نقاط على الحروف

بقلم
أ.د انيس الرزقي
جدلية الثقافي و الحضاري
 تعتبر المسألة الثقافية من أهم المسائل الفكرية التي رافقت مسيرة الإنسان منذ نشأته الأولى مما جعل المراجع الفلسفية والفكرية تعجّ بتعاريف متعدّدة للثّقافة أو للمسألة الثّقافية ونظرا لأهمية المسألة وكثرة الجدل الفكري والفلسفي حول تعريفها، تضطر بعض المؤسّسات الدّولية إلى تحديد تعريفها الخاص[1] للثقافة، فعلى سبيل المثال تعرّف منظمة «اليونسكو» الثقافة كالتالي:
 «La culture, dans son sens le plus large, est considérée comme l›ensemble des traits distinctifs, spirituels et matériels, intellectuels et affectifs, qui caractérisent une société ou un groupe social». 
هناك أيضا كثير من الدّول تضع في دساتيرها تعريفها الخاصّ للمسألة الثّقافية لتحديد مسؤوليّة الدّولة الثقافية، نشير هنا إلى دستور الثّورة التونسية[2]: «إنّ الحقّ في الثّقافة مضمون وحرّية الإبداع مضمونة. وتشجع الدّولة الإبداع الثقافي، وتدعم الثقافة الوطنية في تأصّلها وتنوّعها وتجدّدها بما يكرّس قيم التّسامح  ونبذ العنف والإنفتاح على مختلف الثّقافات والحوار بين الحضارات، وتحمي الدّولة الموروث الثقافي وتضمن حقّ الأجيال القادمة فيه.»
في الحقيقة لا نهدف إلى الخوض في غمار الجدل حول التّعاريف المتعدّدة للمسألة الثّقافية ونعتمد تعريف مؤسّس علم انثروبولوجيا الثّقافة «ادوارد تايلور» في كتابه «الثّقافة البدائيّة»[3] : «ذلك الكلّ المركَّب المعقَّد الذي يشمل المعتقدات والمعلومات والفن والأخلاق والعرف والتقاليد والعادات وجميع القدرات الأخرى التي يستطيع الإنسان أن يكتسبها بوصفه عضوا في مجتمع»
في ما يلي نناقش المسألة الثقافية وإنعكاسها السلوكي على الفرد والمجتمع من خلال النظر في علاقة الثقافي بالمعرفي وعلاقة الثقافي بالمعتقد ومسألة المقارنة بين الثقافات وتقييمها والحكم عليها. في الأخير ننظر في علاقة الثقافي بالحضاري وبالدولة ونطرح إشكالية الخلط بين المسألتين الثقافية والحضارية حيث أننا نعتقد أنها قضية فكرية وسياسية غاية في الأهمية والخطورة وتستحق التمعن والتفكر. كما نلاحظ أن هذا الخلط متداول عند كثير من المثقفين والمفكرين فنبين ذلك من خلال أمثلة من الواقع المعيش في مجتمعنا العربي عموما وفي مجتمعنا التونسي بصفة خاصة. 
 المسألة الثقافية والمعارف الإنسانية
نعتقد أن الثقافة لا ترتبط بالمعرفة المكتسبة من قبل الفرد أو المجتمع  بصفة مباشرة بقدر ما ترتبط بقدرتهما أو رغبتهما في تجسيد المعرفة المكتسبة على أرض الواقع حتى يصبح لها أثر ملموس في السلوك. من هنا نفرّق بين المعرفي والثقافي على مستوى القابلية للقياس من عدمها، فالمعارف المكتسبة سواء بالنسبة للفرد أو بالنسبة للمجتمع هي مسائل قابلة  لتحديد الكمية و للقياس «Quantification et mesure» ومن ثم  للتعيير « Standardisation» وبالتالي يمكن المقارنة بين المستوى المعرفي للأفراد وحتى للمجتمعات.  على عكس الثقافة  فنظرا لأنها مرتبطة بالإرادة الحرة للفرد والمجموعة في التجسيد على أرض الواقع فهي لا يمكن أن تقاس وبالتالي لا يمكن تعييرها. فمثلا يمكن أن يكون أحدهم مدركا تماما لمضار التدخين ولكن هذه المعرفة لا تأثر في سلوكه ويواصل ممارسة التدخين وقد يواصل التدخين بصفة معتدلة ويمارس الرياضة بصفة منتظمة وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال الحكم السلبي على هذه الممارسة السلوكية والتي هي جزء من الثقافة وعلى العكس يمكن لأحدهم أن يكون أقل إدراكا لمضار التدخين ولكنه يكف عن التدخين نهائيا وهذا لا يعني في المطلق أن تصرفه أرقى من الأول.
