في العمق

بقلم
محمد ابراهمي
الشباب ومنهج الوسطية والاعتدال
 تقديم
الحديث عن الشّباب والوسطيّة حديث عن فئة، وقضيّة، وعلاقة بينهما، يتطلّب كلّ شقّ في هذا المركب كتابات ودراسات متنوّعة من حيث المنهج والمقاربة، وقد أبدع العديد في إبراز معالم الفكر الوسطي في الإسلام، وأسّسه ومظاهره في العقيدة والعبادة والتّشريع والأخلاق... وتحدّث الكثير من الدّارسين عن الشّباب، ففصّلوا في مفهومه وماهيته ودلالاته، وفي التّحديات التي تواجهه وتعترض تشكّل قيمه ونموذجه الفكري والسّلوكي في الحياة، ولعلّ الموضوع المتناول بالكتابة موضوع جمع بين القضيتين في ظرفيّة ولحظة تاريخيّة تستدعي الحديث عن الموضوع، بمقاربة تجمع بين فئة الشّباب وقيمة الوسطيّة والاعتدال في الفكر والتّصور والممارسة، خاصّة أمام تواتر العديد من الفتن والأحداث التي تشوّش على الرّؤية، وتساهم في وقوع الانحراف في اتجاهيه، بشكل يجعل خطّ الاعتدال صعب المنال، ونهج الوسطيّة بعيدا عن الامتثال، ويأتي الحديث في الموضوع للمساهمة في ترسيخ هذا المفهوم والنّهج، خاصّة في فئة الشّباب، الأكثر عرضة للانحراف، لأسباب نفسيّة واجتماعيّة وثقافيّة، وللمرحلة العمريّة الحسّاسة التي تمرّ منها وتعيشها.
فإلى أيّ حدّ تعتبر الوسطيّة في الفكر والممارسة المنهج الأسلم في التّعامل مع قضايا الحياة؟ وفي مجالاتها المختلفة؟ وما هي أهم الأسباب المؤدّية للغلوّ والانحراف في كلاّ الاتجاهين في أوساط الشّباب؟ وما هي أهم المقاربات أو الإجابات الممكنة لنهج الوسطيّة والاعتدال من طرف الشّباب في إطار من المسؤوليّة، واستجابة للتّطلع الذي يراود هذه فئة ؟
(1) في دلالة الشباب وأهميته
الشّباب الفتاء والحداثة، يقال شبّ يشبّ شبابا، والاسم الشّبيبة وهو خلاف الشّيب، والشّباب جمع شاب، وكذلك الشّبان.
ويقال قِدح شاب : شديد، كما قالوا في ضدّه : قدح هرم، ويقال لقيت فلان في شباب النّهار، أي في أوّله، وجئتك في شباب النّهار، وبشباب نهار، أي أوّله (1)  فمعناه في اللّغة لا يخرج عن دلالات البداية والقوّة والفتوّة والشّدة، وكلّها معاني دالّة على قيمة هذه المرحلة من عمر الإنسان، ومكانتها وأهميتها.
فمرحلة الشّباب هي وسط العمر، ولهذه الفئة من الخصائص والمميزات ما جعلها تحظى باهتمام الرّسالات، والسّياسات، والهيئات، والجمعيّات، ومختلف المؤسّسات، فهي هدف ووسيلة وغاية التّنمية، وهي الدّم الحارّ الذي يجري في عروق الأمّة، وهي حاضرها ومستقبلها، وهي أخطر وأهّم مرحلة في عمر الإنسان، هي المرحلة التي سيسأل عنها المرء مرّتين بدلالة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمْرهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ» (2) 
فقد احتلّت المكانة المناسبة في خطاب الرّسل،  وأدّت المساهمة الهامّة في تاريخ الرّسالات، حيث انخرطت بكلّ قوّة في تلقّي الرّسالة وتمثّلها والدّفاع عنها، يؤكّد ذلك الآيات والأحاديث الكثيرة التي تشيد بهذه الفئة ومكانتها ودورها ومساهمتها في قبول رسالات الرّسل والعمل على نشرها والدّفاع عنها بالنّفس، منها قوله تعالى « نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى»(3)، وقوله تعالى «فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ»(4). وقوله صلّى الله عليه وسلّم» «استوصوا بالشّباب خيراً، فإنّهم أرقّ أفئدة، وألين قلوباً. إنّ الله تعالى بعثني بشيراً ونذيراً فحالفني الشّباب، وخالفني الشّيوخ» ويثبت ذلك أنّ أغلب الصّحابة الذين ناصروا النّبي صلّى الله عليه وسلم كانوا من الشّباب، يتقدّمهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وأسامة بن زيد، ومصعب بن عمير وغيرهم كثير ممّن ضحّى بشبابه وحياته في سبيل رسالة الإسلام.
