من القلب

بقلم
شمس الدين خذري
التغيير عند الاسلاميين
 كلّما تعمّقنا في فهم الحركات الإسلامية الاّ وكان هناك اختلاف في تقييم تجربتهم سواء في الحكم أو في المعارضة ويرجع ذلك الى اختلاف طريقة تعاملهم كأحزاب أو جماعات مع مجتمعهم، فكلّ حزب أو جماعة إسلامية لها رؤيتها الخاصّة في التّعامل مع بقية الأحزاب والطوائف في المجتمع ولكلّ فهمه في تغيير مجتمعه نحو الأفضل ونحو الحياة الإسلاميّة المنشودة.
ولئن يعتبر التّغيير نحو الأفضل عند المسلمين عموما قاعدة في الحياة تطبيقا للآية الكريمة: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ»(1) فهو عند الإسلاميين واجب وفرض غير أن الاختلاف يظهر جليّا عندما يطرح السؤال التالي : « من اين نبدأ في التغيير؟». تذهب العديد من الجماعات الإسلاميّة إلى أنّ التغيير لا يبدأ من النّفس فقط بل يكون من القمّة ومن رأس السّلطة وهي بذلك ترى أنّ إصلاح أحوال الأمّة لا يكون إلاّ بإصلاح ملوكها وولاّة أمورها وربّما اعتمدت لتبرير ذلك المقولة الشّهيرة:«الناس على دين ملوكهم» أو اعتمدت الأثر المعروف عن عثمان بن عفّان، ثالث الخلفاء الراشدين رضي الله عنه: «إن الله ليزع بالسّلطان ما لا يزع بالقرآن» كقاعدة أساسيّة تنطلق منها هذه الجماعات لبناء فكرها وبرامجها وأهدافها في تعاملها سواء مع السّلطة القائمة أو مع بقية أطراف المجتمع.
تعتمد بعض هذه الجماعات طريقة التغيير عبر رفع السّلاح في وجه الحاكم الذي يطلق عليه عادة مصطلح «الطاغوت» قصد الإطاحة به وتنفيذ حكم الله فيه ومن ثمّ إقامة الدولة الإسلاميّة على أساس الحاكميّة لله. هؤلاء لا يعتمدون الإحتجاج السّلمي بالمظاهرات والإضرابات بتعلّة أنّ الأنظمة لا تسمح بالعمل السلمي وأن ثقافة العمل السّلمي المعارض للنّظام غائبة تماما في عالمنا الإسلامي.
ويتعمّد بعض قيادات الجماعات والتيارات الإسلاميّة المتشدّدة تغييب الأسلوب السّلمي في الاحتجاج ويعملون على تجييش قواعدهم وأنصارهم لمواجهة السّلطة معتمدين في ذلك على تأويلات معيّنة للنّصوص القرآنيّة والأحاديث النبويّة الشريفة وفي كثير من الأحيان أقوال بعض العلماء أو القيادات السابقة لهذه الجماعات. ويتمّ استغلال ذلك التهافت والحماس الموجود لدى الأنصار للتصادم مع الأنظمة التي تستعمل عادة كلّ وسائل العنف لقمع معارضيها وهكذا تدخل البلاد في دوّامة من العنف لا تنتهي.
لكنّ المتمّعن في تاريخ الإسلام السّياسي يلاحظ أنّ بعض الحركات والأحزاب الإسلاميّة قد ارتأت اتّباع طريق السلميّة في فرض نفسها على السّاحة السّياسية وخبرت بالتّالي فلسفة المناورات السّياسيّة والعمل المشترك بعد أن عاشت معانات مطاردة الأنظمة الاستبدادية لها ولنا في حزب العدالة والتنمية المغربي وحزب حركة النّهضة التونسي مثالا لذلك.
نلاحظ في تاريخ الحركات الإسلامية انقساما في فكرة الوصول إلى السّلطة وطريقة تغيير الحكم بين السّلمية والتّدرج في النّضال والصّمود وما يسمّى بالمقاومة السّلمية وبين الثّورة ومحاربة النّظام بالصّدام مع تكفير للسّلطة ورفع السّلاح في وجهها ومواجهة إرهاب الدّولة بإرهاب من نوع آخر قد يكون أكثر فضاعة ودمويّة يقود البلاد إلى الدّمار والخراب وعدم الاستقرار، وقد تستغل هذه الحركات المتطرفة من طرف أجهزة مخابرات التّابعة للسّلطة قصد تبرير ما تمارسه تلك السلطة من عنف وإقصاء تجاه المعارضة أو المخابرات التابعة لدول أجنبيّة وعلى رأسها قوى الهيمنة الدوليّة لتجد مبررا للتدخّل باسم مقاومة الإرهاب والدفاع عن المدنيين وحقوق الانسان.
وما حصل في الجزائر في العشريّة السّوداء وما يحصل اليوم في سوريا والعراق واليمن خير دليل على ذلك.