ثلاثة أسئلة

بقلم
التحرير الإصلاح
للبحري العرفاوي
 (1): ألا تعتقد أنّ مهمّة الشّاعر أصبحت صعبة ومعقّدة في هذه الحقبة الزّمنية التي يعيشها العالم العربي في تشرذم وتناحر وفي أجواء سياسيّة متوتّرة ومحمّلة بالطّائفية أوالمحاصصة الحزبيّة؟ بمعنى آخر، ألا ترى أنّ فعل الشعر بات هامشياً في ظلّ سيطرة بارونات المال المتحكّمة في وسائل الاعلام وفي طبقة سياسيّة أثبتت فشلها؟
الشعر هو أصدق تعبير عن الفطرة الإنسانيّة السّويّة وهو صياغة جميلة للحياة بما هي حضور إيجابي في التّاريخ وبما هي تساوقٌ بين حركة الإنسان وسيلان الزّمن باتجاه مستقبل أرقى وأنقى.
الشعر يختلف عن خطاب السّياسيين أو خطـــاب المؤرّخيـن أو علماء الاجتماع وعلماء النّفس وعلماء الشّرائع والأديان لأنّه يتّصل مع «الغيب» بدون واسطة أي بروحانيّة الشّاعر المتحرّرة من المقدمات والاشتراطات، إنّ لحظة الشّعر هي لحظة «التخطّف» الوجداني و«التلقّف» العرفاني حيث تنجذب روح الشّاعر إلى عوالم الجمال والكمالات والحقائق الكلّية الكبرى.
بهذا المعنى فإنّ الشّاعر لا يجد نفسه معنيّا بواقع السّياسة والأحزاب ورأس المال فلا يأبه بصراعاتهم ولا يخضع لسلطة أيّ منهم لأنّه فوق كلّ السّلطات ماعدا سلطة الحقّ والحقيقة والجمال وقيم الخير والمحبّة والأشواق.
يحاول السّياسيون إخضاع المبدع بما هو شاعر أو روائي أو رسام أو موسيقي أو مسرحي وغير ذلك، يحاولون استعماله كأداة في صراعاتهم الحزبيّة ولا يتعاملون معه بما هو مبدع حرّ مستقل ولا ينظرون لإبداعه بما هو إبداع وإنّما يتعاملون معه بالقدر الذي يخدم مصالحهم الحزبيّة.
(2): يقول الله سبحانه وتعالى : « وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا». كيف يمكن للشّاعر أن يكون مؤمنا ؟ 
 وهل يمكن للشّاعر إلاّ أن يكون مؤمنا؟ الشّاعر مفتوح على عوالم الغيب، يجد الله في روحه وفي المعاني الكبرى التي يشتغل عليها وفي الجمال والحبّ والأشواق، الشّاعر أنقى إيمانا وأصفى حبّا لله تعالى ولخلق الله، الشّاعر يجد الله في كلّ لحظـة وكلّ حركة وكلّ رجفة قلب أو دمعة عيـــن أو ابتسامـــة طفل أو ضمّــة حبّ أو صرخة ولادة أو تفتح زهرة أو قطرة ماء. إنّ الإيمان ليس صياغة بلاغية أو حركة طقوسيّة إنّما هو سباحة في سبحات الوجود وحلول في المطلق وحالة من اليقين الدّافئ ومن الأمل الواثق ومن الروحية المنتصرة دائما على القلق واليأس والأحزان والتّشوه والقبح والأذى.
القرآن استثنى الشّعراء المنتصرين للحقّ والحقيقة والمستحضرين ربهم لا يغادرون عوالم الألوهية ولا ينسون حقيقة كونهم قريبين من عالم الوحي ومدارات الغيب بما أودع فيه الخالق من الصفاء والروحية المتشوّفة المخترقة لكثافة المادّة والأشكال والحواجز الجسدانية. 
(3): من خلال مقالاتك وتعليقاتك على شبكة التواصل الاجتماعي يبرز البحري المهتم بالسياسة وبحزب حركة النهضة بالذّات. هل باستطاعة الشّاعر أن يوفّق بين حماسته السّياسيــة واهتمامه بالشّأن العـــام من جهة والإبحار في عالم الشّعر؟
الشاعر منجذب إلى عوالم الكمالات والجمال ولكنّه أيضا ليس مفصولا عن واقعه وتفاصيل علاقاته ومعاملاته، فهو مواطن يتحمل مسؤولية شرعية وتاريخية تجاه واقع الناس والوطن لذلك لا يمكن أن ينقطع في عوالم المثل والتجريد ويتخلّى عن مسؤوليته الوطنيّة، فهو معني بـ «السّياسة» بما هي أرقى الفنون وبما هي علم من علوم «العمران» البشري وليس بما هي تحزّب مقيت وصراع على المناصب والمكاسب وتقاسم للمغانم.
الشاعر لا يمكن أن يحتكره حزب أو أن تحويه إيديولوجيا، إنّه شاعر الحياة والحرّية وإنّه روح الإنسان الموزّعة بين البشر .
علاقتي بحركة النّهضة علاقة قديمة لا بما هي خطاب سياسي وإنّما بما «حالة مظلوميّة» لعقود يعرفها التّونسيون ويقرّها الحقوقيّون ويذكرها المؤرّخون...دافعت عن الإسلاميّين كما دافعت عن غيرهم من اليسارييّن والقومييّن والنّقابيين والعاطلين والمهجّرين والسّجناء والشّهداء والقتلى وووو لا بصفاتهم تلك وإنّما بصفة واحدة وهي : «المظلومية».
لا أعتقد بوجود «شاعر» بما أودع الله فيه من روحيّة إنسانيّة يمكن أن يكون منتصرا للظّلم والإجرام والفساد.