شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
سوار الذهب ... شخصية من ذهب
 قليل هم الرّجال من أمثال ضيفنا، يعتلي كرسيّ الحكم عبر انقلاب عسكريّ أو عبر أية طريقة أخرى ثمّ يتنازل عليه ليسلّمه إلى حكومة منتخبة بعد عام واحد كما وعد. لا أحد يشبه «سوار الذهب» فهو الوحيد الذي ترك الحكم طواعية في كل دول العالم الثالث. ففي بادرة لم يعهدها التاريخ العربي، سلم المشير «سوار الذهب» مقاليد السلطة للحكومة الجديدة المنتخبة واعتزل العمل السّياسي ليتفرّغ لأعمال الدّعوة الإسلامية. يومها قال الكل عن سوار الذهب انه شخص غير طبيعي.. فكيف يترك إنسان سلطة وقعت في يديه؟ كيف يضرب بقدميه كرسي الحكم ويعود إلى صفوف الشعب؟
الغريب في الأمر أنّ هذا العسكري، لم ينتقم من الدكتاتور النميري وكان قادرا على فعل ذلك ولم يعتل المنابر ليذمّ الرئيس المعزول كما يفعل كلّ منقلب على المنقلب عليه، بل أنّه لم يخجل ذات يوم عند وفاة «النميري» من حضور مراسم دفنه والادلاء بشهادة طيّبة في حقّه، تثبت أنه فعلا من طينة نادرة في عالمنا العربي الاسلامي وأنّه إنسان على خلق كبير.
ولد «عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب» بحي «ود نوباوي» في مدينة «أم درمان» في عام 1935م (1353 هـ)، وفي مدينة الأبيض، تلقى تعليمه الإبتدائي والأوسط والثانوي، ليلتحق بعد ذلك بالكلية الحربية في الخرطوم. وقد تخرَّج ضابطاً في القوات المسلحة السودانية في أوت 1955م (1374 هـ)، ومن هنا بدأت الانطلاقه في العمل العسكري، وقد شارك في مسيرته في عدّة دورات دراسية عسكرية  في بريطانيا وفي الولايات المتحدة الأمريكية وفي الأردن، حيث حصل على ماجستير العلوم العسكرية من جامعة «مسلم العسكرية» وكذلك زمالة كلية الحرب العليا من أكاديمية «ناصر» العسكرية العليا بالقاهرة.. تدرج في الرتب العسكرية إلى أن وصل رتبة الفريق وتقلّد عدداً من المناصب فى القوّات المسلّحة وعمل رئيساً لهيئة الأركان إبّان حكم «مايو». وفي العام 1972 تم إبعاده من الخدمة فانتقل إلى دولة قطر كمستشار عسكري لأميرها، ثم عاد بعدها إلى السودان ليتمّ تعيينه وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للقوات المسلحة من طرف جعفر النميري.. 
اصبح الوضع في السودان أمنيّا وسياسيّا متردّيا بعد سنوات من الحكم العسكري لجعفر النميري حتّى بلغ مستوى خطيرا أدّى إلى غليان شعبي وانتفاضة عارمة ممّا دفع قادة الجيش وعلى ٍاسهم سوار الذهب إلى أخذ قرار بالإجماع أن تستجيب إلى رغبة الشعب بالإستيلاء على السلطة ونقلها إليه عبر فترة انتقالية محددة. وقد حدث ذلك في السادس من أفريل 1985م، وسرعان ما تنازل سوار الذهب عن الحكم وأعلن تشكيل حكومة انتقالية برئاسة دكتور الجزولي دفع الله رئيساً للوزراء. 
انسحب سوار الذهب من الحكم لكنّه لم ينسحب من ساحة النضال والدعوة. شارك الرجل في الكثير من الهيئات الإسلامية العربية،حيث عمل رئيساً للمجلس الإسلامي بالقاهرة ونائباً لرئيس الهيئة الإسلامية العالمية في الكويت، ونائباً لرئيس إئتلاف الخير في لبنان، ونائباً لرئيس أمناء مؤسسة القدس الدولية، وعضواً مؤسساً في العديد من المنظمات والجمعيات الخيرية والاجتماعية الإسلامية والعالمية.
وشارك سوار الذهب بفكره وخبرته في كثير من المؤتمرات المحلية والإقليمية والعالميـة المهتمَّة بالعمل التطوعي والدعوة الإسلامية، وقدم خمسة عشر بحثاً في القضايا الدولية ومشكلات العالم الإسلامي، وكان له دور كبير في دعم التعليم والعمل الصحي والاجتماعي في بلاده ويعتبر واحداً من المؤسسين لجامعة أم درمان الأهلية.
ويعد سوار الذهب من الشخصيات الإسلامية المعروفة بالعالم العربي والإسلامي، ويحظى باحترام الجميع داخل وخارج السودان، وتم اختياره أميناً عاماً لمنظمة الدعوة الإسلامية حقق من خلالها إنجازات كبيرة، فقد عملت المنظمة على تشييد الكثير من المدارس والمستشفيات والمستوصفات ومراكز الطفولة وملاجئ الأيتام والمساجد، كما أنشأت محطات للمياه وحفرت مئات الآبار في أفريقيا.
لسوار الذهب موقف من الوحدة مع مصر ونظام عبد الناصر وإن كان يشترك معه في الصفة العسكرية. إذ يرى أنه من المفترض أن يكون السودان عمقا حقيقيّا لمصر لهذا كان حريصا مع ثلّة من القادة العسكريين في السودان على الوحدة مع مصر خاصّة مع نجاح الانقلاب العسكري في مصر واعتلاء نجيب كرسي الحكم، لكن حقيقة حكومة عبدالناصر وذهاب نجيب شكّل حسب سوار الذّهب 60 %  من الأسباب التي أدت إلي تحول الشعب السوداني عن الوحدة مع مصر ولو استمرّ محمد نجيب في الحكم  لتحققت الوحدة بين البلدين.
يراهن سوار الذهب على الشباب وما فتأ ينصح الحكومات التي تتولى الحكم بالاهتمام بالشباب لأنه هو مستقبل الأمة العربية، ويرى أن على الشباب واجب التسلح بالعلم حتّى يستطيع مقاومة أعداء هذه الأمّة الذين يخططون لها تخطيطا استراتيجيّا ماكراً..
عبدالرحمن سوار الذهب.. اسم كتب بحروف من نور في تاريخ الأمة العربية.. اسم نحتاج إلى أن نتذكره دائما خاصة في هذه الأيام التي يتهاوي فيها الطغاة.. ويسقط فيها الحكام العرب الواحد تلو الآخر يوما بعد يوم.. هؤلاء الحكام الذين استباحوا بلادهم وأمسكوا بتلابيبها واردوا ان يورثوها لابنائهم حتّى ولو كان ذلك لا يتمّ إلاّ عبر إراقة دماء الجزء الأكبر من الشعب وتدمير البلاد على رؤوس سكّانها.