وجهة نظر

بقلم
عبدالسميع نصري
ايران ومذهب صناعة الحقد
 هذا سؤال يطرح فرضيّة حول مدى خطورة الدّور الإيراني في المنطقة على العالمين العربي والإسلامي. وهي فرضيّة تردّدت كثيرا منذ نجاح الثّورة الإيرانية في التخلّص من نظام الشّاه وتأسيس جمهوريّة وفق مذهب الولي الفقيه. ويتنازع المسألة اليوم رأيان واضحان بات كلّ منهما يشكّل طرفا فاعلا في السّاحة الإقليميّة والدّولية، أحدهما  موال ارتبطت مصالحه بالمشروع الإيراني في المنطقة، والآخر مناهض ويتخوّف من التّقية السّياسية لإيران. وقد نجحت إيران في تحقيق اختراقات مهمّة في العالم الإسلامي بسبب الاستفادة من المخزون العاطفي للمسلمين تجاه فلسطين، فلم تتأخر في أن تسوّق سياستها التي تبدو مناهضة للكيان الصّهيوني ومساندة لحركات المقاومة. ودفعت بناء على هذا المنزع إلى تشكيل ما أطلق عليه «محور المقاومة». وبصرف النّظر عن الموقف من هذا المحور الذي ساعد في صمود المقاومة الفلسطينيّة في وجه مشروع التّفريط وإنهاء القضيّة، الذي تزعمه النّظام العربي الرّسمي في معظمه وبعض القوى الفلسطينيّة، فإنّ إيران حصّنت مشاريعها النّووية والتّوسعية والإيديولوجيّة بهذا الجدار الحديدي، ونجحت في امتلاك أوراق قوّة مؤثّرة على السّاحتين الإقليميّة والدّولية. 
وتقوم هذه السّياسة على قاعدة نظريّة «أمّ القرى» التي أسّس لها «محمد جواد لاريجاني». وتقتضي أن تتحوّل إيران إلى مركز الواجب الإسلامي، بمعنى أن تصبح دار الإسلام ويصبح الولي الفقيه وليّ أمر كلّ المسلمين في العالم. وهذا ما يفسّر المحاولات الإيرانيّة لخلق بؤر طائفيّة في كلّ بلد مسلم ومدّها بالدعم المادّي واللّوجستي حتّى تكون داعمة لأمّ القرى، من ناحية وحتى تشكّل ثورة على دولة الفساد التي يجب القضاء عليها استنادا لنظريّة «أمّ القرى». والفساد هنا ليس بالضّرورة الفساد الأخلاقي والقيمي، بقدر ما هو الفساد الذي تحدّد مقاييسه هذه النظريّة السّياسيّة، التي تستمد وجودها من مفاهيم شيعيّة فارسيّة. 
وتتحدّث النّظرية عن وجوب حماية أمّ القرى بكلّ ما هو متاح حتّى ولو أدّى ذلك إلى تعطيل الأحكام الأوّلية، والمقصود بذلك أحكام الشّريعة، وسلوك مبدأ الغاية تبرّر الوسيلة للحفاظ على كرامة أمّ القرى، بما في ذلك الاعتماد على أسوأ ما في السّياسة، وهو الضّرب على العواطف وتجييش المشاعر في قضايا توجد عنها في الأذهان تجارب سيّئة جدّا، على حدّ قول لارجاني. والتّحليل المنطقي يفيد أنّ الواجب لا يمتنع عن الاستفادة من نظريّة فرّق تسد، وتحريك النّعرات الطّائفية وتصدير الأزمات لأجل أمن أمّ القرى. وهذا بالضّبط ما يجري في عدّة دول إسلاميّة، حيث تقوم ايران بتحريك الأقلّية الشّيعية وبقيّة الأقلّيات لتخفيف الضّغط عن مشاريعها في المنطقة، وتدفع مقابل ذلك أموالا طائلة في شراء الذّمم، ناهيك عن أنّ دفع المال يعدّ أحد أساليب دفع الضّرر عن أم القرى والحكومة الواجبة، لا سيّما في العالم السّني الذي يوضع ضمن قائمة الحكومة الجائرة لأنّها توسم بالفساد، على حدّ تعبير النّظرية. وفي سبيل أمّ القرى يمكن تدمير العراق، واليمن وسوريا، وتحريك المليون شيعي في مصر، وتهييج شيعة البحرين، والسّعودية، وصنع أحزاب باسم الله في لبنان، وسوريا، والعراق وفلسطين، وتنشيط فاعليّة بعض الموالين بقليل من الأعطيات والمكاسب على غرار «جوزيف أبو فاضل»، المسيحي اللبناني الذي هدّد، في إحدى حلقات برنامج الاتجاه المعاكس، بطرد المسلمين من سوريا والعراق بالتّحالف مع الشّيعة. ولم تعدم السّياسة الإيرانية الجرأة على التّحالف مع «الشيطان الأكبر» من أجل إخضاع أفغانستان والعراق. 
