شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
غاندي ...مؤسس المقاومة السلمية
 رجل قانون وسياسي فذّ وقائد تاريخي مناضل، وزعيم روحي هندي، انتصر على أعدائه بصبره وفلسفة مقاومته. هو صاحب المقولة الشهيرة «إذا قابلت الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة» وهو الذي كان يقول «صلاة في القلب بلا كلام خير من صلاة بالكلام والقلب عنها غائب».إنّه المهاتما «غاندي» الذي قضّى أكثر من  خمسين عاما يناضل دفاعا عن الانسانية بين الهند وبريطانيا وجنوب إفريقيا وكان شعاره في ذلك مقولته «يجب ألا تفقدوا الأمل في الإنسانية، إن الإنسانية محيط وإذا ما كانت بضع قطرات من المحيط قذرة فلا يصبح المحيط بأكمله قذراً».
ولد «غاندي» الملقب بـ «ألمهاتما» (أي صاحب النفس العظيمة أو القديس) في الثاني من أكتوبر1869 في مقاطعة غوجارات الهندية من عائلة محافظة لها باع طويل في العمل السياسي والتجاري. قضى طفولة عادية ثم تزوج وهو في الثالثة عشرة من عمره بحسب التقاليد الهندية المحلية ورزق من زواجه هذا بأربعة أولاد. 
في سبتمبر عام 1888، غادر غاندي الهند، وسافر الى لندن من أجل الدراسة، ليعود منها بعد ثلاث سنوات بشهادة جامعيّة تخول له ممارسة مهنة المحاماة. لكنّه سرعان ما غادر الهند في اتجاه جنوب إفريقيا بحثا عن عمل. 
وتعتبر الفترة التي قضاها غاندي بجنوب أفريقيا (1893 - 1915) من أهم مراحل تطوره الفكري والسياسي حيث  تحول من رجل هادئ جدا وخجول الى زعيم قوي يحارب التمييزوالتعصّب وأتاحت له فرصة لتعميق معارفه وثقافاته والاطلاع على ديانات وعقائد مختلفة. أخذ غاندي على عاتقه مهمّة الدفاع عن حقوق العمال الهنود العاملين بالشركات البريطانيّة واختبر أسلوبا في العمل السياسي أثبت فعاليته ضد الاستعمار البريطاني وأسس صحيفة «الرأي الهندي» التي دعا عبرها إلى فلسفة اللاعنف وأثرت فيه مشاهد التمييز العنصري التي كان يتبعها البيض ضد الأفارقة أصحاب البلاد الأصليين أو ضد الفئات الملونة الأخرى المقيمة هناك. فقام بتأسيس  حزب «المؤتمر الهندي لنتال» ليدافع عبره عن حقوق العمال الهنود ويخلصهم من عقد الخوف والنقص ويرفع مستواهم الأخلاقي. وقد حارب من خلال هذا الحزب قانون منع الهنود من حقّ التصويت و قانون إلغاء عقود الزواج غير المسيحية.
أصبح المهاتما شخصا معروفا بسبب الكثير من نشاطاته، وتحوّل إلى  رائد الجالية الهندية في جنوب افريقيا ممّا جعل الصحف في انجلترا والهند مهتمة كثيرا باعماله. عاد غاندي من جنوب أفريقيا إلى الهند عام 1915، وفي غضون سنوات قليلة من العمل الوطني أصبح الزعيم الأكثر شعبية. وركز عمله العام على النضال ضد الظلم الاجتماعي من جهة وضد الاستعمار من جهة أخرى، واهتم بشكل خاص بمشاكل العمال والفلاحين والمنبوذين .
أسس غاندي ما عرف في عالم السياسية بـ«المقاومة السلمية» أو فلسفة اللاعنف (الساتيارها)، وهي مجموعة من المبادئ تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية في آن واحد ملخصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمحتل عن طريق الوعي الكامل والعميق بالخطر المحدق وتكوين قوة قادرة على مواجهة هذا الخطر باللاعنف أولا ثم بالعنف إذا لم يوجد خيار آخر.
وقد أوضح غاندي أن اللاعنف لا يعتبر عجزا أو ضعفا، ذلك لأن «الامتناع عن المعاقبة لا يعتبر غفرانا إلا عندما تكون القدرة على المعاقبة قائمة فعليا»، وهي لا تعني كذلك عدم اللجوء إلى العنف مطلقا «إنني قد ألجأ إلى العنف ألف مرة إذا كان البديل إخصاء عرق بشري بأكمله». فالهدف من سياسة اللاعنف في رأي غاندي هي إبراز ظلم المحتل من جهة وتأليب الرأي العام على هذا الظلم من جهة ثانية تمهيدا للقضاء عليه كلية أو على الأقل حصره والحيلولة دون تفشيه.
وتتخذ سياسة اللاعنف عدة أساليب لتحقيق أغراضها منها الصيام والمقاطعة والاعتصام والعصيان المدني والقبول بالسجن وعدم الخوف من أن تقود هذه الأساليب حتى النهاية إلى الموت.
ويشترط غاندي لنجاح هذه السياسة تمتع الخصم ببقية من ضمير وحرية تمكنه في النهاية من فتح حوار موضوعي مع الطرف الآخر.
تميزت مواقف غاندي من الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية في عمومها بالصلابة المبدئية التي لا تلغي أحيانا المرونة التكتيكية، وتسبب له تنقله بين المواقف القومية المتصلبة والتسويات المرحلية المهادنة حرجا مع خصومه ومؤيديه وصل أحيانا إلى حد التخوين والطعن في مصداقية نضاله الوطني من قبل المعارضين لأسلوبه.
في بداية عام 1945 اقتربت الهند من الاستقلال وتزايدت المخاوف من الدعوات الانفصالية الهادفة إلى تقسيمها إلى دولتين بين المسلمين والهندوس، فأخذ يدعو إلى إعادة الوحدة الوطنية بين الهنود والمسلمين وتألم لانفصال باكستان وحزن لأعمال العنف التي شهدتها كشمير ودعا الهندوس إلى احترام حقوق المسلمين مما أثار حفيظة بعض متعصبيهم فأطلق عليه أحدهم ثلاث رصاصات قاتلة يوم 30 جانفي/ كانون الثاني 1948 سقط على أثرها المهاتما غاندي صريعا عن عمر يناهر 79 عاما.