إنّها مرحلة القوّة والعطاء، ومرحلة البذل بغير حساب، لذلك وصفها الله بالقوّة المحاطة بن ضعفين في قوله تعالى «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ» (5) .
وهو ما يجسّده الحضور القويّ لهذه الفئة في أحداث التّاريخ، وقضاياه الكبرى، حيث ساهمت في إطلاق شرارة التّحولات المجتمعيّة، وانخرطت في حمايتها والدّفاع عنها، فقد كان الشّباب وقود الإصلاحات والثّورات التي عرفها التّاريخ في العديد من مراحله وحقبه وبلدانه، ولعلّ آخر الأحداث تثبت وتؤكّد ذلك، فقد ساهم الشّباب في ثورات الرّبيع وقادها وكان العنوان البارز لها، والدّم الذي سقى ربيعها، بل وما زال يقدّم التضحيات لحماية ثورته وإرادته وحاضره ومستقبله.
(2)  في مفهوم الوسطيّة ومرتكزاتها:
2-1 مفهوم الوسطيّة:
الوسطيّة في اللّغة مصدر وسط، ووسط الشّيء في اللّغة هو مابين طرفيه، وفي هذا قال الرّاجز: إذا ركبت فاجعلاني وسطا، ومنه الحديث « خيار الأمور أوسطها، ومنه قوله تعالى « ومن النّاس من يعبد الله على حرف» أي على شك فهو على طرف منه غير متوسّط فيه ولا متمكن(6) فهي صفة بين طرفين ذميمين فيهما إفراط وتفريط، كالتواضع بين الكبر والذّلة، والشّجاعة بين الجبن والتّهور، والكرم بين السّرف والبخل... 
والوسطيّة في دلالتها ومعانيها المستقاة من كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم هي العدل والاعتدال، فقد قيل في أوصاف النّبي أنّه أوسط قومه أي خيارهم، وقد جاء في لسان العرب أنّ وسط الشّيء وأوسطه أعدله، وشيء وَسَطٌ بين الجيد والرّديء، وفي التّنزيل العزيز«وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا»(7) قال الزجاج: فيه قولان: قال بعضهم وسطا عدلا، وقال بعضهم خيارا، واللّفظان مختلفان والمعنى واحد، لأنّ العدل خير والخير عدل(8) ويؤكّد هذا المعنى تفسير أوسطهم في قوله تعالى «قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ»(9) فمعناها كما جاء في التّفاسير أمثلهم وأعدلهم وأعقلهم(10) وأفضلهم وأقربهم إلى الخير(11) 
والوسطيّة هي الأمن والأمان من عواقب الفتن، قال الشاعر:
كانت في الوسط المحمي فاكتنفت
             به الحوادث حتّى أصبحت طرفا
فمعلوم أنّ أكثر الأماكن أمانا أوسطها، لذلك تجعل موضع قيادتها ومحلّ قصبتها لأنّ المكان الوسط لا يصل إليه العدو بسهولة.
