَل من علمائها ومتفننيها ومستصنعيها وزرّاعها غدت جسما بلا روح، وجثّة بلا رأس، وهي إذا أضاعت جميع موظّفيها لم يصبها من وراء ذلك غير ضرر يسير» [1]. هذه الزمرة من الرّموز أصحاب الأوزان الثّقيلة هم «أنبياء الحركة إن صحّ التّعبير» في كلّ أمّة مهمتها هو استدامة المجد للجنس البشري، فكيف بأمّة أضاعت مائة ألف من خيرة علمائها في شتّى الفنون في هجمة بربريّة لم يشهد تاريخها مثلها في الفظاعة فهي من يومها في نزول وانحطاط لا صعود فيه، فالعالم بحقّ لا يبنى في سنوات عمره ولكن يبنى في عمر مجد أمتّه، فالواحد من هؤلاء المائة ألف استغرق بناءه في مدّة أدناها خمسة قرون. ولا أدري ما هو حجم التّشويه الذي تركته تلك الهجمة التّترية في تضاريس النّفس البشريّة حتى تبقي صاحبها ساكنا حتى يأتي عدوّه بالسّيف ليقتله، من يومها تقريبا سكنت الهزيمة النّفسيّة أعماق أعماقنا، حدث ذلك عندما سقطت بغداد العزّة حاضرة الخلافة في يد التّتار المجرمين. كيف يسلب الإنسان قصوره الذّاتي في مقاومة الطّغاة. وأغلب ظنّي أنّ الإنسان مفطور على مقاومة التّغيير وعدم السّقوط في هوّة الاستسلام ابتداء وعلى حبّه لذاته ولأبنائه بل وربّما يكون مفطورا على الطّغيان والبغي على غيره وإن لم يكن مفطورا على هاتين الصفتين الأخيرتين فلا شكّ أنّ التّناقضات من حوله تدفعه نحوهما دفعا، كيف تتشوّه الفطرة البشريّة في الوالدين مثلا حين ينتزع الطّغاة رضيعهما ليقتلوه من غير أن يدافعا عن صغيرهما حتى الموت معه، كيف يستسلمان والاستسلام ضدّ الفطره، كيف يصير الاستسلام للطّغاة من أدبيات المجتمع، كيف يصبح المستبدّ بطلا، وكيف تستباح الحرمات لدرجة تصل إلى اغتصاب النّساء واعتقال البنات بل والأطفال، للدّرجة التي يصعب معها الحياة، وهي تحكي فصلا من قصّة بعض بني إسرائيل مع فرعون «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ» [2] وهو الفصل الذي يتكرّر بين الطّاغية والمقهور، كيف تتبدّل العزّة بالنّفس بل والطّغيان المبثوث في فطرة البشر إلى طلب المعيشة في الذّل. يقول محمد إلهامي بتصرّف [3] لذلك لم يترك الله عزّ وجل نبيّه موسى عليه السّلام في هذه البيئة، بل بمجرّد ولادته أرسله ليتربّى في قصر فرعون وهنالك تربّى موسى على أمرين: الأول عزّة الأمراء، فلم يعرف معنى الذّل والخضوع أبدا. والثّاني أنّه رأى فرعون بشرا، لا إلها، ولا أسطورة، ولا شيئا رهيبا- رآه كالبشر، يفرح ويحزن ويغتم ويتألّم ويمرض ويضعف وينكسر، بل إنّ جبروت فرعون ولا شكّ أصلا مبني على استضعافه للآخرين، فلم يعتقد فيه ما يعتقده أولئك الأذلاّء من سطوة وجبروت وسلطان وصولجان، ثمّ لمّا بدأ الاحتكاك بينه وبين قوم فرعون حين صار شابّا، هيأ الله له السّبيل لكي يهرب، فلا يذلّه سجن ولا يقهره تحكّم الرّجال، ولا يلامسه سوط ولا أذى. فظلّ نبيّ الله عزيزا حتّى ولو كان فقيرا أو غريبا أو مشرّدا، هذه المعاني لا تدرك إلاّ بالمعاناة، والكلام عنها هو من قبيل فتح الأذهان، لا نقل الحقائق، فهي معانٍ أوسع من الألفاظ، فالحياة في ظلّ الطّغيان ضارّة بالنّفس، مُذهبة للعزّة والكرامة، دافعة لقبول الضّيم والذّل والخضوع، ولذلك لا تتغيّر الشّعوب من مواقع العزّ إلى الذلّ في عام أو عامين بل ربّما استغرق عدّة أجيال، فالأجيال التي تعوّدت الذلّ لا تصنع نصرا ولو توفّر لها كلّ إمكانيات النّصر، تصوّر أنّ نبي الله موسى عليه السّلام يقول لهم (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) فيردّوا عليه (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ)[4] . لذلك يقول سيد قطب[5] «فأَدَّتْ ثمن هذا النكول عن تكاليف العزّة أربعين سنة تتيه في الصّحراء، تأكلها الرّمال، وتذلّها الغربة، وتشرّدها المخاوف، وما كانت لتؤدّي معشار هذا كلّه ثمناً للعزّة والنّصر في عالم الرّجال. وأنّ تكاليف الحرّية أقلّ من تكاليف العبوديّة، وأنّ الذين يستعدّون للموت توهب لهم الحياة، وأنّ الذين لا يخشون الفقر يرزقون الكفاية، وأنّ الذين لا يَرْهَبُون الجاه والسّلطان يَرْهَبُهم الجاه والسّلطان».