هذه أذن سياسة البراغماتية في أسوإ تجلياتها، وهي التي حوّلت إيران إلى لاعب خطير في المنطقة وجدير بالتّحالف مع كلّ من الولايات المتّحدة والكيان الإسرائيلي تحت الطاولة، لتأمين المصالح المشتركة، استنادا لما أكده البروفسور تريتا بارسي (أستاذ العلاقات الدولية بمعهد جون هوبكينز)، في كتابه «التحالف الخادع: التّعاملات السّرية لإسرائيل وإيران وأمريكا»، لاسيّما حين ندرك أنّ إيران وإسرائيل تلتقيان على العديد من المحاور، بصرف النّظر عن المهاترات الكلاميّة التي قال عنها اللّوبي الصّهيوني في الإدارة الأمريكيّة منذ مطلع الثّمانينيات أنّها مجرّد ظاهرة صوتيّة لا تأثير لها على الأرض. فالدّولتان على حدّ ما أورده بارسي تفاخران بأنّهما أكثر تفوّقا مقارنة بالعرب، وتنظران إلى العرب على أنّهم أقلّ شأنا منهما ثقافيّا، وتاريخيّا، وحضاريّا وعسكريّا. ولولا الفرس لما كان للعرب شأن يذكر، هكذا تبدو النّظرة الإيرانية للعرب. وهي نظرة شعوبيّة متلحّفة برداء الإسلام. ولازال الإيرانيّون يعظمون الفردوسي صاحب كتاب الشهنامة، الذي يصف فيه العرب بأشنع الأوصاف ويقارنهم بالكلاب،  ويعتبر الكلب عندهم أفضل حالا من العرب، لأنّ الكلب في «إصفهان» يشرب من ماء الثلج بينما يأكل العربي الجراد في الصّحراء. وحين التقى «محمد خاتمي» بالبابا عام 1999 أهداه كتاب الشّاهنامة ولم يهده القرآن الكريم. في حين يقول أحد المسؤولين الإسرائيليّين لبارسي مستهزئا بالعرب: «إنّنا نعرف ما باستطاعة العرب فعله وهو ليس بالشّيء الكثير».
