قصص القرآن

بقلم
الهادي بريك
قصة إبني آدم والغراب
 غني عن التّذكير أنّ المقصد الأسنى من إيراد القرآن الكريم لزهاء أربعين قصّة ـ عدا الأمثال وهي بمثلها ـ بما احتل ثلثه بالتّمام والكمال تقريبا إنّما هو إستنباط العبرة المعاصرة من لدن القارئين الجدد لذلك الكتاب ولتلك القصّة. وغني عن التّذكير كذلك أنّ القصّة التي ترمز إلى التّاريخ إنّما يعاد عرضها في ذلك الكتاب العزيز بلسان عربيّ مبين كأنّما هي شريط سنمائي صوتا وصورة بما يسمّى اليوم في علم البصريّات بالأبعاد الثّلاثة لأجل الوعي بأنّ التاريخ شرط من شروط النّهضة المعاصرة لا إعادة نسج ولا تباكيا على أطلاله أو فرارا إليه كما يفعل أكثر المسلمين اليوم، بل إستلالا لعبرة العصر من التاريخ
خلاصة القصّة
لئن عني أكثر المسلمين اليوم بإسمي إبني آدم ـ «قابيل وهابيل» ـ فإنّه لا شيء يصحّ من ذلك ولو كان في ذلك أيّ عبرة لما تأخّر البيان الكريم عن ذكره، ولكنّه يضرب دوما عرض الحائط بالأسماء والهيئات والصّور والأشكال مكانا وزمانا ورسما لعلّ القارئ ينفذ إلى العبرة. 
ملخص القصّة هو أنّ ولدين من ولد آدم من صلبه الحقيقي المادّي وليس تجوزا قرّبا قربانا إلى الله سبحانه وهو عبارة عن شيء ـ لا نعلم على وجه الدّقة ما هو القربان ولا يعنينا ذلك ولو كان يعنينا في إستلال العبرة ما تأخّر القرآن عن ذكره ـ وكانت العلامة يومها لقبول القربان أن تأتي نار تلتهمه أو تأخذه، فإن ظلّ مكانه فهو غير مقبول. هي علامة مادّية ترجح صحّتها تناسبا مع الوعي العام للإنسان البدائي الذي ظلّ الوحي يعامله بالبرهان المادّي الملموس في حلقات كثيرة ولكن مع نزول الرّسالة الخاتمة على يد محمّد عليه السّلام وضع كلّ ذلك وحلّ محله البرهان العقلي ولذلك كانت معجزة الإسلام الوحيدة : القرآن الكريم بما حواه من مباني ومعاني. جاءت النّار بأمر ربّها سبحانه فأخذت قربان هذا وتركت قربان الآخر، فحزّ في نفس الولد الذي لم يقبل قربانه سيّما أنّه في حضرة أخيه وربّما لو كان وحيدا ما حزّ ذلك في نفسه أو ما دفعه ذلك إلى الثّأر والانتقام. إشتعلت نار الغيرة وزوابع الحسد في صدر الرّجل فهمّ بقتل أخيه وفعلا قتله بيده رغم أنّه أهدى إليه حكمة غالية عنوانها: «إنما يتقبل الله من المتقين». شعر من  بعد قتله بالنّدم الشّديد سيّما أنّ أخاه لم يكن عاجزا فيما يبدو من ظاهر النّص على مقاومته ولكن حلمه أبى عليه أن يتلوّث بما تلوّث به أخوه إذ قال له «لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ». 