هدم أسس المقاومة 
تسكن الهزيمة المجتمع عندما تتمكّن منه الأوهام، وتسيطر عليه التّفاهات وتتضخّم في أعين أهله قدرات عدوّه، وتعجز نفوسهم عن طلب الغايات العظام وبذل الغالي والنّفيس من أجلها. وتكمن المشكلة أساسا في هدم أسس المقاومة لدى الشّعوب وسلب كلّ السّبل في تحصيل القوّة. لذلك لمّا سئل الشّيخ محمد عبده عن سبب قدرة الشّعب المصري على صدّ الحملة الفرنسيّة، فلم تلبث إلا ثلاثة أعوام في مصر، بينما لم يتمكّن الشّعب من صدّ الحملة الإنجليزيّة التي طال بها المقام في مصر أكثر من 70 عاما فأجاب أنّ محمد علي كان قد أفسد بأس الأهالي [6]. لا تطال عمليّة الهدم هذه أدوات الصّراع فحسب بل ربّما تبدأ بأدبيّات إدارة الصّراع التي تشمل عمليّات هدم ثقافيّة وفكريّة خالصة عن طريق هدم شخوص عظام تحمل هذا الفكر وبناء أنماط معاكسة لها والتّسويق لها مجتمعيا. 
لا تتمّ هذه العملية بأيدي الأعداء أو وكلائهم داخل الوطن فقط، بل تبدأ أول ما تبدأ بأيدينا نحن، ينتج ذلك عن نمط التّربية الخاطئ، عند قبول التّغيير - حتّى ولو كان هذا التّغيير نحو الأفضل - دون مناقشة، أو بأسباب لا تمتّ للعقل بصلة، وللأسف يوجد ذلك وبكثافة عالية بيننا دون إجبار من سلطة في جمهوريّة الرّعب بل تحت سياط الجهل في داخلنا، تنتشر عبارات  من قبيل «من أنت حتّى تناقش»، «كن مثله أولا حتى تناقشه»، «ومن أدراك أنه لا يعلم بذلك» ... وأنّي على يقين من أنّ حقّ التّفكير والنّقاش أهمّ لوازم حقّ الحياة الإنسانيّة، فالمعرفة المستقرّة لا تكون أبدا بإملاءات يمليها الشّيخ على المريد، أو حتى الوالدين على أبنائهم، لابدّ من درجة من التّفاعل مع المادّة التي يلقيها أحدهم على الآخر، لابدّ أن يقبل العلماء النّقاش من طلابهم حتّى ولو كان نقاشا بسيطا لكي يبني في نفوس الطّلاب تقبّل النّقاش مستقبلا ممّن هو دونهم ولضمان استمرار نقاء الفطرة داخل العرق البشري.
