مقالات أدبية

بقلم
د.ناجي حجلاوي
المشهد السّردي بتونس
 يمثّل السّرد النّمط الأبرز في السّرديات التونسيّة  لما يتوفّر عليه من قدرة على التّوثيق والتعبير والتّصوير من أجل التأثير إلى جانب النّمط الشّعريّ، وإذ لا مفاضلة بين الأجناس الأدبيّة، فإنّ السّرد بما أوتي من قدرة على تمثّل القيم الإنسانية ونسج وجوه الحياة من خلال الحبكة القصصيّة إن في القصّة القصيرة أو القصّة أو الرّواية. 
ولا يكتفي السّرد بتمثّل القيم فقط، بل يُساهم في إنتاجها جمالا ومعرفة من أجل التّأثير في المتلقّي وإبراز التّحوّلات البادية في القيم عبر الكتابة عن صيرورة حياة النّاس وأفكارهم وجمالهم ومقدّسهم وغير ذلك من رؤى مستقبليّة أو ماضاوية وردت في شكل تذكّر وكلّ ذلك في جدليّة الوطنيّة والعالميّة الإنسانيّة.  كلّ ذلك من خلال تعدّد الأصوات ونقد السّائد وإثراء الحواريّة.
 إنّ السّرد يحمل الشّخوص ومن ورائهم القّراء على العيش في سجلّ الحكي الخصب، ويدعوهم إلى ضبط عناصر الحياة والاحتفال بفنّيات السّرد، ومن ذلك فنّيات الحياة إن في مستواها العجائبيّ وإن في جانبها الواقعيّ المعيش. 
إنّ آفاق الانتظار لدى القرّاء تتلوّن من قارئ إلى آخر بحسب المدوّنة وعناصر الثّقافة وأنواع الآثار الأدبيّة ولاسيّما إذا كانت خالدة. إنّ النّصوص السّرديّة قد تتعالى بشعريّة ساميّة فتقترب من الشّعر وبذلك تتمرّد على الأجناس، ممّا يتولّد عنه ما يسمّى بالنّصوص المصاحبة paratextualité . 
إنّ التّراث السّرديّ وأركان القصّ الموروث أحاديث ونوادر تجد سبيلها إلى تشكيل بعض الآثار السّرديّة التّونسيّة، من حيث منطق ترتيب الأحداث وترتيب الأزمنة أو التأثّر بالأساليب القرآنية، وأسلوب المقامات من أمثال ما كتبه محمود المسعديّ. وهذه الظّاهرة تعدّ عملا تأصيليّا. وقد يعمد الكاتب في الكتابة التّجريبيّة إلى التنكّر إلى كلّ ميثاق بينه وبين القرّاء، إذ يكتب على غير نمط سابق، كالخبر الذي هو وحدة سرديّة مستقلّة. وأغلب المواضيع إلى تناولتها الأقلام السّرديّة تدور على اختلاف الحبكة حول أنماط العيش وظروفه وسبر أغوار التّجارب الوجوديّة، فكلّ رواية قصّة حياة وتجربة تجعل الجزء عبر التّصنيف الشّكليّ يستحيل رواية وحكاية، وهي وجه من وجوه الواقع المتخيّل أو المعيش، فالأقصوصة والقصّة والرّواية اختلاف في الحيّز واختيار للموضوع، وفي الصّورة العامّة للعمل الأدبيّ وطريقة الإخراج والحبكة. ولا يبدو الميثاق بين الرّاوي والمتلقّي عندما يخفي البرنامج السّرديّ ولا يفشي صاحب العمل حبكته وأسراره الفنّية وبما يبوح باسم الجنس بطريقة مباشرة فتغيب القصديّة عن قصد. 
وعموما فإنّ دور الخبر في الأعمال الفنيّة يظلّ تابعا للواقع ينقله ويجريه ولا يوجده، وليست السّرديّة التونسيّة بدعا من السرّديات عامّة، إذا تأثّرت بمنازع السّرد الغربي من خلال التأثّر بالمطالعات والتّرجمات، فالجّنس جملة قواعد موجّهة لأفق الانتظار لدى القارئ. 
