تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
إعصار
 تشدّ الأوضاع الجويّة اهتمامي وتستهويني شدّة عنف عواملها تنفخ البرد والحرارة، فتهبّ الرّياح العاتية تهيّج أمواج البحر وتثير رمال الصّحراء. كلّها تقلّبات عنيفة تحدث في فصول مميّزة، إن فاتت الحدّ تأتي على الأخضر واليابس فتتلف الممتلكات وتقطع الأرزاق. ومن حين لآخر تنفرد إحدى هذه الظواهر خارج الموسم، فيكون أثرها مباغتا وأكبر وضحاياها أكثر وكلّها فصلّية كانت أو منفردة ولا تزيد إلاّ من معاناة البشر.
سجلاّت العواصف طويلة، وإن كنت قد اعتنيت بالجويّة منها لانتسابي لأسرة الأرصاد، فللعواصف الأخرى أهلها واختصاصاتها وتصنّف إلى عواصف اقتصاديّة واجتماعيّة وأكثرها شيوعا واجتياحا السّياسية. وتتشابه كلّ هذه الأصناف في العنف المنفجر من بين الكتل المتصادمة والذي يعتبر التّصدي له مجازفة وتهّورا. كيف يمكن صدّ المدّ التّسونامي أو إيقاف  إعصار مداري وتفكيك نظمه التي تبدو عبثيّة من شدّة تماسكها وتعقيدها وفوضويّة طالما بقيت مبهمة؟ ومن يستطيع الوقوف أمام الغضب الشّعبي إن فات حدّه وفاض فملأ الشّوارع وصدح عاليا بإسقاط النّظام؟ أمّا العناصر المكوّنة للإعصار وإن اختلفت باختلاف أصناف الأعاصير فلا تختلف في قدرتها على تهييج التّيارات وإثارتها للقوى الكامنة. ولا تحيد الأعاصير الاجتماعيّة عن القاعدة، فعلى قدر شدّة التّيارات السّياسية ومدى قوّة دعائمها يكون الصّدام والعنف. 
اهتدى بعض العقلاء من دارسي المناخ إلى وضع خطط - لا لصدّ الأعاصير والكوارث الطبيعيّة لأنّه يبدو حسب الأخصائيّين من العبث – ولكن لمجابهة تأثيراتها بالإحاطة والاستعداد لها. فلا بدّ من رصد الظّواهر ودراسة مكوّناتها وظروف نشأتها وفهمها ثمّ توقّعها وتقدير خسائرها حتّى يتسنّى أخذ  التّدابير لتقليص الخسائر النّاجمة عن التّقلبات العنيفة. ولكنّ الوضع يختلف عندما يتعلّق الأمر بالأعاصير الاجتماعيّة حيث تتعقد المسائل بتعقيد التّيارات السّياسية والفكريّة والعقائديّة، كلّها لا تخضع لقانون، فيصبح من الصّعب التّنبؤ بنتائج التّصادم المباشر وما وراء الانسجام والتّوافق المغشوش. ولأنّه يُطلب عادة من هذه التّيارات المتصادمة بذاتها معالجة العنف والتّقليل منه ومن آثاره، يحصل التّداخل في الأدوار والاحتواء فتفقر السّاحة في هذه الحال وتتصحّر من العقلاء الذين يمكنهم أن ينأوا عن التّجاذب والتّأثيرات الإيديولوجيّة.
والسؤال اليوم، وهو نفسه القديم قدم الذّكاء الإنساني، من منّا الحكيم؟ وأين تكمن الحكمة؟
مازلت لم أفقد الأمل في المؤسّسات الدّستورية النابعة عن الإعصار الذي عصف بالبلاد والتي بيّنت أنّ هناك أثر لحكمة كامنة في المجتمع قادرة إلى درجة ما – على تقليص آثار هذا الإعصار. فهل ستنجح هذه الهيئات مؤشر هذه الحكمة، في إثبات استقلاليتها عن التّيارات المتصادمة؟