وهي خاصيّة هذه الأمّة، وسبب تفضيلها، وشهادتها على النّاس قال الله تعالى « وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»(12). فالآية دالّة على خيريّة هذه الأمّة وعدلها، والثّناء عليها « لأنّ الله قد ادّخر لهم الفضل وجعلهم وسطا بما هيأ لهم من أسبابه في بيان الشّريعة بيانا جعل أذهان أتباعها سالمة من أن تروج عليهم الضّلالات التي راجت على الأمم. قال فخر الدين يجوز أن يكونوا وسطا بمعنى متوسّطون في الدّين بين المُفْرِط والمُفَرِط والغالي والمقصر، لأنّهم لم يغلوا كما غلت النّصارى فجعلوا المسيح ابن الله، ولم يقصروا كما قصرت اليهود فبدّلوا الكتب واستخفوا بالرّسل» (13) 
وهي مركز القوّة والوحدة والأمان، فالوسط هو مركز القوّة، فالإنسان لا يكون في أوج قوته إلّا في مرحلة شبابه، حيث الوسط بين ضعف الطفولة وضعف الشّيخوخة، وبين ضعف الفكر وقوّته، وقلّة الخبرة وتراكمها. وأشعة الشّمس لا تكون أقوى تأثيراً إلاّ في وسط النّهار، وسط السّماء، والوسطيّة تمثّل نقطة الوحدة ومركز التّلاقي بين مختلف الأطراف، ففي الوقت الذي قد تتعدّد الأطراف بشكل قد لا يتناهى، وتأخذ اتجاهات ومسارات قد لا تتلاقى،  يبقى الوسط المركز الذي قد يجتمع عنده الجميع.
2-2 في مرتكزات الوسطية:
للوسطية مرتكزات تنعكس في النّص والوجود، وهو ما يصطلح عليه بالكتاب المقروء والكتاب المبسوط، حيث يتكاملان معا في التّأكيد على أنّ منهج الاعتدال والتّوسط سنّة شرعيّة وكونيّة، وحالة فطريّــة، لا يمكن أن يكون المجتمع أو الفرد سويّان وهما في حالـــة نشوز عن تمثّلها والسّير على نهجها، لأنّها واقع كونــيّ وفطــريّ قبل أن تكون أحكاما وتوجيهات وقيما منصوصا عليها، وقبل أن تكون تعاليما مأمورا بها، فهي حقيقـــة طبيعيّــة في الوجود، وحالة نفسيّة يفطر عليها الإنسان قبل أن تتدخّــل أيادي التّربية والتّنشئـــة الفرديّة والأسريّة والاجتماعيّـــة لصقلهــا والبنـــاء عليهـــا، أو تعديلها والتّغيير فيهــا بما ينسجم مع حاجات الأفراد والأسر والمجتمع.
أ: النص:
يزخر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالعديد من الآيات والأحاديث الدّالة على نهج الوسطيّة والاعتدال في العلاقات والأحكام والممارسات، منها ما جاء في قوله تعالى « وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»(14). وقوله تعالى «قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ»(15)، وقوله تعالى «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ»(16)،  وقوله«فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ» (17)، وقوله «فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا»(18).
فالآيات كلّها دالّة على المعاني السّالفة الذّكر في دلالة الوسطيّة على الخيار والعدل، وعلى الاستقامة، فقوله تعالى في الآية الأولى دالّ على الخيريّة حسب أغلب التّفاسير، وكذا على الواقع الجغرافي حسب العديد من الدّراسات التي جعلت من المنطقة العربيّة ملتقى القارّات والعلاقات التّجارية والسّياسية، وكذا الوسط الحضاري حيث ملتقى الدّيانات والحضارات والثّقافات، كما تدلّ الآية الثّانية على العدل والخيريّة والأفضليّة، وعلى التّوسط البيني، والثّالثة على نفس المعنى  حيث جاء في تفسيرها وتحديدها أنّ المقصود بالصّلاة الوسطى وسطها محلا ومقدار، وأفضلها، حيث جاء في تفسيرها « معنى وسطن جمعا : كن وسط الجمع، يقال وسط القوم، إذا كان بينهم» (19)  
فهي وسط بين طرفين حسيين أو معنويين، حيث هي الاعتدال والطّريق المستقيم بين التّشدد والتّسيب، وبين الإفراط أو التّفريط، بين الدّنيا والآخرة، وبين الاحتياجات الفرديّة والاحتياجات الجماعيّة.