وإذ كانت السّرديّة تنهض  في عمومها إلى خبر وخطاب، فإنّ الخبر قضيّة مشتركة بينها كلّها ، أمّا الخطاب فإنّه ينطبع بطابع كلّ فرغ من فروع الأجناس. وقد تتّسع الأطر الجغرافيّة والتّاريخيّة، وتتعالق الوحدات السّرديّة، من أجل تعميق الاختلافات بين أثر وآخر، ممّا يحيل على ظاهرة التّناص. فالقارئ يطالع نصّا ويتذكّر آخر استدعاه النّص المطالع. وقد تشي العتبات عن دوال تنتمي إلى مدوّنات موجبة، إمّا تراثا أو حداثة مع إضافة شيء خاص بالذّات السّاردة. وقد تنزع الأخبار إلى التّبسيط والوضوح، لأنّها تحيل بلغة واضحة عن حياة معيشة، ولكنّ التّجارب التي يتضمّنها الخبر عميقة حارّة حرارة الحياة المعقّدة. وتظهر قدرة الرّوائي في تحويل الأجناس من بعضها إلى بعض، وتوظيف الأجناس المجاورة أو القضيّة بالجنس، الذي يكتب فيه. وكثيرا ما عمد ساردو القصص والرّوايات إلى تكسير الخطّية الزّمنيّة من أجل رفع الملل وبيان المصداقيّة الأدبيّة – لحدّث أبو هريرة قال- لمّا تجاوز زمن الأسطورة والذّكرى والتّوق إلى الحقيقة وزمن النّوم والحلم والأمل. 
إنّ النّظم الأجناسيّة تختزن ثروات من الدّلالات التي من شأنها مدّ جسور التّرابط بين المتلقّين والرّواة. وهي الثّمرة الشّهيّة في شجرة الإنسانيّة «فالأدب هو العبارة الشّاملة عن الإنسان في كلّية حياته الباطنة أي الباطنيّة والخياليّة والتّصويرية والشّعوريّة والعاطفيّة»(1). وعليه فإنّ السّرديّة التّونسيّة تتميّز بمنزعين: الأوّل النّهل من التّراث، والثّاني الاستفادة من الغرب قصّة أو أقصوصة أو رواية، أو مسرحا، والتّلوّن بألوان الانفتاح على الآخر. إلاّ أنّ هذين المنزعين يخلّفان غيبوبة عن اللّحظة الرّاهنة، ولأنّ محاولات التّوظيف لهذا أو ذاك تحاول أن تضيف حلقة جديدة لحلقات السّرديّة المنجزة. 
وإذ استحال الفصل بين الشّخصيّة الورقيّة وامتداداتها في الواقع، فإنّ السّمات المميّزة بين شخصيّة وأخرى يتمّ وفق شبكة العلاقات ضمن نظام تؤسّسه اللّغة وفق قواعد اللّعبة الفنّية. فالصّنعة الفنّية عبر اللّغة، هي التي تطبع النّظام القيمي في المجتمع. وما من شكّ في أنّ البحث عن القيمة في العوالم المنشودة هي الخيط النّاظم لأغلب أجزاء العوالم القصصيّة والرّوائيّة والمسرحيّة، كمواضيع علاقة الرّجل بالمرأة، وصراع الفقراء مع الأغنياء، أو الحبّ والخيانة، والجسد وقضاياه، والطّفولة والتّشرّد، والحرمان، والأرض والهويّة، وعبث الأيّام وقهر الظّروف. ومن ثمّ ينبع الحلم بإحداث التّوازن بين المنشود والموجود، ومثل ذلك ما عاشته شخصيّة العطراء في قصّة «الدقلة في عراجينها للبشير خريّف»  حيث مثّل مكّي العالم المنشود أمّا الحفناوي فقد مثّل العالم الموجود وبينهما تهشّم زجاج القلب على طيف رجل ثالث مثّل نقطة التّوازن النّفسي بين المنشود الغائب المتخيّل والموجود الحاضر الواقعي، وربّما جرت الشّخوص إلى التّعويض عبر البكاء أو التّقبيل أو التنهّد أو الارتماء في أحضان اللّذة. ذلك ما جسّده عامل القطار بالنّسبة إلى العطراء الكليمة. 