ويحلّل الكاتب الظّاهرة التّعبوية ضدّ «الشّيطان الأكبر» والكيان الإسرائيلي على أنّها تقيّة سياسية لدغدغة العواطف الدّينية وخداع الشّيعة، باعتبارهم الرّافعة التي تستند عليها إيران لاستعادة أمجادها الفارسيّة. وفي هذه البراغماتيّة الموغلة في التّشكل والمواراة تبدو خطورة الدّور الإيراني في المنطقة، لا سيّما إذا سلّمنا أنّ مشروع «أمّ القرى» يغطّي مشروعا آخر أكثر أهمّية لإيران، وهو مشروع إعلاء شأن القوميّة الفارسيّة. وضمن هذا السّياق يمكن القول أنّ إيران أتقنت فنّ السّياسة، ولا غبار في أنّ لها الحقّ في حماية مصالحها، شأنها شأن أيّ دولة أخرى، وما ينبغي لنا أن ننتصر لضعف السّياسة العربيّة بمجرد إعلان الموقف السّلبي من دور إيران في المنطقة، فقد نجحت إيران فيما فشل فيه العرب، واستطاعت أن تجد لها أنصارا في كل بلد، فيما عمد العرب إلى تدمير الذّات، عبر التآمر ضدّ القوى الحقيقيّة التي كانت تشكّل سدّا منيعا في وجه المشروع الإيراني ومشاريع الهيمنة الأخرى. وليس هذا فحسب فهناك دول تحكمها سذاجة علمانيّة غير واعية بالسّياسة الدّولية ولا تملك زادا معرفيّا بالجغرافيا الطّائفية في المنطقة، على غرار البعض ممّن يتصدّرون المشهد في تونس، ومصر، وعدد من الدّول الأخرى فقد عقدت وزيرة السّياحة التونسية قبل مدّة اتفاقا مع الإيرانيين لاستجلاب آلاف من السّواح الإيرانين إلى تونس. لا أدري هل هي السّذاجة؟ أم هو الجهل بما يجري حولنا؟ أم هي حال من اللاّمبالاة؟ هل نحن في حاجة لمزيد من المؤامرات، حتّى نسمح بدخول أصحاب المشاريع الطّائفية لبلادنا، والحال أنّهم لم يدخلوا بلدا مسلما إلاّ أحدثوا فيه فوضى؟ هناك غياب تامّ للشّعور بالمسؤوليّة، حيال الدّور الإيراني، الذي يسعى لخلق بؤر توتّر، تستهدف أساسا المكون السّني لا في المنطقة العربيّة فقط بل في العالم. فهو يتبنّى مشروعا طائفيّا ويستعين بنفوذ المال لاستمالة ضعاف النّفوس من النّخب المتاهفتة على المال والمتعة الجنسيّة، باعتبارهما أسهل المنحدرات للذّات البشريّة. ومثلما سبق وقلنا، أنّ الغاية لدى المشروع الطّائفي في إيران تبرّر الوسيلىة من أجل حماية أم القرى. ليس في الوقت متّسع ما لم تكن هناك إرادة لإعادة تشكيل العقل السّياسي العربي عبر بوابة نشر الوعي بهذا الخطر واحترام الحقوق الأساسية للمواطن، لأنّها العامل الكفيل بإفشال كلّ مخططات الهيمنة على المنطقة. والمواطن هو مادّة المقاومة ومادّة حفظ الكرامة إذا ما عاش كريما، مسموع الصوت في وطنه. 
هذه ملامح المشروع الإيراني في المنطقة، وأخطر ما فيه هو التّجيشش والتّعبئة المذهبية على جميع الصعد. ويلاحظ أنّ هذا المسار تغذيه سياسة إعلاميّة موجّهة لتنشئة الأجيال الجديدة عبر برامج الأطفال، التي تصنع الحقد مستفيدة من الأساطير التي تفنّن رواة الشّيعة في اختلاقها عن آل البيت. وهم بذلك ينتهجون سياسة تدميرية، لا يمكن أن تنتج إلاّ عقولا مشوّهة ومهووسة بالثّأر والانتقام للحسن وآل بيته. وحين ينشأ الطّفل على ألبان أساطير القتل والتنكيل بآل البيت، فإنّه لاشكّ سيتمثّل الحسن رضي الله عنه وسيعمل على تبنّي ما في هذه الأساطير وسيزود بقوّة تدميريّة، تؤمن بأنّ ما تربّى عليه هو الحقّ وأنّ ما عداه هو الباطل. في الوقت الذي تدعو فيه شريحة من العلمانيين بغلق كتاتيب القرآن في تونس، وتستبيح قنوات الانحلال المصريّة ببرامجها شبه الجنسيّة حرمات المنازل، تنشط القنوات الشّيعية في غسل عقول الأطفال بالقهر والظّلم وصور الدّماء حتّى تبقى راسخة في حقدها على المسلمين. وهذا ما يدعو للخوف على مستقبل هذه الأمّة. يبقى السؤال: هل تعلّم العرب والمسلمون الدّرس؟ هذا ما ستكشفه الأيام، وإن كانت ملامحه قد تبدّت في الأفق من خلال معارك الشّام والموصل، والزّحف الشّيعي من كلّ حدب وصوب، وهم يحملون الموت للمسلمين. بينما يحتفل المنبتّون في أرضنا بانتصارات هؤلاء طمعا في الأعطيات الإيرانيّة.