هو أوّل إنسان يُقتل فوق الأرض وأوّل دم يُهراق فوقها، ولذا بعث سبحانه بغرابين إليه يعيدان إنتاج المعركة ذاتها التي دارت بين الشقيقين، فقتل أحد الغرابين أخاه وأوحى إليه ربّه سبحانه ـ كما أوحى وحيا غريزيّا إلى النّحلة ـ أن يحفر في الأرض قبرا يواري فيه جثّة أخيه أي الغراب المقتول. عندها تنبّه الولد القاتل إلى أنّ الجثّة يمكن أن توارى في التّراب ربّما حفظا لكرامة الإنسان حتّى بعد موته أو فرارا من فضيحة بين النّاس أو تكفيرا عن ذنب والله أعلم بأيّ تلك الدّوافع أو بغيرها عمد القاتل إلى تقليد الغراب، فوارى جثّة أخيه التّراب. ومع هذا الفصل تنهي القصّة مأربها ونحال إلى إستنباط الدّروس التي لم يتأخّر الوحي الكريم في التّركيز على أولها وأعظمها وذلك في قوله مباشرة بعدها : «مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»
دروس وعبر معاصرة من القصة
العبرة العظمى الأولى : 
الإنسان كائن مقدس
لا يحتاج  المرء إلى أيّ جهد ولا ذكاء حتّى يعلم ذلك إذ أبى السّياق القرآني الكريم إلاّ أن يفصح عن المقصد الأسنى من إيراد القصّة وهو قوله : «مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا». 
بعض السذّج يعترضون على ذلك بقولهم أنّ الخطاب موجّه إلى بني إسرائيل. أيّ جهالة هذه؟ ولنهب أنّه كذلك، أليس ورد ذلك في كتابك أنت؟ إنّما قصد من قوله : «مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ»... أنّ سنّة بني إسرائيل في بعضهم بعضها وفي أنبيائهم كذلك هي القتل ولذلك إستعاد منهم سبحانه الرّسالة والميثاق وأعطاهما لأمّة محمّد عليه السّلام. هل يعني ذلك أنّ قتل النّفس بغير حقّ في الإسلام شيء لا شيء عليه؟ بل إعتبر القرآن ـ وهذا يكاد يكون عاما في كلّ المواضع ـ أنّ الفساد هو قتل النّفس بغير حقّ إذ كلّما ذكر القتل أتبعه بالفساد تقريبا.
 أيّ شيء أعظم في هذا الدّين الذي يعتبر أنّ العدوان على إنسان واحد بغير حق هو عدوان على البشرية جمعاء قاطبة؟ أجل . الإنسان كائن مقدّس محرّم، فلا مستقبل لأمّة إلاّ بتقديس الحرمة الإنسانيّة لأنّ الله خالقها هو الذي قدّسها ورفعها وحرمها وإستأمنها. تلك علامة فارقة بيننا وبين الدّستور الأول الأعظم إذ هو يعتبر أنّ الإنسان مقدّس ولا قدّست أمّة لا يقدّس فيها الإنسان، ونحن نعتبر أنّ الإنسان كائن لا حرمة له بين قدمي الطّغاة والمستكبرين سواء بالجاه والسّلطان أو المال والثروة.
العبرة الثانية :
 الحسد داء ما له دواء
واضح جليّ أنّ الولد القاتل إنّما عمد إلى قتل أخيه بسبب الغيرة أو الحسد، إذ استكثر عليه أن تُقبل منه  قرابينه ولا يثاب هو بالشّيء نفسه. الأغلب أنّ الحسد هو الذي حمله على ذلك. خاصّة أنّ المحسود فيه شيء مقدّس أي الدّين والعلاقة مع الله سبحانه، ومعلوم أنّ البشريّة لم تخل يوما من ذكر للدّين وللفنّ معا. 
الحسد داء ما له دواء بل هو سرطان خبيث قال عنه محمد عليه السّلام : «إيّاكم والحسد فإنّه يأكل الحسنات كما تأكل النّار الحطب». بديل الحسد الذي يثور في فؤاد كلّ إنسان تقريبا عدا حيال ما يجد عند فلذات كبده هو الغبطة أو التّنافس النّزيه الشّريف، أي الذي سمّاه القرآن الكريم مسارعة ومسابقة إلى الخيرات. الحسد داء عضال إمّا أن يلجم بألجمة الصّبر والتّنافس والغبطة وإمّا فإنّه يقود صاحبه اليوم إلى ما إقتيد إليه الولد القاتل في هذه القصّة. ألا ترى اليوم أنّ النّاس يقتل بعضهم بعضا حقيقة لا مجازا بسبب الحسد. حتّى الغرب الذي ينهب الثّروات ويشنّ الحروب ويسلب النّفوس في العراق وفي سوريا وفي غيرهما إنّما يفعل ذلك حسدا بسبب موران الأرض العربيّة بالذّهبين الأسود والأحمر كما يقال أي البترول الذي لا بدّ منه للمحرّكات الأرضيّة والسّماوية والذّهب الحقيقي الذي هو معيار العملة. 