ولربّما عمد الرّاوي إلى التّميّز من خلال السينوغرافيا، إذ العالم بأسره صورة مشهديّة، وما يؤسّسه النّص من طريقة في تبليغ النّمط والجنس، فرسالة الغفران على سبيل المثال من جهة السينوغرافيا رسالة، ومن حيث المشهد الأجناسيّ محاكاة ساخرة، ومن حيث المشهد الجامع نمط سرديّ وصفيّ (2) . فالمشهد في الكتابة السرديّة محاولة لسلب السّلطة من هيمنة الضّوابط الأجناسيّة للإقناع بقبول النّص والمشهد يحاول من خلال ذلك الوشاية بالجنس أو استقطابه إزاءه بتفاضل الحركة السّرديّة بمدى تدخّل السّارد في الخطاب، وكلّما انسحب ترك الفضاء والمساحة في حريّة للقارئ يتدبّر فيها الأمر. ويظلّ الصّراع الدّاخليّ والخارجيّ هو المعيار الأساسيّ لبلورة الشّخصيّة الإشكاليّة النّامية. ومن وجوه هذا الصّراع بين القديم والحديث، والضّعيف والقويّ، والعاطل وصاحب الشّغل، صراع يشتدّ فيه عود الأدب بأدواته الخاصّة.
السّرد إذا انطلق من النّفس فهو يلتصق بالمحليّة، ولكنّه يعانق العالميّة، لأنّه يتمتّع بنصيب واسع من الصّدق الفنّي، وبملاصقة حقيقة المعيش، وكذلك تتجلّى العودة إلى التّراث نابضة بالحاضر والتّطلّع إلى المستقبل. علما بأنّ اللّغة كلّما صفت صفا الفكر واتّضح الاهتمام الرّئيس المراد تناوله، فالنّص النّاجح هو المثقل بالأزمنة والإبداع واقعا واتّجاهات وتعدّدت فيه الأصوات. وما من شكّ في أنّ كلّ راو يتمتّع ويتأثّر ويتذوّق أحاسيس وأهواء وعادات أدبيّة وفكريّة ورواسب لا شعوريّة وظروف اجتماعيّة ورغبات إنسانيّة «ولي عقل به أفكّر وقلب به أحبّ وأكره وبذلك أقدر على الخيال»(3) . 
وإذا كان الرّاوي لا يمتلك الحقيقة، فهو يضع عمله الأدبيّ في ميزان القراءة. ويتدخّل النّاقد فيضيء ما بدا له  أن ينقد. وإذا حوى المشهد السّرديّ الغثّ والسّمين، فإنّ النّص الأثير الذي يفرض نفسه، هو الذي يكتبه صاحبه مضطرّا لا حلّ له سواه «فالأدب مشتقّ من النّفس إذا سُبرت ومن الضّمير إذا امتحن. فإذا كان هو حقّا للرّوح متعةً وللقلب غذاءً، وللعقل نورا»(4) . إنّه سرد تتعالق فيه الأبعاد الذّاتية والموضوعيّة. وإذا كانت هذه الورقة تروم الوقوف على المشهد السّرديّ في الأدب التّونسيّ، فإنّ ذلك يستوجب رصد آليات الكتابة السّرديّة بطريقة بنيويّة شكلانيّة، باعتبار أنّ العمل الفنّي هو عبارة عن جملة علاقات تمثّل نموذجا فكريّا منسجما. وهذه الأبعاد هي التي تُسمّى بالأدبيّة. فالنّص السّرديّ خاصّة قائم على مجموعة من التّعارضات بين علامات ورموز تتجاوز وتتباعد في علاقات منسجمة أحيانا ومتنافرة أحيانا أخرى، إذ القصّ حكايات وصيغ في القول، يتمّ على هذا الشّكل البنائيّ التي حصرها «فلادمير بروب» في إحدى  وثلاثين وظيفة توجد في كلّ حكاية، ومن ذلك التّبئير، فالرّواة يختلفون بحسب هذه العمليّة وهي عبارة عن تسليط الأضواء إمّا من الخارج، وإمّا من الدّاخل، وإمّا مع القارئ وفي كلّ مرّة تتحوّل مواقع الرّاوي من الأحداث والشّخوص».
 إنّ الرّواية الحديثة تجنح  إلى التّركيز على «الرّؤية مع» أي لا يقدّم الرّاوي معلومة أو وصفا إلاّ والشّخصيّة على دراية بها، احتراما لها وللقارئ. فمقامات السّرد هذه لا يخلو عمل سرديّ منها بالإضافة إلى التّركيب المنتظم للزّمن، الذي يتكسّر بالومضة الورائيّة أو الاستباق أو كذلك فكرة المدّة وهي الفترة، التي يستغرقها الحدث بطءا أوتسارعا، أو وقفا أواستمرارا، أو تواترا، أو صيغة، وفيها المسافة التي يتّخذها الرّاوي إزاء ما يروي، وكذلك الصّوت ويخصّ الملفوظات، التي يتوسّل بها السّارد للمسرود له.
