من القلب

بقلم
محمد حيدر النهدي
وطني... لا تجعل القبح يتسرب إلينا
 انا لا أتقن التّخاتل بل أتقن الإصداح...أنا لا أتقن التّكاذب بل أتقن التّصادق ...أنا لا أتقن القبح بل أتقن الجمال ...أنا لا أنظر للواقع بنظرة المشاهد السّاكت الصّامت ...لا بل أتحرك تحرّك المشارك النّاقد ...لأني منذ إزهاري علّمتني مدرستي أنّ العين النّاقدة كعين الطّبيب تشخّص الأمراض وتعالج المرضى، كذلك عين الناقدة ...تشاهد ...تتأمّل ...تتحسّس بمجسّات قلبها... الواقع...تنقده وتقدّم بدائلها من الأدوية... لهذا قلت أنا لا أتخاتل ولا أكذب ولا أتقن القبح ...فأنا لم أعد أنظر إلى وطني أرضا خصبة وجبالا شاهقة وجمالا ربّانيا مكتمل الصورة والماهية.. بحرا وشمسا يشفيان العليل ...لم أعد أنظر إلى وطني بعين الطفل الذي لا تسكنه الطفولة إلاّ... وقت التّهافت لأراجيح مدينة الألعاب... ولا الطّفولة التي يسلبها الحنين والاستمتاع (لــ و بــ) أيام العطل أو الإحتفال بأحد الأعياد... بل العكس إذ يكسبها مع الحنين والاستمتاع روح متحفّزة وعين ناظرة برؤية وعقل طفولي يانع يطرح على مشاهداته ألف سؤال وسؤال ...بمنهج المقارنة ...أين نحن منهم ؟ أين نحن وأين هم؟ ...لماذا يستوطن هذا الخوف الخارق مُهجنا ؟ ... لماذا هذا التّشاؤم المتوهِّج من شفاه وعيون سادتنا وقادتنا؟ لماذا يستمرّ هذا الحزن في السّكنى بين جوانحنا وعلى ثرى أفئدتنا؟ لماذا ينتشر الفقر كجزر مشتّتة أرخبيلها ومشتدّة الملوحة والحموضة على جلودنا؟... لماذا تريد النّخب بناء سدودَ الخوف أمام مجاري الحلم لدى طفولتنا من مآلات الغد القادم دون مراعاة الضّعف الجوهري في بنيتنا ؟... 
يغمرنا الكبر غير البيولوجي من غير علم منّا ولا مساهمة منّا جرّاء التّجارب المتواترة والمتنوّعة والمنبتّة عن جواهر نفوسنا. هرمنا ونحن لم نتجاوز الثالثة عشرة ...تعلّمنا منذ يفاعتنا أنّ الجمال يتواصل معنا وبجوارنا بمساهمة كبارنا وبإضافتنا ...بلمساتنا...
 أنا أرى وطني جميلا في صحوي وقيلولتي، في وهدتي ومنامي، في فرضي وامتحاناتي، في لعبي وإنشاداتي ...بالرغم من الإضافات الكهوليّة الرسميّة والأهليّة التي شوّهت صورته ... اختنقنا بالبناءات العشوائيّة والقرارات الأحاديّة الجانب واشمأززنا من معايشة الفاقة والخصاصة والحرمان ...وبكينا لمطالب هذا وذاك التي لم تتحقّق بالرّغم من فصول التّمييز الإيجابي و معاني وروح الثّورة المنتشرة في ربوع وطننا.... 
وطني...أنا أراك جميلا... أعيش وأحيا الجمال فيك ومعك....فلا تجعل لكلّ من يتقمّص الدروشة في ساحاتك سبيلا له كي يحسّن القبح في مرائينا ومراثينا ...وأعطِ أوامرك لحرّاس أجفانك كي لا يسمحوا للقبح بالتسرّب لصفحات صباحاتنا وليالينا وأماسينا.....