في الفنّ والموسيقى

بقلم
فراس الطرابلسي
إشعاع الأغنية المغربية الحديثة
 بدأت الأغنية المغربية الحديثة منذ سنوات قليلة تنحت طريق النجاح والإشعاع بخُطًى ثابتة في مجالها المغاربي والعربي الإسلامي عموما، وسط الكمّ المهول من الأنماط الغنائية العالمية وعدد لا يُحصى من الأغاني التي يتمّ تسجيلها وانتاجها في ظرف أيام وأسابيع قليلة. ولا يمكن أن نمرّ على هذا النجاح والإشعاع دون أن نخصّص صفحات من شأنها أن تبقى تأريخا ذا خصوصية لحقبة زمنية قصيرة قد تفرز تطوّرات أخرى.
في الحقيقة، لا يمكن للعمل الموسيقي أن يلقى نجاحا لدى القاعدة الكبيرة من الجماهير إلاّ إذا توفّرت فيه جملة من العناصر الموسيقية الطريفة (كلمة أو لحنا إو إيقاعا أو كلّها) التي تخرجه عن نمطيّة تجاربٍ سائدة تعوّدت عليها آذان الناس بفعل تأثيرات الوسائط الإعلامية المختلفة(تكرار البث/ نسبة المشاهدة وغيرها ممّا يساهم في تنميط الذوق العام وتشكيله وفق خط ثقافي-سياسي ذا أبعاد إجتماعية خطيرة).
 ويمكن للمستمع المختص في المجال الموسيقي أن يلحظ بدون عناء ما في الأغنية المغربية الحديثة من عناصر تراثية لعبت دورا هامّا في كسر الخطّ النمطي السّائد في الأغاني الشرقية في مصر ولبنان ممّا ساهم في توسّع تأثّر الناس بها.
ولكن كيف لعناصر موسيقية تراثية مغاربية لا يهتمّ بها الشاب العربي عموما(وليس جزما) في أطرها التقليدية الأصلية أن تستقطبه وتزحزح موقفه من التراث  نحو العناية والشغف ومحاولة تقليدها والإبداع فيها؟ أليس في ذلك ذكاء من أصحاب التجربة المغربية في الأغنية الحديثة؟ 
لنا أن نستحضر في هذا الإطار تجربتان ذكيّتان: الأولى للفنان المغربي الشاب «سعد المجرّد»، والثانية للموزّع الموسيقي المغربي «مراد الكزنّاي». إذ سنحاول استقراء بعض الأعمال الغنائية لهذين الفنّانين حتى نقف عند أسرار الإبداع والإشعاع إنطلاقا من الأرضية التراثية المغاربية عموما والمغربية المحلية بصفة خاصّة.
(1) تجربة الفنّان «سعد المجرّد»
راهن الفنّان «سعد المجرّد» والفريق الموسيقي الذي صاحبه في أغلب ألبوماته الناجحة المتتالية منذ سنة 2013 (على الأقل)، على اللهجة المغربية كرافد أساسيّ لرصيده الغنائي، فلقد عاش مدّة زمنية لا بأس بها في الولايات المتّحدة الأمريكية، ووجد هناك الدّعم المادّي الذي نحت بفضله مسيرته وكسب من بعده قاعدة جماهيرية أمريكية وعربية واسعة إنطلاقا من المنظومة الموسيقية المغاربية (2) 
 لم يجنح «سعد المجرّد» بتجربته إلى ممارسات موسيقية «هجينة»(3) مثل تلك التي اشتهرت في تونس ومصر ولبنان ونقصد هنا نمط «الرّاب»Rap، بل رَاهَنَ على العناصر الموسيقية المغربية المحلّيّة وأضاف إليها نزعة تحديثية في مستوى تقنيات التسجيل(إيقاعا ولحنا)، حتى تكون أغانيه قريبة من الأنماط الموسيقية الشبابية المتأثّرة أساسا بالتيّارات الموسيقية الوافدة(اللاونج-الهيب هوب-الدانس-الفانك-الراّب-اللاتينو...).
 ومن بين الأعمال التي لقيت نجاحا ملفتا لدى «سعد المجرّد» سنتحدّث عن أثرين غنائيّين إثنين وجدنا في نصوصهما الشعرية روافد مغاربية: 
1-1 مثال أغنية «لمّن نشكي»
لقد عثرنا في المُدوّنة الشعريّة المغاربية على نصّ شعري بنفس العنوان ولكن بمضمون إصطلاحي مختلف متأقلم مع طبيعة القول الشعري في القرن 12هـ/18م، إذ أنّ النّص الشعري الأوّل هو لصاحبه «ابن مسايب»(5) شاعر تلمسان(ولد في القرن الثامن عشر الميلادي وأصيل أسرة أندلسية)، أمّا الثاني فهو شعر غنائي حديث. والجدير بالملاحظة أن الشاعر الغنائي الذي كتب أغنية «سعد المجرّد» هو من الذكاء بما جعله ينهل من التراث الشعري المغاربي ويحاول أن يتأقلم مع طبيعة الإيقاع الشعري للأغاني الحديثة التي لا تتحمّل التزاما كلّيّا بقواعد الشعر الملحون (الوزن /القوافي...)، وهو ما خلق دينماكية تاريخية بين نصّ «ابن مسايب» الشاعر الجزائري التلمساني وبين نصّ الأغنية في شكل خيوط دقيقة تربط بينهما في المعاني(شكوى الحبيب) يمكن ملاحظتها في ما يلي(6):
 1-2 مثال أغنية مال حبيبي مالُه:
من الأغاني الأخرى التي لقيت نجاحا باهرا في رصيد أغاني سعد المجرّد، أغنية «مال حبيبي مالُه»(7)، وهي كذلك عنوان لنصّ شعريّ آخر للشاعر الجزائري «ابن مسايب» وهو تقريبا يسير على نفس الإيقاع الشعري للأغنية التي كُتِبت لـ«سعد المجرّد» وتحافظ كذلك على نفس المضامين الشعرية(معاني الهجر وتغيّر الحبيب). هذا العنوان نجده مُغنّى كذلك في التراث التقليدي «القسنطيني» الجزائري بصوت شيخ «المالوف» الفنّان «عبّاس ريغي»(8). وفي ما يلي ملاحظات أوّليّة حول النصّين الشعريين:
(2) تجربة الموزّع الموسيقي 
والملحّن «مراد الكزنّاي»
يعتبر هذا الموزّع الموسيقي من القلائل الذين يعوّلون بصفة رئيسية على العناصر الموسيقية التراثية في صياغة الثوب النهائي للأعمال الغنائية الحديثة التي يعتني بتوزيعها ، فنجده لا يتوانى عن توظيف الإيقاعات المغربية وجعلها نواة رئيسية لكل أعماله الخاصّة أو التي يضعها لفنّانين آخرين من المغرب أو خارجه.