 إنّ المشهد السّرديّ في الأدب التّونسي يحتاج إلى قراءة فاعلة نشيطة يؤوّل ويقيم علاقات غير سكونيّة، من أجل تحريك المياه الرّاكدة، تقول يمنى العيد « ليس العمل الأدبيّ مجرّد موقع ولا هو مجرّد قول لموقع، بل إنّ العمل الأدبيّ، إذ ينهض من موقع، فإنّه بنية عالم لا يمكنه أن ينمو إلاّ بصراع فيه دينامية وانفتاح على تعدّد الأصوات وتناقض المواقع»(5). فالمهمّ أنّ السّرديّة وإن حاولت التهرّب من الإيديولوجية، فإنّها لم تعد انعكاسا فجّا للواقع ومع ذلك يجد له أثرا.
 وإذا كانت الأفعال السّرديّة خبرا وخطابا فلا وجود للحكاية إلاّ في القول ولا وجود للقول بدون حكاية، وكلّ حكاية مشدودة بالرّغبة والتّواصل حبّا وكراهيّة اتّساعا ما وتواتر ومنهم تتواشج علاقات السّرد بين الفواعل والشّخوص الرّوائيّة في حركة دائبة. ولمّا كان القول السّرديّ هو المتحكّم في القصّ، فإنّ ذلك هو الذي يعلي من شأنه، فعبره تتمّ عمليّة الإخراج، حيث الحذف والإطناب والتّوسّع في الحوار، وحيث التّقاطع بين الأزمنة أزمنة التّكرار والتّفرّد، وأزمنة الحكاية والقصّ.
 وتظلّ التّجارب الذّاتية والذّكريات ورواسب الماضي، أهمّ المناجم الخصبة المؤيّدة للرّواة بالشّهادة على القدرة على الكتابة. ولمّا ينسحب السّارد ويترك المجال للشّخصيّة، فإنّ ذلك علامة حداثة وتحرّر من التّسلّط التي يمارسها الكاتب من وراء الرّاوي. 
وهكذا يتجلّى أنّ السّرد الرّوائي الذي لا يفصح عن كامل تقنياته الفنّية، يظلّ منقوصا. ولقد التصقت القصّة والرّواية بعد الاستقلال بالحركة الواقعيّة، فطرح موضوع القوت والعمل والشّغل وطلب الرّفاه. فانكبت عن قصد على الاهتمام بالتّفاصيل اليوميّة، واستمع إلى ما يقوله عبد الواحد براهم: «المطبخ بقدوره وملاعيقه وسكاكينه... بقصاعه الممروقة والنّاشفة»(6) والمشهد السّرديّ مساحة شاسعة بألوان وروائح ومواضيع لصيقة بالحداثة وبالعالميّة. 
وقد استندت الحركية السّرديّة إلى التّقليد والتّجديد والتّطلّع والتّفجير، حركة تنمو ببطء متعثّر أحيانا، في نطاق أجناس وأنماط وهي ليست بمعزل عن السّياسة العالميّة. وقد بدأت بحركات صحفيّة أدبيّة. وقد وفد جيل مخضرم مؤصّل منهم عمر بن سالم ورشاد الحمزاوي ومصطفى الفارسي وحسن نصر ومحمود بلعيد وعزّ الدّين المدني، وقد كتبوا في إطار الواقعي الاجتماعي النّقدي والذّهني والرّمزي. والإبداعية في حدّ ذاتها قراءة، فمن خلال الحديث عن فن القراءة داخل النّص يتمّ تقديم قراءة للنّص»(7). 
ولعلّ أبرز نمط في الكتابة قد هيمن على المشهد الإبداعي بتونس هو النّمط السّرديّ لقدرته على التّوثيق والتّصوير والتّغيير من أجل التّأثير ، فمجال السّرد أوسع من الشّعر وأوسع أفاقا منه. 
وضمن هذا المشهد يوجد أدب سنيّ  ذو وجه نضاليّ يريد الامتياز. وقد تتدخّل الخصائص الفنّية فيه، ومنه أدب نسائي، ولا وجه يفرّق في هذا السّرد بين قلم يمسك به الذّكر أو الأنثى إلاّ الاشتراك في مواضيع، ولربّما أضافت المرأة نكهة بخصوصيتها الأنثويّة في نظرتها للأشياء والعالم. 