المسألة الثقافية و المعتقد
إن المعتقدات هي من المسائل المعقدة وهي بالتأكيد لا تخضع لا للقياس ولا للتعيير وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال المقارنة أو التمييز بين المتدينين سواءا كانوا من ديانات مختلفة أو من نفس الديانة أو حتى اللاّمتدينين. ويعتبر المعتقد أحد أهم مكونات المسألة الثقافية فالمعتقد أو بالتحديد درجة الإلتزام بالمعتقد تؤثر بصفة مباشرة في سلوك الفرد والمجتمع بشكل عام. وهنا أيضا يجب التمييز بين الإعتقاد في حدّ ذاته وقدرة أو رغبة الفرد أو المجتمع على تجسيد درجة الإعتقاد على أرض الواقع حتى يصبح سلوكا وبالتالي ثقافة. نعتبر هذا البعد سبب آخر يجعل المقارنة بين الثقافات عبثية باعتبار إرتباطها  بالمقدس.  
الثقافة و التطرف
ينظر الكثير إلى كلمة «تطرف» على أنها كلمة ذات معنى سلبي والحال أنها نسبة إلى كلمة طرف والمقصود هنا هو طرف منحنى توزيع «قاوس»  «Gauss»أو ما يعرف أيضا بـ «التوزيع الطبيعي» (أنظر إلى الصورة التي تلي). ويستعمل هذا التوزيع في علم الإحصاء بكثافة حيث أن معظم الظواهر يمكن «إعتبارها» في حال كانت العينة كبيرة إلى حد ما تتبع توزيع «قاوس». ويتميز هذا التوزيع بتناظره حول القيمة المتوسطة وأن له طرفين طرف من اليمين وطرف من اليسار حيث أن الأطراف تمثل أقلية من اليمين وأقلية من اليسار، ومن هنا أتت كلمة «تطرف».
 
 
 
 
 
 
تمثل كل المساحة المنحصرة تحت المنحنى كافة أفراد العينة أي 100 % وتمثل على سبيل المثال المساحة المنحصرة تحت المنحنى من القيمة m+2σ فما فوق نسبة 0.2 % وتسمى الطرف الأيمن ونفس الشيء من الجهة اليسرى، (هنا الحرف m يرمز إلى المتوسط و σ يرمز إلى الإنحراف). 
في علاقة بالمسألة الثقافية تجدر الإشارة إلى أن التطرف من جهة اليمين هو موازٍ تماما إلى التطرف من جهة اليسار وبصفة عامة لا تجدر المفاضلة بينهما وهما عاملا إستقرار للمنطقة الوسطى، فكلا الأقليتين تجذب إلى ناحيتها وهكذا تستقر الأمور.
بمرور الزمن يمكن للمنطقة الوسطى أن تتدحرج إلى اليمين أو إلى اليسار،فمثلا معدل إستهلاك السكر السنوي للعائلات في جميع أنحاء العالم سوف يتجه آليا إلى المنطقة المتطرفة من جهة اليمين في حال إكتشاف دواء لمرض السكري وبالتالي يصبح الإستهلاك المتطرف هو الإستهلاك الأكثر شيوعا بين الناس. 
نخلص إلى القول بأن الفعل الثقافي يخضع للتمشي العام بمعنى أن الفرد يتأثر إراديا أو لا إراديا -فهذا لا يهم- بالمجتمع الذي يعيش فيه وحتى بمجتمعات أخرى لا يعيش فيها بالضرورة. والعكس صحيح أيضا فالمجتمع يتأثر بالأفراد الذين لديهم إشعاع ثقافي أو علمي أو سياسي أو مادي، وبالتالي فإن الفعل الثقافي يتغير مع مرور الزمن وفي نفس الفترة الزمنية من الطبيعي أن يتواجد في المشهد الثقافي طرفي نقيض نمط ثقافي محدد. وبالتالي فإن «التطرف» أو «الإعتدال» في المسائل الثقافية لا يمكن إعتباره ثابت ولا يمكن تعييره.
