في الصميم

بقلم
سعيد السلماني
كن صحابي عصرك: الانسان أولا.
 الصحابة الكرام رجال ولا كأي رجال. هؤلاء جلسوا أمام الشمس وشاهدوها عن قرب، ومن ثم لا يمكن أن تتساوى معهم من حيث الدرجة لأنهم عاصروا فخر الانسانية «محمد صلى الله عليه وسلم»، لكنّ السؤال الذي يطرح هل يمكن لمسلم القرن الواحد والعشرين أن يكون صحابياً؟
قد يبدو هذا السّؤال غريباً لكن ليس هناك غرابة في مملكة السؤال، لنتأمل حياة هؤلاء العمالقة؛ فقد عاشوا حياة مستقيمة، لم يكونوا مثال البطولة في بدر ومؤتة واليرموك فقط، بل كانوا في كلّ صفحة من صفحات حياتهم مثالا يحتذى، إذ نظّموا حياتهم وأوقفوها من أجل الدار الآخرة، وكانت كلّ خطوة من خطواتهم في سبيل نيل الرّضا الإلهي [1] . ولولاهم لما وصلنا الدين الاسلامي تاماً نقياً، فقد عاشوا من أجل هذه الغاية: إيصال الدّين الى النّاس كافّة، لذا تجد قبورهم منتشرة في كلّ بقاع العالم.
إنّهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه في كلّ مجالات الحياة، ألا يمكن أن نكون مثلهم في زماننا؟ أعتقد أنّه ليس مستحيلا أن يكون المسلم اليوم صحابيّ عصره، فالدّين الذي آمن به الصّحابة الكرام والأعمال الخيريّة والنّافعة للمجتمعات الانسانية هي نفسها. أليس الدّين الإسلامي هو الذي دفع بالصّحابة رضوان الله عليهم الى العمل؟ أليس الدّين هو الذي دفعهم إلى العلم والى الإنفاق وإلى البناء والحبّ والتّسامح و...وإلى التّضحية في سبيل نشر الخير...؟ إذا كان الأمر كذلك، فيقيناً أنّ الدّين الذي آمن به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نفسه الدّين الذي يؤمن به مليار ونصف مسلم اليوم وأغلبهم طاقات شبابيّة، وما قام الدّين الإسلامي الاّ على أكتاف الشّباب، فلماذا نتخلّف اليوم وأصبحنا عالة على غيرنا ننفذ مشاريعه وبرامجه؟
ربّما الإجابة عن هذا السّؤال نستشفّها من الأسباب التي أعلت من شأن الصّحابة الكرام ويمكن صوغ بعضها وليس كلها في النّقاط الآتية:
 السّبب الأول يعود إلى الانصباغ في جوّ الصّحبة، أي الوجود زماناً ومكاناً في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجود «شخص في حضرة شخص عظيم بضع دقائق قد يفيده أكثر من قراءة مؤلّفات ذلك الشّخص العظيم لعدّة ساعات» [2] ، فكيف إن كان هذا المجلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
 أمّا السّبب الثاني فيكمن في الصّدق واتّباع الحقّ، وعليه فلم يعد للكذب مدخل الى حياتهم بعدما أسلموا وقبلوا بدين الإسلام، فانتقلوا بذلك من سوء الخلق الى حسن الخلق، وضحّوا في سبيل ذلك من أجل الوصول الى مرتبة الصّادقين، فقد فقهوا قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» [3] وهذا يصعب فهمه في أيّامنا هذه التي يختلط فيها بعض الكذب بكلام أصدق النّاس. 
والسّبب الثالث هو تلك الحيويّة التي أوجدها الوحي في نفوس هؤلاء الثّقاة، فقد تشرّبوا معانيه وجعلوه نبراساً لهم في كلّ حياتهم، ووجدوا فيه كلّ شاردة وواردة ومن ثمّ لزمهم العمل والدّفاع عن رؤيتهم ومشروعهم الواضح [4] .
يتبيّن إذن أنّ الصّحبة ـ إذا استثنينا المعاصرة ومجالسة فخر الانسانيّة محمد صلى الله عليه وسلم،ـ هي رؤية واضحة ومشروع حيويّ متين شعاره: «بناء الانسان أولا». بالإضافة إلى ثقافة التّآلف والتّوافق وسيادة روح العمل المشترك فإذا تحرّك أحدهم تحرّك ضمن مشروع متكامل، وبالتّالي فالجهود المبذولة لا تضيع، فكلّ حركات الانسان وسكناته في خدمة المشروع. وعليه فمن الطبيعي جداً أن نسمع ونقرأ عن أعمال قد تبدو لأحدنا غاية في المثاليّة مثل؛ إنفاق أبي بكر وعثمان وعمر وغيرهم من الصّحابة الكرام وتضحيات جمّة في سبيل إنجاح المشروع دون ضجيج «الأنا»، وفي تواضع تام قلّ نظيره في تاريخ البشريّة. إنّهم كانوا يعملون بلسان الحال لا بلسان القال، وهذا أبلغ من القول في التّأثير عملا بالقول المأثور: «أترك أعمالك تتحدث عنك»، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
بهذه الرّوح السّامقة خدم الصّحابة الكرام الإنسانيّة وبها ارتفعوا الى أعلى الدّرجات، فالصّحبة إذن هي مقام وهي موجة وهي معنى إذا استطاع وأحسن الإنسان أن يلتقطها يكون من الصّحابة رضوان الله عليهم، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: «اشتقت لإخواني...» فالأخوّة هذه هي مقام وهي حال الملازمة للحقائق الثّابتة التي نادى بها محمد صلى الله عليه وسلم، على المسلم الآن أن يتجاوز المسافات كي يصطفّ وراء الصّحابة من خلال الإخلاص والتّفاني في العمل. إذن، فالباب مفتوح في كلّ زمان ومكان لمقام الصّحبة [5] .
 إنّ الحقيقة المحـمديّة نور ومعنى صالحة لكلّ زمان ومكان وكلّ من التقطها ولزم العمل بها كان صحابيّ زمانه. كن صحابي عصرك في الإنفاق كما يمكن أن تكون صحابي عصرك في العمل الذي تقوم به بكلّ إحسان ومسؤولية، ويمكن أن تكون صحابيَ عصرك في التدريس وفي طلب العلم وفي تربية الأولاد وفي خدمة الشّأن العام...الخ، فقط يلزمك العمل بالتّوجيهات النّبوية وتصفير النّفس في اليوم مائة مرّة أو أكثر إن لزم الأمر حسب تعبير الأستاذ فتح الله كولن.
الهوامش
[1] ذ. فتح الله كولن محمد، النور الخالد ، ص، 687.
[2] نفس المرجع ص، 690. 
[3] سورة التوبة - الآية 119
[4] نفس المرجع ص، 692. 
[5] نوزاد صواش،  إشراقات عملية من النور الخالد، مؤتمر: «من إنسان الغاية إلى المجتمع الراشد» (البوسنة والهرسك) / أبريل 2013