وفي بلادنا يقتل الشّقيق شقيقه حقيقة لا مجازا لأجل متر واحد من الأرض الموروثة. وكثير من الدّعاة اليوم والمنسوبون إلى الدّين والدّعوة والعلم والإفتاء يحسد بعضهم بعضها ويكيد بعضهم لبعض. الحسد سرطان خبيث لا يكاد يسلم منه مخلوق وهو سبب من أسباب العين التي ينكرها الملاحدة والذين في قلوبهم مرض وهو سبب من أسباب الإضطراب الإجتماعي الذي تعيشه بلداننا العربيّة والإسلاميّة . وكان يمكن للولد القاتل في هذه القصّة أن يتّقي ربّه لتُقبل قرابينه بدل أن يهجم على أخيه فيقتله.
العبرة الثالثة : 
المقتول ظلما يتخلص من سيئاته كلها
ذلك هو معنى قوله : «إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ». هذه قاعدة دينية في الثّواب والجزاء عنوانها أنّ من قتل مظلوما يتحمّل عنه قاتله كلّ سيئاته وذنوبه وآثامه عدا ما بينه وبين الله تعالى وخاصّة الشّرك بطبيعة الحال لأنّه لا يغفر لمقتول مشرك ولا كافر حتى لو خفّف عنه العذاب يوم القيامة. وحتّى لا نقع في اصطدام بين النّصوص والقيم الإسلاميّة وما بينه وبين النّاس كذلك. فمن قتل مظلوما يتحمّل عنه قاتله سيئاته عدا ما بينه وبين النّاس إذ لا تزر وازرة وزر أخرى. وما عدا ذلك من فواحش بينه وبين نفسه وبينه وبين ربّه عدا الشّرك الأكبر فإنّه يتخلّص منها، والأمر معقول ومفهوم لأنّه تعرّض إلى أذى الموت وعذاب القتل وهذا مؤلم له ولأهله ولذلك يثاب بتخلّصه من ديونه ـ عدا ما ذكر ـ ليتحمّلها قاتله جزاء نكالا له وفي هذا درس آخر إضافي تكميلي لعلّه يصرف النّاس عن قتل بعضهم بعضا، إذ أنّ القاتل يجب أن يعلم أنّه ربّما يهدي مقتوله خلاصا ولو جزئيّا في حين أنّه كان ينوي إلحاق الضّرر به وهذا وجه آخر من وجوه تكريم إبن آدم ولا يجمع الله سبحانه برحمته على عبده عذابين إلاّ أن يكون مشركا كافرا أو مرتدا.
العبرة الرابعة : 
للعبادة تأشيرة عبور إسمها التقوى
ذلك هو معنى قوله : «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ». الولد القاتل واضح أنّه مؤمن ولولا إيمانه لما تقرّب بقربان إلى ربّه ولكن يبدو أنّه كان لا يحمل من الإيمان إلاّ إسمه أو رسمه ولذلك كان رصيد التّقوى عنده ضعيفا جدّا لا يكفي لقبول قربانه. ليس هناك إسم أعمّ من التّقوى في القاموس الإسلامي إذ هي الشّعور القلبي الدّاخلي الذي يخالج المرء بينه وبين نفسه عندما يهمّ بالعبادة طاعة أو بالمعصية تمرّدا. 