وقد جاء في أحاديث عدّة بيان لدلالة الوسطيّة في القرآن، وتفسير قولي وعملي لمعناها، ولحقيقتها، حيث ثبت التّوجيه والنّهي عن الغلوّ أو الجفاء، والتّفريط أو الإفراط، حيث جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله «إنّ هذا الدّين متين فأوغل فيه برفق»(20).وقوله « إيّاكم والغلوّ في الدّين فإنّه أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدّين»(21) وقوله صلى الله عليه وسلم «إنّ هذا الدّين يسر، ولن يشاد الدّين أحد إلا غلبه فسدّدوا و قاربوا و أبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدّلجة» (22) وقوله صلى الله عليه وسلم « يسّروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا»(23)
فالشّريعة كما قال الإمام الشّاطبي «جارية على التّكليف بمقتضاها على الطّريق الوسط الأعدل، والآخذ من الطّرفين بقسط لا ميل فيه، الدّاخل تحت كسب العبد من غير مشقّة عليه ولا انحلال، بل هو تكليف جار على موازنة تقتضي جميع المكلفين غاية الاعتدال كتكاليف الصّلاة والصّيام، والحجّ، والجهاد، والزّكاة... فإذا كان التّشريع لأجل انحراف المكلّف، أو وجود مظنّة انحرافه عن الوسط إلى أحد الطّرفين، كان التّشريع رادّا إلى الوسط الأعدل، لكن على وجه يميل فيه إلى الجانب الآخر ليحصل الاعتدال فيهن فعلّ الطبيب الرّفيق يحمل المريض على ما فيه صلاحه بحسب حاله وعادته، وقوّة مرضه وضعفه، حتّى إذا استقلت صحّته هيّأ له طريقا في التّدبير وسطا لائقا به في جميع أحواله» (24) 
فالتشريع حسب كلام الشاطبي يراعي الاعتدال في وضع الأحكام التي تراعي أحوال الإنسان المختلفة للأخذ به إلى الطّريق الوسط اللائق به، والدّاخل تحت كسب العبد من غير مشقّة به ولا انحلال، وإذا تبيّن في الأحكام ميل لجانب التّخفيف أو التّشديد فلواقع قائم أو متوقّع من المكلّف، وإلاّ فالتّوسط في التّشريع هو الأصل في أحكام الشّريعة وتعاليمها، وهو ما يثبته الإمام الشّاطبي في كلام موزون جميل في موافقاته، حيث يقول « فإذا نظرت في كليّة شرعيّة فتأمّلها تجدها حاملة على التّوسط، فإن رأيت ميلا إلى جهة طرف من الأطراف فذلك في مقابلة واقع أو متوقع في الطرف الآخر.
فطرف التشديد ــ وعامة ما يكون في التخويف والتّرهيب والزّجر ــ يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الانحلال في الدّين.
وطرف التّخفيف ــ وعامّة ما يكون في التّرجية والتّرغيب والتّرخيص ــ يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الحرج في التّشديد. فإن لم يكن هذا ولا ذاك رأيت التّوسط لائحا، ومسلك الاعتدال واضحا، وهو الأصل الذي يرجع إليه، والمعقل الذي يلجأ إليه.
وعلى هذا، إذا رأيت في النّقل من المعتبرين في الدّين من مال عن التّوسط فاعلم أنّ ذلك مراعاة منه لطرف واقع أو متوقّع في الجهة الأخرى، وعليه يجري النظر في الورع والزّهد، وأشباههما، وما قابلها» (25) 
لقد أثبت النّص القرآني والنّبوي أنّ التّوسط منهج في الطّاعات والعبادات كلّها، بل وفي المعاملات والعلاقات الإنسانيّة عامّة، فقد جعل أحكامه، وقيمه، وتعاليمه، قائمة على مراعاة مصالح الفرد والجماعة، بما يحقّق الانسجام والتّعاون والتّكامل والاستقرار، وحاجات الرّوح والجسد، بما يحقّق التّوازن والسّعادة والطمأنينة، ومتطلّبات الدّنيا والآخرة، بما يمكن من الإعمار والبناء الذي يضمن للإنسان تحقيق رسالته ووظيفته  في الشّهادة على النّاس.