 وثانيا: ببثّ ثقافة الخوف والخضوع تحت سياط الجلاّدين وقد أثبت أنّ هذا الاتّجاه تتحكّم به أنظمة عالميّة لدول كبرى ولهم في بقاع الدّنيا أذناب منفّذون وشركات عابرة للجنسيّات وعابرة للقارّات استطاعوا في الماضي استعمار الأمم المنهكة وحاليا يستعمرون بأيدي أبناء البلد المستفيدين، وقد أثبتت ذلك «ناعومي كلاين» في سفرها الجيّد «عقيدة الصّدمة» [7] أنّ لهذا الاتجاه منظّريه الأشدّاء، وعقيدتهم تركيع المجتمعات تحت بأس الصّدمات. 
وثالثا: في بث ثقافة السّمع والطّاعة دون نقاش أو جدل والتّخويف المستمر من أنّ لحوم العلماء مسمومة. وواجب تبجيل المعلّم - وذلك حقّ ولا شكّ - لكن ليس لدرجة تعني التّسليم بصحّة كلّ ما يقول، ففارق شاسع بين التّبجيل والتّوقير من جهة وحقّ النّقاش والسّؤال والحفر داخل حقول المعرفة من جهة أخرى، فهذا هو أصل بناء العلم في النّفس. تثبيت ما ليس بثابت أصلا، ووضع الخطوط الحمراء الغليظة لاحترامه وعدم تعدّيه، فليس لك الحقّ في نقاش كذا وكذا وربّما ليس من حقّك البحث في كذا وكذا وتطول قائمة الممنوعات حيث تبدأ وتنتهي بالأمن القومي. فإن أردت أن تنتقد رئيسا .. فهناك أوباما تستطيع أن تنتقده كما تشاء ..وإن أردت أن تنتقد نظاما فهناك أيّ نظام آخر غير نظامنا، فلتنتقد هذا الآخر كما تشاء .
ورابعا: عدم فهم حاجة مجتمعاتنا إلى تحصيل علوم القوّة المادّية مثل الفيزياء والرّياضيات والكيمياء وغيرها وأنّ هذه العلوم ليست من زاد الآخرة. وذلك أراه لسببين الأول هو عدم إدراكنا الحقيقي لماهية تلك العلوم، والثّاني هو أنّ انتاج القوّة من هذه العلوم يتطلّب درجة كبيرة من التّراكم المعرفي لها داخل المجتمع وذلك يحتاج إلي عشرات السّنين. لقد كان اليهود قبل إعلان دولتهم يمرّ ساستهم وقادة الرّأي عندهم علي مدارس أولادهم فمن رأوه نابغة وجّهوه إجباريّا لدراسة هذه العلوم. ولما انخفضت نسبة دراسة الرّياضيات والفيزياء في الولايات المتحدّة في ثمانينات القرن الماضي رفعوا للرئيس تقريرَ أمّة في خطر.
وخامسا: عدم استنباط نظريّات متكاملة في بيئتنا الإسلاميّة العربيّة تنظّم شؤون السّياسة والحكم والإدارة وتتناسب مع تعقيد المجتمعات وتلاحق وتواكب تطوّرها المذهل وبالمجمل ينقصنا تأسيس قاعدة معرفيّة للعلوم الإنسانية ككلّ ولعلم الاجتماع بشكل خاصّ يهتم بالعرق العربي وتقاطعاته المختلفة في بيئته ومحيطه.
رؤية للتفكيك
يمثّل الحفر العميق في معرفة أسباب تخلّفنا وانهيار البنية الدّاخلية للفرد والمجتمع ومحاولة طرح رؤى جادّة للعلاج خطّ الدّفاع الأخير عن هويتنا العربيّة والإسلاميّة، وعند التماس الطّريق ينبغي أن نوازن بين جلد الذّات ومدحها، بين النّرجسية المفرطة في التّفاؤل والتّشاؤم المفرط الباعث على الهزيمة، مع منع توريث استبطان الهزيمة للأجيال والذي يمنع بناء الذّات، بل ومنع توريث استبطان الابتلاء، فإنّ الأصل هو سؤال الله العافية، لكن إذا نزل البلاء أو الابتلاء يكون الثّبات الذي يحمل معنى الفعل الحيّ الدّيناميكي في إعادة التّموضع من أجل الانطلاق الجديد وليس الجمود الذي يحمل معنى الموت. وينبغي أيضا محاربة انتشار خطاب الدّونيّة واحتقار الذّات، لكن مع معرفة موقعنا الحقيقي من الحضارة. وفي سبيل إيجاد آلية تنفيذية لتفكيك هذا الوضع المزري لابدّ من طرح بعض النّقاط للنّقاش بشأنها وتمحيصها زيادة ونقصانا وتعديلا:
(1)  تربية الأجيال الجديدة علي قيم العزّة المؤسّسة على المبادئ، والاستعداد لبذل النّفس في سبيل المبدأ، والبعد عن بثّ روح الاستضعاف. 