التقوى هي جهاز المقاومة الدّاخلية الذّاتية التي تحفظ للإنسان ماء وجهه مع ربّه ومع نفسه ومع النّاس كذلك. النّاس يتفاوتون في التّقوى ربّما كما لا يتفاوتون في شيء آخر. هناك معيار أوسط للتّقوى عنوانه : «اقتراف الواجبات واجتناب الكبائر». العادة أنّ من واظب على ذلك كتب من المتّقين من بعد الإيمان طبعا. وكلّما تدرّج المرء في المستحبّات من بعد الواجبات وإنتهى عن السّيئات من بعد الكبائر علا إيمانه وإرتفع رصيد التّقوى فيه والعكس بالعكس أيضا صحيح. 
المهم أنّ التّقوى تحول دون عدم قبول العبادات وفواتها في حدّها الأدنى يقف صدّا دون قبولها. تلك هي حال ولد آدم القاتل. يبدو أنّه لم يكن ينتهي عن إقتراف الكبائر ولو كان غير ذلك لما إستهان بروح بشريّة بل هي روح أخيه في  أرض واسعة ربّما ليس فيها سواهما. هذا الرّجل سنّ في الإسلام سنّة قال فيها عليه السلام: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها حتّى يوم القيامة ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها حتى يوم القيامة». كما قال عليه السلام أنّ كلّ نفس تقتل في الأرض بغير حقّ يتحمّل إبن آدم الأوّل وزرا منها. الذين يخوضون اليوم في قتل النّاس ونهش أعراضهم والعدوان على حرماتهم والعبث بأموالهم مسنودين بالجاه أو السّلطان أو القوّة والغلبة مؤكّد أنّ أعمالهم لا تقبل منهم لأنّ الله يتقبّل من المتّقين وليس من التّقوى في كلّ الأحوال العدوان على الإنسان المقدّس المحرم. ولذلك حفل تاريخنا غير المفترى عليه بقول السّاخرين والسّاذجين أنّ السّفاح الحجّاج كان يحجّ كثيرا أو أنّه كان يغزو وغير ذلك ممّا يقال عن السّفاحين في كلّ زمان. هذا فقه بئيس وعلم تعيس ومعرفة ضيزى. الإسلام ليس لعبة في أيدي الظّالمين ولا هو تسلية. الله غفور رحيم دون ريب ولا شكّ ولكنّ العدوان على حرمات الإنسان بغير حقّ جدار يمنع الأعمال مهما صلحت من الصّعود إليه سبحانه.
العبرة الخامسة : 
الإنسان يتعلم من غراب أن يتكبّر
نقل القرآن الكريم إلينا أنّ الإنسان تعلّم من غراب كما تعلّم من هدهد في قصّة «سليمان» عليه السّلام مع بلقيس كما نقلت إلينا السّنة الصّحيحة ـ البخاري ـ أنّ الإنسان ( أبا هريرة نفسه ) تعلّم من الشّيطان أنّ أعظم آية في الكتاب هي آية الكرسي وأنّها سبب روحي ـ مع أسباب أخرى مادّية ـ لحفظ المال وغيره. جعل الله ذلك حتّى لا يتكبّر المرء فيبطر ويتبرّج ويعربد زاعما أنّه العليم القدير. ألم يعاتب سبحانه عبده «موسى» عليه السلام وهو كليمه عندما زعم أنّه أعلم من في الأرض ووجهه إلى «الخضر» ليتعلّم منه فذهب وتعلم؟ 
كلّنا مخلوقات له وحده سبحانه ونشترك مع المخلوقات في الغريزة. والإنسان لفرط كرامته عند ربّه سبحانه لا بدّ أن توارى سوأته في التّراب كما فعل الغراب بأخيه وكما اهتدى إلى ذلك إبن آدم القاتل فوارى سوأة أخيه. ألم يخبرنا سبحانه أنّ الطير في السّماء صافّات ( كلّ قد علم صلاته وتسبيحه)؟ أي أنّ الطّير الصّافات في السّماء تصلّي وتسبّح. ولكـــن ( لاتفقهون تسبيحهم ) كما قال سبحانه.