ب: الكون:
كما تتجلّى مظاهر الوسطيّة في أحكام الإسلام وتوجيهاته، وفي طبيعته وقيمه، تتجلّى واضحة في مظاهر الوجود ومكوّناته، لأنّ الدّين بمصدريه منزّل من عند الله، والكون بموجوداته مخلوق من طرف الله، فكان من الطبيعي أن يعمّ منهج الله في التّشريع وفي الكون معا.
ومن مظاهر الوسطيّة في الكون، التّوازن، والتّناسق، والتّكامل القائم في مخلوقات الله تعالى، والذي تتّسم بها الحياة الطبيعيّة في مكوناتها المختلفة، في الأرض وفي السّماء، في البحار وفي الأنهار، في الإنسان وفي الحيوان، في السّهول والهضاب وفي الجبال، وفي العلاقة القائمة بين هذه المكونات كلّها، بل وفي كلّ كائن نفسه نظام بديع من التّوازن الضّابط لحركته ووجود وحياته كلّها، قال تعالى «وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ»(26). وقال عز وجل «أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا»(27) فالكلّ يحكمه نظام دقيق يهدف إلى تحقيق الاستقرار للإنسان للقيام بمهمّته في الوجود فليس هناك نهار دائم ولا ليل قائم، ولا حركة دءوبة غير متوقّفة، بل عمل وراحة، ونهار وليل، وذكر وأنثى، وبحر ويابسة، وثمرات متنوّعة، قال تعالى «وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»(28).
فهو«الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا»(29) وهو«الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا»(30) وهو الذي جعل لنا «الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا» (31). لقد أثبت العلماء أنّ كل شيء في عالم الظّواهر الفلكيّة والطّبيعية عامّة يقوم على التّوازن، على مستوى الجزء، ويؤيّد القرآن الكريم هذه الحقيقة فيقول تعالى «وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ» (32). وعلى المستوى الكلّي لقوله تعالى « الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ» (33)
فالتّوازن سنّة وحقيقة وحاجة في الوجود، وشرط للاستمراريّة في الحياة، ولولاه لما استقرت الحياة، ولفقدت الموجودات سبب وجودها.
فآيات الله دالّة على التّوازن في خلقه، ومعبرة على نظام التّناسق والتّكامل والاعتدال بين مكونات الوجود، تثبيتا لطبيعة ومكونات خلق الإنسان الذي خلقه الله من جسد وروح، وجعله ملتقى مكونات الحياة في الوجود، فهو«الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ» (34) .
ثالثا: طريق ترسيخ فكر الوسطيّة لدى الشّباب
يتطلّب بناء الفكر الوسطي، والسّلوك المعتدل في فئة الشّباب استحضار التّحديات السّابقة التي تواجههم، والعمل على الاستجابة لها بما يتناسب مع خصائص هذه الفئة النفسيّة، والثقافيّة، الفكريّة، ومع الظّروف المحيطة بها اجتماعيّا وسياسيّا وحضاريّا، وهو جهد تتداخل فيه الذّات مع المحيط، أي يتطلّب استجابات ذاتيّة، وجهود فرديّة، واحتضان وترشيد جماعي، ينخرط فيه مختلف الفاعلين في حقل الفعل المدني والسّياسي، وتحتلّ فيه الأسر والمؤسّسات التعليميّة والإعلاميّة موقع الصّدارة، لما لها من ارتباط قائم ودائم وعميق بفئة الشّباب، ولعلّ أول الخطوات المطلوبة:
- امتلاك الوعي وبناؤه لدى الشّباب وفي أوساطهم بأهمّية الفكر الوسطي ومركزيّته، فالوعي منطلق السّلامة الفكريّة والسّلوكية، خاصّة أمام كثرة وسائل تشويشه وتغييبه، بقصد أو بغير قصد، وأمام التّحديات الدّافعة إلى اختيار أسهل الطّرق بالتّشدّد أو الانسحاب والانحراف، وأمام الإغراءات النّفسية والمادّية، وفي كثير من الأحيان غيبيّة تتعلّق بالفوز بالجنّة والنجاة من النّار، أو بإغراءات مادّية تتعلّق بمفاتن الدّنيا وشهواتها، وملذّاتها ومكاسبها، وفي التّاريخ والسّيرة ومعطيات النّص والواقع ما يثبت مركزيّته في البناء القيمي والسّلوكي لدى الأفراد والمجتمعات، فرسالة الإسلام انطلقت من فكرة وامتدت جهود النّبي صلى الله عليه وسلم وصحبه مدّة ثلاثة عشر سنة في ترسيخها وبناء الوعي بها والإيمان بدلالاتها ومركزيتها، فأثمرت بعد رسوخها وثباتها، قيما ورجالا وحضارة امتدّ أثرها وعطاؤها ومازال إلى قيام السّاعة.