(2) ترسيخ قيمة العمل الجاد المتقن في كلّ مجالات الإبداع البشري، بدء من تحفيز أصحاب الحرف وعدم امتهانهم وانتهاء بتوقير العلماء المتخصّصين في أعقد علوم العصر، وعدم تصنيف مجالات التّخصّص في العلوم إلي مجالات قمة ومجالات قاع. لكن من الممكن تصنيفها زمنيا حسب الاحتياج إلي عاجل وآجل.
(3)  إعلاء قيمة النّقاش وإبداء الرّأي من اللّحظة الأولى لتربية النّشء، وتعليم أبنائنا أنّه ليس بيننا من يوحي إليه، وتطبيق ذلك عمليّا، وقبول الخلاف البنّاء بين المستويات المختلفة.
(4)  وضع الخوف في موضعه الصّحيح من النّفس بحيث لا يطغى فيقعد الإنسان عن العمل الجادّ ولا يمحى فيدفع الإنسان إلى التّهور دون دراسة التّوازنات، ومن ثمّ الحركة بحذر داخل المجتمع المحلّي والدّولي. 
(5)  استثمار العلوم الشّرعيّة مع الاستفادة القصوى من النّظريات الغربيّة في العلوم الإنسانيّة في تفكيكها لاستخراج المفاهيم العابرة للثّقافات ومن ثمّ بناء نظريّات في الفلسفة والسّياسة والحكم والاقتصاد وإدارة الأموال وفي صنوف الفنون المختلفة وفي علم الاجتماع، تتوافق وطبيعة ثقافتنا العربيّة الإسلاميّة وتعقيدات العصر وتشابك العلاقات. والمرشّح لحمل هذه المشاريع المدارس العلميّة بالجامعات والمراكز البحثيّة بالتّعاون مع منظمات المجتمع المدني.
(6)  تبني الحركات الاجتماعيّة الكبيرة لمشاريع حضاريّة، تتمثّل أوّل لبناتها في بناء علماء في كلّ فروع العلم والمعرفة على غرار علماء النّهضة الأوروبّية منذ ثلاثة قرون، وللأسف لا يوجد لدينا واحد في القرون الثلاثة الماضية على وزن واحد من هؤلاء، ورحم الله المسيري حيث قال «إنّ من لا يملك مشروعا حضاريّا يتقدّم بخطى حثيثة إلى مزبلة التّاريخ». 
(7) بناء رؤوس أموال ضخمة تكفي لبناء قواعد صناعيّة استراتيجيّة وليست استهلاكيّة إمّا مستقلّة أو متّحدة مع آخرين لنقل التّكنولوجيا للمجتمع والتي تمكنه لاحقا من حيازة القوّة المادّية.
(8) التمايز بالاندماج داخل المجتمعات بشكل كامل وفي كلّ الأبعاد وليس بالتّقوقع والتّشرنق حول الذّات، وعدم معاداة النّاس وفيهم ما يمكن التّصالح عليه. 
الهوامش
[1] جوستاف لوبون، السنن النفسية لتطور الأمم، ترجمة عادل زعيتر، الطبعة الثانية، دار المعارف، مصر 1957. 
[2]  القرآن الكريم، سورة القصص، آية 4.
[3] محمد إلهامي،  مقال بعنوان «معركة كسر الانقلاب الحالية هي معركة جيل لا معركة سنوات»، (2014).
[4] القرآن الكريم، سورة المائدة ، الآيتين 21 ، 22.
[5] سيد قطب، مقال بعنوان، «ضريبة الذل» (1952)، منشور بشبكة الحوار نت الإعلامية.
[6] محمد رشيد رضا، «مذكرات الإمام محمد عبده» تقديم طاهر الطناحي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة - مصر، (2011).
[7] ناعومي كلاين، «عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث»، ترجمة نادين خوري، مراجعة فؤاد زعيتر، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر،  بيروت - لبنان،  (2011)