ملاحظتان ختاميتان
الملاحظة الأولى : 
تكاد تدور كل العبر مهما عظمت أو دقت حول عبرة عظمى مقصودة لذاتها في هذه القصّة وهي تقديس الإنسان من لدن ربّه سبحانه أن يستسهل العدوان عليه بغير حقّ فتفسد الأرض وتأسن الحياة. القاتل يأخذ سيئات مقتوله والمقتول يتخلّص من سيئاته وفي ذلك تكريم للإنسان المقتول وتعذيب للإنسان القاتل. التّقوى تأشيرة عبور إلى السّماء لتصعد الأعمال الصّالحة إلى ربّها سبحانه وفي ذلك درس بأنّ رعاية حرمات الإنسان ـ وهي أبرز علامات التّقوى بعد الإيمان ـ باب قبول أمّا دوس الإنسان فباب صدّ وتعذيب. في مواراة الغراب لجثّة أخيه تكريم للإنسان إذ نسج الولد القاتل هنا على منوال الغراب والإنسان مقدّس محرّم حيّا وميّتا.
الملاحظة الثانية : 
هناك عبرة يمكن أن يستلّها السّذج من هذه القصّة وهي ليست صحيحة وهي أنّه الأفضل أن يلتزم المظلوم عدم الدّفاع عن نفسه حتّى لو كان قادرا على ذلك، كما فعل إبن آدم المقتول. هذا غير صحيح لأنّه لو قلنا بذلك صدمنا هذا بآية أخرى أصرح وهي قوله سبحانه في سورة الشورى «وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ» وإمّا تسلّلت إلينا من المسيحيّة الأولى التي ترفع شعار «من لطمك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر». 
في الإسلام فريضة على كلّ إمرئ أن ينافح عن نفسه ويحفظ دينه ونفسه وماله وعرضه وعقله وأهله ووطنه والمقهورين قدر الإمكان وإلاّ عدّ مساهما في القتل لأنّ الإنسان في الإسلام لا يملك نفسه وروحه بل يملكهما الله سبحانه وهما ودائع عنده فلا حقّ له إلاّ في رعايتهما قدر الإمكان. صحيح أنّه عليه السّلام قال : «كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل». ولكن هذا يحمل ترغيبا على الحلم والصّبر والرّحمة واللّطف والبعد عن مواطن الظّلم قدر الإمكان. ولو كان هذا الحديث الصّحيح معمولا به لما قاتل هو نفسه عليه السّلام الذين اعتدوا عليه وعلى أمّته. ولما أشاد القرآن بالشهادة في سبيل الله سبحانه ولما أقرّ هو عليه السلام الشّهادة في المعركة من أصحابه. هذا فعل قام به ولد إبن آدم المقتول وهو مجزي به مثاب عليه وهو أدنى إلى شرائع ما قبل الإسلام. وقد يجوز هذا في حقّ النّفس ولكن لا يجوز في حقّ النّاس فلا يتأخّر القادر عن الدّفاع عن أهله  ووطنه والمقهورين بدعوى أنّه يريد أن يكون مقتولا لا قاتلا لأنّه له أن يتنازل عن حقّه هو في حالات استثنائيّة وليس له أن يتنازل عن حقّ النّاس بإسم الحلم والتقوى.
وعندما كتب بعض الدّعاة قبل عقود ما أسماه نظرّية إبن آدم الأول فهو يتوجّه بذلك إلى الحركات الإسلاميّة التي ارتطم بعضها في تلك الأيام بالعنف وليس يتوجّه بذلك إلى أن يستسلم الإنسان إلى كلّ قاتل يريد قتله عدوانا كيف وقد قال عليه السلام : «من مات دون ماله فهو شهيد»؟ 
كلام ذلك الداعية صحيح ولكن في محلّه إذ هو يدعو تلك الحركات إلى إلتزام الصّبر والحلم وعدم السّعي وراء الطّيش والحمق سيما في وجه الحكومات التي تملك السّلاح والقوّة والمال والدّعم ولا ترعى في ذمّة الإنسان شيئا.
وحتى عبر جديدة من قصة جديدة أستودعكم من لا تضيع ودائعه ودائعه