امتلاك الوعي بقيمة الوسطيّة كفكرة وخلق ونهج في الحياة، في التّصور والمواقف وبناء العلاقات، والإيمان بأنّ نهجها هو النّهج المستقيم، وأنّ العدل لا يستقيم بدونه، وأنّ الخير ينعدم بانعدامه، وأنّه الأمان والقوّة، خلافا لما يروّج أنّه الضّعف والاستكانة، والخيار السّهل في الأزمات، فهو الطّريق الصّعب لحاجة من يلتزم به للقراءة السّليمة، والتّفكير العميق، والصّبر الجميل، والقرار الصّعب، بينما التّفريط أو الإفراط، والغلوّ أو التّسيب... خيارات المندفع والمستسلم، والمتسرّع والعاجز، اللّذان لا يكلّفان نفسيهما عناء التّدقيق والتّفكير العميق في الوقائع والحقائق، وفي النّتائج والمآلات قبل الاتخاذ القرار، وإصدار المواقف، والتّنفيذ للتّصرفات.
ثم الإدراك أنّ في منهج الوسطيّة ضمان لحقّ النّفس، وحقوق الغير، فلا تبخيس أو إسراف يعودان على النّفس أو الآخر بالضّرر أو الإجحاف، أو بما لا يحقّ من مكاسب ومصالح مادّية أو معنوية، فللّنفس حقوق، وللجسد حقوق، وللذّات حقوق، وللآخر حقوق، لا تتحقّق إلاّ بالاعتدال القائم على العدل والقسط في التّوزيع.
وأنّ في اختيار نهج الوسط اختيار للمداومة على العمل، والاستمرار فيه، وللثّبات على المنهج، والبقاء على طريق الفعل والعطاء، لأنّ الدّين وقيمه وتعاليمه متينة، تتطلّب الإقبال عليها، والامتثال لتعاليمها، الرّفق والاعتدال في الأخذ والالتزام، وتحبيبها للنّفس والتّشويق بها، فإنّ المُنْبَتَّ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم « لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، فاعمل عمل امرئ تظنّ أن لن يموت أبدا، واحذر حذرا تخشى أن تموت غدا» (35). 
وكما أنّ امتلاك  الوعي جهد فردي، ومثابرة ذاتية، هو اجتهاد جماعي، ومسؤوليّة جمعيّة تتكلّف بها الهيئات والمؤسّسات الرّسمية والمدنيّة التي آلت على نفسها خدمة المجتمع، وصون مصالحه، والدّفاع عن مكتسباته واختياراته وهويته ومرجعيّته، فالدّولة بمؤسّساتها، والمجتمع بهيئاته يتحمّلون مسؤوليّة ترسيخ نهج الوسطيّة والاعتدال، والتّمكين له في الفكر والسّلوك، خاصّة لدى الشّباب، وهو أمر يتطلّب حسم في القيم المرجعيّة، والتي لا تخرج عن دائرة الهويّة الحضاريّة لأيّ أمّة، والتّمكين لها ثقافيّا وإعلاميّا وتعليميّا، وتوجيه إمكانات الدّولة ومؤسّساتها لترسيخ هذه القيم.