 ولقد استغلّ في ذلك تطوّر التقنيات الحديثة في استخراج الطّبائع الصّوتية للآلات الموسيقية اللحنية والإيقاعية من قبيل العود والجمبري والكمنجة والساكسفون ومختلف أنواع الطبول التقليدية والحديثة، كما استغلّ قدراته الفائقة على تقليد النظم اللحنية والتقنيّة لمختلف تلك الآلات تجعل المتقبّل يظنّ أنّ العزف قد وضع بطريقة «المباشر» في الأستوديو. والحال أنّ العمل الفني يكون في الغالب قد وضع عن طريق «السنتيتزور».
من جهة أخرى، خاض الموزّع الموسيقي مراد الكزنّاي تجارب هامّة مع فنّانين معروفين أحبّوا كثيرا النغمة والكلمات المغربية في ثوبهما الإبداعي بأنامله وأفكاره الموسيقية المتفرّدة إيقاعا ولحنا بما لا نجده في المنظومة المقامية والرؤى التوزيعية لما يُروّج في المشرق العربي.
 ونورد في الجدول التالي مجموعة الأعمال الغنائية المغربية (لحنا وكلمة وتوزيعا) التي قدّمها «مراد الكزنّاي» لمجموعة من أشهر الفنانين العرب في المشرق والمغرب خلال السنتين الأخيرتين. وهي أعمال تضع في اعتبارها قيمة التّراث المحلّي والمغاربي وتراهن على قدرته على الإنتشار والمنافسة:
 
 الهوامش والإحالات:
(1) http://www.sayidaty.net/node/297666
/فن-ومشاهير/أخبار-المشاهير/بالفيديو-هل-سرق-سعد-المجرّد-أغنية-لمعلم-من-فنان-آخر؟#slide-4-field_binary-297666
(2)   أنظر الرابط التالي:
 https://www.youtube.com/watch?v=bkjndpktw3g&index=2&list=RDvK-7LTYjYTQ
(3)  ونقصد بذلك الممارسات الموسيقية التي لا أصل لها في الموسيقى العربية ويقع إدخالها في مجال الممارسات الموسيقية بإدخال نصّ شعري عربي أو مختلط بين اللهجة المحليّة واللغات اللاتينية الأخرى مع الحفاظ على المنظومة الموسيقية الغربية إيقاعا ولحنا، فلا تكون تكون بذلك إنتاجا موسيقيّا أصيلا بل مجرّد تركيبات غير متجانسة تجعل من العمل الغنائي عملا «هجينا» لا هويّة له.
(4)  http://www.sayidaty.net/node/297666/
فن-ومشاهير/أخبار-المشاهير/بالفيديو-هل-سرق-سعد-المجرّد-أغنية-لمعلم-من-فنان-آخر؟#slide-4-field_binary-297666
(5)   أنظر: ابن مسايب، الديوان، تحقيق محمّد بن الحاج الغوثي بخوشة، نشر ابن خلدون، تلمسان، الجزائر، ص.55.
(6)  للإستماع للأغنية يمكن اتباع الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=R_1U6I75SaU
(7)  للإستماع للأغنية يكفي نسخ الرابط التالي على صفحات الأنترنيت:
https://www.youtube.com/watch?v=wEk9XMOBFAU
(8)  يمكن الإستماع إلى المثال الغنائي في التراث القسنطيني الجزائري بصوت الفنّان عبّاس ريغي، عبر الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=HIS_Qisg8Fw
(9)  صورة مأخوذة من الموقع التالي:
http://dzmusik.blogspot.com/2012/08/abbas-righi-chanteur-de-malouf.html
(10)  صورة للموزّع الشاب مراد الكزنّاي مأخوذة من الموقع التالي:
https://plus.google.com
/105853549572647295931
(11)   صورة نقلناها عن الموقع التالي:
http://raseef22.com/culture/2015/11/02/the-different-moroccan-music-styles/ 
(12)   صورة نقلناها عن الموقع التالي:
http://raseef22.com/culture/2015/11/02/the-different-moroccan-music-styles/