المسألة الثقافية و الفعل الحضاري و الدولة:
إن كلمة «حضاري» مشتقة من كلمة «حضر» أي العمران وهي تعني المدينة وليس الريف. والفعل الحضاري هو في علاقة بالتطور العمراني وهو كل فعل ينتج عنه تذليل عقبات الحياة العمرانية المزدحمة. وتعتبر الدولة من أهم المنتجات الحضارية التي عرفتها البشرية وهي في آن واحد أحد أهم الآليات التي تتحقق وتتطور بها الحضا رة. ومن أهم خصائص الفعل الحضاري أنه يخضع إلى القياس والتعيير بامتياز بدءا من طول شبكة الصرف الصحي وصولا إلى عدد المسارح إلخ... وهناك العديد من المؤشرات والمعايير في هذا مجال التي تقيس درجة التحضر للفرد والمجتمع وتمكن  بسهولة تامة من مقارنة حضارة بأخرى عبر أزمنة مختلفة.
إن المسألة الثقافية بالنسبة للحضارة أو للدولة لا تعدو أن تكون عبءا يجب على الدولة المتحضرة أن تأخذه بعين الإعتبار، فمثلا إذا كان هناك في بلد ما أكثر من ديانة فإنه من مظاهر تحضر الدولة أن توفر دور عبادة مختلفة لكل طائفة ولو كانت أقلية أو إذا كانت هناك أكثر من لغة في بلد ما فإنه من التحضر أن تكون هناك مدارس بكل اللغات وأن يكون كل ما يخص الدولة من القوانين إلى اللافتات مكتوب بأكثر من لغة على الأقل. إن الدولة يجب أن تتحمل مسؤوليتها إزاء المسألة الثقافية لمجتمع ما فهي مطالبة بتوفير البنية التحتية الضرورية من دور عبادة وفضاءات مسرحية وسينمائية وملاعب إلخ حتى يتسنى للمجتمع أن يمارس ثقافته بأريحية وحرية. ولكنّها، أي الدولة، يجب أن تكون محايدة تماما، بمعنى أنه لا يحق لها أن تفرض أو تميز نمط ثقافي ما على حساب أنماط أخرى لها وجود في المجتمع وبغض النظر عن مدى تطرفها. وإن الشرط الأساسي لبلوغ أي حضارة عبر التاريخ مرحلة الرقي يكمن في القدرة على إحترام واستيعاب الثقافات المختلفة المكونة للمجتمع. للأسف في حالتنا العربية المعاصرة لم تكن الدول محايدة بتاتا في المسألة الثقافية وبصفة خاصة في  الحالة التونسية فقد كانت الدولة خلال نظام بورقيبة ونظام المخلوع تحاول وبشتى الطرق طمس الهوية الثقافية العربية الإسلامية على حساب الثقافة الغربية. 
الخلط بين الثقافي و الحضاري 
بات واضحا -بالنسبة لي على الأقل- أن الثقافي والحضاري هما مسألتان مختلفتان تماما فالأولى لا تخضع لا للقياس ولا للتعيير والثانية معيارية بامتياز. من المعلوم بالضرورة أن الشعوب العربية باتت في أسفل الرتب العالمية على المستوى الحضاري ودون الغوص في التبريرات، كان هذا نتيجة طبيعية للهزائم المتتالية التي منيت بها مجتمعاتنا وفترة الإستعمار التي دمرت جميع مقومات حضارتنا. إن هذا التخلف عن الركب الحضاري قابل للقياس وبدقة إذا شئنا. وفي الواقع لا نعتبر هذه نهاية التاريخ بالنسبة لنا، فالإلتحاق بالركب الحضاري قابل للتحقيق في وقت وجيز وخارطة الطريق موجودة فقط نحتاج إلى إرادة سياسية واستقلال واستقرار... لكن للأسف الشديد، من باب الخلط أو من باب الجهل، يعمد الكثير من المثقفين والمفكرين في مجتمعاتنا العربية وخصوصا في مجتمعنا التونسي إلى الخلط بين المسألتين الثقافية والحضارية ومن ثم إسقاط «projection»  التخلف الحضاري على الثقافي فيصبح لدى هؤلاء «المثقفين» قناعة راسخة بأننا إما مهزومون ثقافيا أو في أحسن الأحوال مهزومون حضاريا بسبب ثقافتنا السيئة المتأخرة الرجعية! وهنا تكمن الخطورة! فثقافتنا «سليمة» والحمد لله مثلها مثل الثقافات الأخرى لا «أحسن» ولا «أسوء». للأسف سقط هؤلاء المثقفون في دوامة لا متناهية من جلد الذات الثقافية، مما جعل المجتمع بأسره يعيش حالة من الإحباط والتوتر والإحساس بالنقص الثقافي منذ عقود. إن الثقافة هي أحد أهم مكونات الهوية للفرد وللمجتمع وبالتالي فإن الفرد أو المجتمع الذي يعتقد بأنه لا ثقافة له أو أن ثقافته متخلفة ورجعية سوف يدخل في إعاقة نفسية تجعله يفقد الإعتزاز والثقة بالنفس ولا يحس بالندية وبالتالي لا يجرؤ على المنافسة ويركن للخنوع والخضوع! للأسف هذا هو حال الكثير من أفراد مجتمعاتنا العربية حتى لا أقول مجتمعاتنا بأسرها.
