3 أسئلة

بقلم
صفاء بن فرج
الأديب والسياسي الفلسطيني مروان عبد العال
 مروان عبد العال، كاتب وروائي وفنان تشكيلي ومناضل سّياسي فلسطيني (مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان)، جمــع بيــن الثّقافــة والفـــنّ والسّياســة وقــدّس المخيــم لمــا لــه من رمزيّة صقلت شخصيته وضربت جذوره في أرض فلسطين التي وُلدَت فيه يوم وُلِد في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينين، بشمال لبنان عام 1957. وهوالابن الأول لعائلة لجأ أفرادها من قرية «الغابسية» شمال شرق مدينة عكّا الفلسطينية. صدرت له ستّ روايات، هـي: سفر أيّوب، وزهرة الطّين، وجفرا، وحاسّة هاربة، وايفان الفلسطيني، وشيرديل الثّاني، نشر العديد من النّصوص الأدبية والمقالات السياسية والفكرية وأقام عدة معارض تشكيلية.
نزل «مـروان عبدالعــال ضيفــا» على منتــدى الفارابي للدراسات والبدائل في لقاء بمناسبة ذكرى يوم الأرض ومرور مائــة عــام على المقاومــة التي ارتبطت بوعد بلفــور المشــؤوم. طرحنـــا عليـــه «3 أسئلة» فكانت إجاباته كالتالي:
 
- يقول فيكتور هيغو « أعتى الجيوش لا تقوى على هزيمة فكرة آن أوانها»، هل توجد، حسب تقديرك، في الساحة العربية فكرة آن أوانها؟ أم مازالت لم تولد بعد؟ -
أعتقد أن الفكرة موجودة ...إنها حيّة ولكن الفكرة ليست مناط بها أن تقوم بعمليّة التّغيير أو أن تكون هي الفعل المباشر الذي يجب أن يقاتل على الأرض.
الفكرة هي التي تصنع الوعي الذي يقاتل وهي التي تصنع الوعي الذي يصدّ الجيوش...هذا الوعي يمتلكه الإنسان وعندما يمتلك الإنسان وعيه يمتلك إرادته. لدينا دائما سؤال إرادة ودائما لدينا فكرة هل نحن أحرار بامتلاك فكرتنا وامتلاك عقولنا؟
نحن دائما نقول أنّ الخطر هو عندما تُحتلّ أرضنا ... هذا صحيح، لكن الخطر الأكبر يحدث عندما تُحتلّ إرادتنا ...عملية إحتلال الإرادة تحصل إذا وجدت أمامها فراغ ... والفراغ الرّئيسي أمامها هو الجهل والتّخلف، لذلك فإنّ الإنسان يحتاج إلى فكرة، يحتاج إلى وعي حتّى يستطيع أن يصدّ جيوش الاحتلال...
نحن نعتقد أنّ هذه الفكرة وهذا الوعي موجود في العالم العربي، موجود في الأمّة، موجود في عقول أبنائها..لكنّ المشكل يكمن في مسألة تمليكها واستخدامها في أخذ القرار وفي المؤسّسة واستخدامها الإنساني هو القادر على أن يغيّر مجتمعاتنا ويفعل فعله. 
 في ضو واقع عربي مليئ بالإخفاقات والصّراعات الحزبيّة والايديولوجيّة والطائفيّة وجدل عقيم يهيمن على السّاحة،وفي زمن كثُرت فيه القضايا وتشعّبت، كيف يُمكن للأديب والمفكّر والفنان التّشكيلي الفلسطيني وغير الفلسطيني أن يُساعد على المحافظة على اتجاه البوصلة نحو القضية المركزية، قضية فلسطين.؟
لا يوجد سلاح أكبر من سلاح الوعي. لكي لا نضيع البوصلة يجب أن تكون لدينا رؤية نرى من خلالها الطريق ...مساحته وتعرجاته وإلى أين ستصل هذه الطريق؟ هذه الرؤية لا تصنعها إلاّ القوّة العقليّة والقوّة الفكريّة والقوّة الثقافيّة التي تتوفّر عند المثقف والأديب والفنّان. هؤلاء هم الذين يصنعونها. ليس هناك حركة يكون لها القدرة على الفعل دون أن يكون لها عقل قادر على تحريكها، بالضبط مثل العلاقة بين الرّوح والجسد، فالمجتمعات هي الجسد والثّقافة هي الرّوح في هذا الجسد ..هناك علاقة جدليّة قويّة في هذا المجال، لذلك لا يمكن أن نضيع الطريق أو نغيّر اتّجاه البوصلة إذا كنّا نمتلك الوعي بواقعنا ونظرة ثاقبة نقدية نستشرف من خلالها المستقبل وهذا دور المثقف بجميع اختصاصاته.
 - كيف أمكنك التوفيق بين انتمائك السّياسي وانتمائك إلى عالم الأدباء والفنّانين، وأنت القائل في إحدى حواراتك : «خسارة المعركة تبدأ من اللّحظة التي يُصادر فيها السّياسي دور ومكانة الفعل الإبداعي ويحوّله إلى ملحق أو ذنب للسّلطة»؟
أعتقد أن المقاتل الشّامل يجب أن يستخدم كلّ الأسلحة .. المباشرة وغير المباشرة، المرئيّة و غير المرئيّة. لكن هناك سلاح أعتبره السّلاح الثّقيل يجب أن تكون له الأولويّة. هذا السّلاح هو السّلاح الثّقافي، أمّا البقيّة فهي أسلحة خفيفة . إنّي أعتبر أنّ الرّكيزة الأساسية تكمن في امتلاك هذا السّلاح الثّقيل، هذا الفكري، هذا العميق، البقيّة هي تفاصيل. على سبيل المثال أعتبر أنّ التّراجع عن الأحلام هي مسألة ثقيلة (حلم التحرّر، حلم العودة إلى الأرض...) هذه مسألة استراتيجيّة يجب أن تشتغل عليها الثّقافة. أمّا التّراجع التّكتيكي والمساومة والألعاب السّياسية فهذا ميدانه السّياسة ونحن مطالبون بأن نكون فيها.
 الخطأ الكبير أن تصبح الرّكيزة الأساسية المتمثلة في الثّقافة والحلم ملحقا وتابعا لمن هو ثانوي.. يجب أن يكون الأساس هو الذي يمثّل هذه الاستراتيجيّة الكبرى والنّبيلة التي سمّيتها «الحلم» والآخر هو الملحق، في الحالة العكسيّة يكون الهرم قد قُلب وتمّ ايقافه على رأسه وليس على قاعدته، فنحن ندعو لأن يتشكّل هذا الهرم وفق المنطق الأكثر ثباتا والأكثر ضمانا وهذا يضمن عدم تشويه السّياسي خاصّة والسّاحة السّياسية أصابتها تشوّهات عديدة في شكل من أشكال البشاعة وهذا يتطلّب قيما جماليّة وعميقة وهي قيم لا تصنعها إلاّ أدوات جميلة وعميقة ونعني هنا الثّقافة والأدب والفنّ.