التدوينة

بقلم
محمد الصالح ضاوي
ملاحظات حول إستراتيجية مكافحة الفساد
 لا يختلف في تعريف موضوع الفساد وتوصيفه فقط، بل وفي مؤشّرات قياسه وفي مساحاته المختلفة(2) وبالتالي في مختلف الحلول المقترحة على ضوء ما تقدم من اختلافات.
لعل موضــوع الفساد هو السبب الأول والمباشر لقيام الثّورة التّونسية حيث تجلّى في مستويات سياسيّة واقتصادية واجتماعية ومعرفية وعمّ المجتمع بمختلف أطيافه، إلاّ أنّه بعد الثّورة تمّ التّعامل مع الفساد وفق بعض الحقائق:
(أ)
 لم يكن لموضوع الفساد رؤية وطنيّة لأي طرف سياسي، حيث كانت النّظرة الى هذا الملف تجزيئيّة وسياسويّة، وكلّنا عايشنا تلك الفترة التي حاول فيها الإعلام ومن ورائه السّياسيّون نسبة الفساد إلى المخلوع و«الطّرابلسية» فقط دون الولوج الى عمق الموضوع(3).
(ب)
كان الجميع غارقا في الفساد ويدعي محاربته والتشهير به، بل اتسعت رقعة الفساد وتعدّدت طرائقه وظهرت أنساق فساد جديدة يمكن تسميتها بفساد الثورة.... 
(ج)
كان لتقارير المنظّمات الأجنبيّة الأثر الكبير في وضع ملف الفساد على الطّاولة، لكن منذ 2012 ونحن نراوح بين الإستراتيجيّة وتنفيذ خطط التّنفيذ وإرساء محاور وترشيح قطاعات ذات أولويّة....
هنا، لا بد من الإشارة إلى أن الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد منذ 4 سنوات اتسمت بالخصوصيات التالية:
أولا: ظهرت الإستراتيجية ببعد عالمي أجنبي أكثر من ظهورها ببعد وطني حيث نلاحظ أنّه تمّ بعثرة كلّ القوى الوطنيّة وتمّ تجاهل الجهود الوطنية مثل جهود الأستاذ «شوقي الطبيب» في الهيئة، وبالمقابل يتمّ الاحتفاء بالتّأثير الأجنبي سواء الأممي أو المنظمات الحقوقيّة حتّى أنّنا ربطنا إمضاء الإستراتيجيّة باليوم العالمي لمكافحة الفساد «9 ديسمبر»....
ثانيا: التعاطي الإعلامي الضعيف مع ملف الفساد، والفئوي السّياسوي مع قضايا الفساد، يجعل من ملف الفساد موضوع مزايدة بين الفرقاء السّياسيين من جهة، وموضوع تقني بحت من جهة أخرى.... 
ثالثا: التعاطي الحكومي مع ملف الفساد في الأربع سنوات الماضية اتّسم بالتّذبذب والأيدي المرتعشة في فترات ماضية وبالاستغلال الإعلامي والتّسويق السّياسي للحكومة الحالية، وخير دليل على ذلك، انتهاج حكومة «الشّاهد» لخطّة تهدف كما يقولون إلى تحقيق نتائج سريعة وظاهرة للعموم، لذلك تمّ الاختيار على أساس قطاعي. وتمّ استهداف بعض العناصر الدّنيا في التّجارة الموازية وبعض تجّار الوساطة ممّا يفسّر رؤية الحكومة لملف الفساد ومكافحته...
ملاحظة (1): محاربة الفساد مرتبطة ببرامج الإصلاح التي يرجى إرساؤها في البلاد لتحقيق شروط تنمية حقيقية.
ملاحظة (2): عنوان الجدّية في محاربة الفساد هو تدعيم أجهزة الرّقابة التي لو اجتمعت بكلّ عنصرها لاحتاجت إلى 3 سنوات على الأقل لفحص القطاع البنكي فقط، ووضع برنامج لإصلاحه وتطهيره من الفساد.
ملاحظة (3): أخطر ما في موضوع الفساد هو الاتجاه نحو شرعنة الفساد وتغطيته بالقوانين والتّأويلات، مثال: السّاعات الإضافيّة في الوظيفة العموميّة ومختلف المنح والعلاوات في القطاع البنكي. 
ممّا تقدّم نلاحظ عدم جدّية الحكومات المتعاقبة على مكافحة الفساد، بل واستغلالها للملف لتحقيق نقاط قوّة في ميدان التّنافسية العالميّة عن طريق ذرّ الرّماد في العيون والإيهام ببرامج وخطط عمل غير واضحة ولا واقعيّة ولا جدّية.
من الضّروري أن نوضح أن الفساد في تونس لم يعد ظاهرة اجتماعيّة بل أصبح شريكا في كلّ مناحي الحياة حتّى أنّه أصبح القاعدة في حين أصبحت النّزاهة استثناء: في علاقاتنا الأسرية وفي ميادين العمل وفي الإعلام والسّياسة والاقتصاد والتّربية والتّعليم والبيئة....
اليوم ...
- يجب أن تتحول مكافحة الفساد الى محاربة للفساد
- لا بد من إرساء نظام تربوي يحارب الفساد
- لا بد من تحويل الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد الى إيديولوجية يتّفق حولها كل ّالفرقاء.
- لا بدّ أن نرسي ثقافة محاربة الفساد في جميع مناحي الحياة، وخاصة الحياة الثقافية والمعرفية الرّديئة التي يعشّش فيها الفساد.... الفساد النخبوي والفساد الأكاديمي والفساد الثقافي والمعرفي، وهذا يتطلّب الخروج من الجانب التّقني والإجرائي لخطّة وإستراتيجيّة محاربة الفساد إلى إشراك جميع القوى والفعاليّات وفئات المجتمع من الطفولة إلى الشّباب، إلى الكهول وإلى الشيوخ لبناء مجتمع جديد يتميّز بالنّزاهة والقيم الأخلاقيّة النّبيلة.
الهوامش
(1) مداخلة في ندوة: «الفساد في تونس .. الحل..» تنظيم الجمعية التونسية لمكافحة الفساد بدار الشباب المرسى يوم السبت 03 ديسمبر 2016 .
(2) نادى الدكتور «محمد الحاج سالم» في هذه الندوة إلى إرساء علم اجتماع مقاومة الفساد وطالب بالقيام بدراسات علمية واحصائيات تمس الطبقات العليا من المجتمع.
(3) انشاء الجمعية التونسية لمكافحة الفساد استثناء في تلك الفترة، 3 أسابيع بعد الثورة.