وقد ألحّت قضيّة الهويّة والانتماء على الكثيرين من أصحاب السّرد من أمثال عزّ الدّين المدني. وتجدر الإشارة مرّة أخرى إلى أهميّة الخطاب في مجال التّلفّظ مقياس التّمييز بين الكتّاب والسّاردين، حيث يظهر الدّيكور اللّفظي والطّرافة القوليّة القابلة للمسرحة. 
وفي هذا المشهد السّرديّ أبعاد مسرحيّة، واستفادة من السّينما، وتوظيف للتّراث، واستفادة من المعاني الجارية في الحروف أو هو توظيف للحروف ذاتها استلهاما من الأبعاد النّفسيّة الكامنة في التّراث، سعيا إلى قراءة أخرى دنيويّة، وذلك بالتّناص مع حكايات «ألف ليلة وليلة»، والقصد من ذلك تغذيّة القصّة بوحدات سرديّة تمثّل آليات فنّية تشدّ القارئ من وراء أقنعة تشي بقضايا حيّة معيشة. فالأجناس الأدبيّة قد تتضافر داخل النّص الواحد لمعالجة قضايا الانسان الكبرى  كالحرب والفقر والاستبداد، أو انحدار القيمة الإنسانيّة.
وهكذا تنطوي المتعاليات النّصيّة على برامج عديدة ذات أبعاد كاشفة عن القيم وعن البُنى العميقة للنّص. ومثال هذه الأقنعة يأجوج ومأجوج وعلاقتها بالأسلحة النوويّة، وحرب بغداد، في رواية ابراهيم الدّرغوثي «القيامة... الآن». وقد عمد الرّاوي إلى امتزاج الغيب بالواقع زمن الخرافات والأساطير والجنون، بحثا عن شاشات تخييليّة خادمة للسّرد، فالقدرة السّرديّة تجعل المستحيل ممكنا وتخرج بالزّمان إلى اللاّزمان وبالمكان إلى اللاّمكان، وعموما فإنّ الكتابة بوح بالمكبوت عن طريق المكتوب. وهي عوالم تتداخل فيها الأزمنة قديما وحديثا. ويبقى الانزياح هو الأداة المهمّة في إثراء المعنى السّرديّ، فجبل «الألب» في الأساطير اليونانية يتحوّل إلى جبل الأعراف في عالم ابراهيم الدّرغوثي، حيث يتفجّر المكتوب على طرح الأسئلة الانطولوجيّة تجاه المسكوت عنه لدى حفيظة القاسمي مثلا. 
فالمشهد السّرديّ هو التّسريد الرّمزي للمعنى عبر انفجار الأجناس وتلاحمها.  
الهوامش
(1) محمود المسعدي، تأصيلا لكيان، ص 37
(2) انظر: 
Patrick, Charaudeau et Dominique, du Seuil,2002,p ,Maingueneau, Dictionnaire d’analyse du discours,paris,Ed,516  
(3) انظر، الشّملي، منجي، الفكر والأدب في ضوء التّنظير والنّقد، دار الغرب الإسلامي، بيروت، د-ت،  ص 12
(4) م، ن، ص 16
(5) يمنى العيد، الراوي، الموقع، الشّكل، الأبحاث العربية ط، 1، سنة 1986، ص 23
(6) بن سالم، عمر، مختارات قصصيّة لكتّاب تونسيين، الدّار العربيّة للكتاب، تونس، سنة 1190، ص 11
(7) عثمان، بن طالب، مختارات من القصّة التّونسيّة، ص 62
المراجع
* بن سالم، عمر، مختارات قصصيّة لكتّاب تونسيين، الدّار العربيّة للكتاب، تونس،    سنة 1190
* الشّملي، منجي، الفكر والأدب في ضوء التّنظير والنّقد، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1985. 
* بن طالب، عثمان، في السرديّة التونسيّة الحديثة، ، منشورات اتّحاد الكتّاب التّونسيين، سنة 2005
* العيد، يمنى  الراوي، الموقع، الشّكل، الأبحاث العربية ط، 1، سنة 1986
* مختارات تونسيّة في النّقد والفكر، منشورات اتّحاد الكتّاب التّونسيين، تونس 2004
*  عجينة بوراوي، موسوعة القصص العربية في تونس في القرن العشرين، منشورات اتّحاد الكتّاب التّونسيين، تونس 2016 (جزءان)
* طرشونة، محمود، نقد الرّواية النّسائيّة في تونس، مركز النّشر الجامعي، ط1، سنة 2003.