أمثلة عن الخلط بين الثقافي و الحضاري:
مسألة النقاب: لا تزال مسألة النقاب وحتى الحجاب محل إرباك لمجتمعنا التونسي. فلقد شهد المجتمع التونسي منعا -لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال- للحجاب، وطبعا للنقاب، تقريبا بعد الإستقلال بسنوات قليلة إلى حدود ثورة 14 جانفي المجيدة. للأسف كان ذلك بتواطئ أو بجهل من قبل النخب المثقفة وهي لا تزال إلى اليوم تعتبر النقاب وحتى الحجاب شكلا من أشكال «الإنحدار الحضاري». 
لا أريد أن أغوص في أي شكل من أشكال التبرير الإيديولوجـــي للنقاب أوللحجــاب فالمسألة بالنسبة لنا ثقافية بامتياز -وطبيعي أن يكــون للثقافــة خلفية أيديولوجية- وبالتالي لا تخضع لأي شكل مـــن أشكال التعيير. وهذا ينطبق بالتأكيد على اللباس بشكـــل عام  إذ لا يوجد لباس يعد أكثر تحضرا من لبـــاس آخر!  فلا يمكن، بأي شكل من الأشكال،  أن ينعكـــس اللباس بصفة عامة ولباس المرأة بصفة خاصة، لا سلبا ولا إيجابا، على الحضر بمعنى أنه لا يسهل ولا يعقد تدفق الخدمات في المناطق الحضرية المزدحمة!
مسألة العطلة الأسبوعية في تونس: أعتقد أني لن أفاجىء أحدا عندما أذكر أن العطلة الأسبوعية الحالية في تونس أي الأحد هي ذات خلفية مسيحية وقد غيرها بورقيبة من الجمعة إلى الأحد فقط لكي ترضى عنه وعنا معه فرنسا! -ألم ترض عنا فرنسا بعد؟- ولكني في نفس الوقت أكاد أجزم من أن هذا الموضوع على بساطته وربما تفاهته يمكن أن يفجر أزمة حقيقية في تونس لو تم طرح  تغيير العطلة الأسبوعية من الأحد إلى الجمعة، فسوف يتهم من طرحه على أنه رجعي ومتخلف وغير متحضر و«يريد أن يرجعنا إلى الوراء». للأسف هذا هو الواقع اليوم في تونس وهذا مثال آخر صارخ من إسقاط الحضاري على الثقافي! فبالنسبة لهم يوم الأحد أكثر تحضرا بالتأكيد!
الخلط بين الثقافي والحضاري 
والمؤامرة الكونية:
لا نخفي أننا في الواقع بتنا من الذين يعتقدون أننا نعيش في مؤامرة كبرى وأن التهكم على فكرة المؤامرة هو جزء من المؤامرة. إن المسألة الثقافية هي بمثابة خط الدفاع الأول على الأمن القومي لأي مجتمع يحترم نفسه ويسعى بأن يرتقي حضاريا وأن يدوم. فالثقافة هي لبنة أساسية من مكونات الهوية لأي مجتمع وهي بمثابة الأصل العائلي بالنسبة للفرد. فكلّما كان الفرد معتزا بعائلته، بغض النظر عن تحضرها من عدمه، كانت ثقته بنفسه عالية ومن ثم يكون قادرا على المنافسة والإبتكار والإبداع والدفاع عن مصالحه. وكذلك حال المجتمعات، فكلّما كانت الشعوب معتزة بثقافتها كانت قادرة أكثر على المنافسة إقتصاديا وتكنولوجيا وعسكريا وكانت قادرة على بناء علاقات ندية مع المجتمعات الأخرى مبنية على الإحترام المتبادل. أعتقد، و أكاد أجزم أني لست وحدي، أن مجتمعاتنا العربية وبصفة خاصة مجتمعنا التونسي لم ينجح إلى اليوم في صياغة الدولة المنشودة الواثقة من نفسها في علاقاتها مع اللآخرين وخاصة جيرانها الشماليين!
إن للثقافة إنعكاسات إقتصادية تكاد تكون مباشرة فتخيل مثلا لو لم يتخلّ التوانسة على «القشابية» (لباس تقليدي تونسي يشبه المعطف) على سبيل المثال لا الحصر، طبعا لكانت بالتأكيد تطورت وتغيرت حتى تمسّ كل الفئات على الصعيدين الداخلي والخارجي وتوائم أكثر ما يمكن من المناسبات. فبالتأكيد اليوم سوف يكون لدينا إحتياج سنوي، على أقل تقدير، لمليون «قشابية» وبعملية حسابية بسيطة يمكن إحتساب خمسة آلاف موطن شغل في مصانع ونقاط بيع «القشابية» المفترضة! والأمثلة متعددة! للأسف «القشابية» ومثلها كثير من المنتجات إختزلها التونسيون في ما بات يعرف بالصناعات «التقليدية» أي عبارة عن مجرد ديكور فلكلوري يستمتع برؤيته السياح! والحال أن كل صناعات الدنيا بدأت «تقليدية» ولكنها عند الشعوب الفخورة بثقافتها تطورت لتكتسح العالم اليوم.
إن الشعوب التي تعتقد أنها مهزومة ثقافيا سوف تكف عن التطور والإبداع تدريجيا وتعجز عن المنافسة وبالتالي تكون لقمة سائغة لشعوب أخرى أكثر منها إعتزازا بثقافتها! 
  لا شك أن الدول الإستعمارية تعيش حالة من التفوق الحضاري ونحن لا ننكر عليها ذلك فهو نتيجة عمل ومثابرة أجيال متعددة من أبناء شعبها وعدّة عوامل أخرى ليس المجال لذكرها. وتدرك الدول الإستعمارية تماما أن هذا التفوق الحضاري لن يدوم طويلا وهي تحاول أن تؤبده باستعمال الخلط بين الثقافي والحضاري. فكلما إعتقدت الشعوب المتخلفة حضاريا أن سبب تخلفها هو ثقافتها كلما خضعت أكثر للثقافة الإستعمارية وذابت فيها وبالتالي تفقد القدرة على الندّية والتنافس والمواجهة وهكذا يزداد التفوق الحضاري ويتأبد.
في النهاية أتوجه برسالتين الأولى إلى المنبهرين بالثقافة الغربية، فأقول لهم إنبهروا كما شئتم فهذا حقكم، فقط لا تخلطوا بين الحضاري والثقافي ولا تدينوا شركاءكم في الوطن الذين يتمسكون بثقافتهم ويستميتون من أجل الدفاع عنها. أما الرسالة الثانية فهي للمدافعين عن ثقافتنا العربية الإسلامية، أقول لهم كفوا عن سبّ وشتم الثقافة الغربية فليس لكم الحقّ في ذلك مهما كان وإنّ خطابكم هذا يزيد في نفور الشّباب من أصوله وثقافته. 
المراجع:
[1]: Déclaration de Mexico sur les politiques culturelles. Conférence mondiale sur les politiques culturelles Mexico city, 26 juillet - 6 août 1982.
[2]: http://www.tunisie-constitution.org/
[3]: Edward Taylor: Primitive Culture. Volume 1. London: John Murray. 1871.
(ترجمة من الإنقليزية)