والانخراط في عمليّة التّوجيه من طرف كافة الفاعلين في مجال الشّباب بشكل مباشر أو غير مباشر، والدّعم النّفسي والاجتماعي والعلمي  لهذه الفئة بما يمكّنها من الحسم السّليم في الاختيارات الشّخصية الفكريّة والسّلوكية، وبما يمكّنها من الاندماج السّليم في بنية المجتمع ومؤسّساته، والإسهام في عمليّة البناء والنّهوض الحضاري للمجتمع، والإبداع في عمليّة التّواصل مع هذه الفئة، بوسائلها، وبالآليات المناسبة لسنّها وللتّحديات التي تواجهها.
وتيسير السّبل لمشاركته في تدبير الشّأن العامّ، بدل إشراكها كفئة مستهدفة، وتمكينها من تحديد الأهداف واقتراح الوسائل والمبادرات والمشاريع التي تخدمها وتخدم مجتمعها، وإتاحة الفرصة لها كي تبدع وفق احتياجاتها وإمكاناتها، ومن منطلق رؤيتها ومهاراتها.
وكما أنّ لمدخل بناء الوعي دور حاسم في ترسيخ نهج الوسطيّة والاعتدال في الفكر والسّلوك، فلمدخل المعرفة والعلم دور لا يقلّ أهمية عن بناء الوعي، خاصّة وأنّ البناء المعرفي مدخل أساس لبناء الوعي وترسيخه، وهو أمر يتطلّب إقبال الشّباب على العلم والمعرفة باعتبارهما أساس البناء الحضاري، ومنطلق النهضة والتقدم.
يثبت ذلك افتتاح الوحي آياته بكلمة « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ»(36)، أي القراءة على نهج الله ومقاصده في الوجود، قراءة من أجل الإعمار والبناء والحياة، وليس لأجل الدّمار والموت والخراب، ويثبت هذه الأهمية والمكانة التي يحتلّها العلم في بناء النّموذج التّصوري والقيمي، آيات القرآن الموجّهة للتّعلم، والرّافعة لأهل العلم لمقام مشرّف، كقوله تعالى «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»(37)، وقوله تعالى «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ»(38)، وقرنه تعالى للعلماء بملائكته في الشّهادة على وحدانيته وعلى عدله في قوله تعالى « شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ  لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»(39) وفي جعله العلم طريق الإيمان واليقين، ومنه طريق الامتثال بقيم هذا الدّين في قوله تعالى « وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»(40).صراط الحقّ والعدل والاعتدال، والتّمسك بتعاليم وقيم الإسلام.
كما يثبت ذلك التّاريخ، حيث تشكّلت الحضارات والأمم الخادمة للإنسان يوم تمسّكت بالعلم، واتّخذته طريق ونهج في التّعامل مع مكونات الوجود «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ»(41)، وجعلت من القيم ضابطا موجّها للعلم والسّلوك معا، وجعلت الله غايتها في الطّلب، والإنسان هدفها في العطاء والبذل، والكون مصنعها في الاكتشاف والبناء والإعمار.
ويثبت ذلك الواقع حيث الخراب والدّمار يحيط بعالم جعل العلم غاية للسّيطرة، واستعباد الإنسان والمجتمعات، ووسيلة للاستهلاك والثّراء والظّلم والاستبداد، فعَدَلَ عن غاياته والقيم الضّابطة له، فانطلق بدون قائد أو ضابط يوجّه مساره لخدمة الإنسان وإعمار الكون وفق مقاصد الخالق من الخلق، وأحكامه في الوجود.
الهوامش
(1) لسان العرب لابن منظور، م: 5، ص: 12. 
(2) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج20 ص60)
(3)  الكهف، الآية 12
(4)   يونس، الآية 83
(4)  الروم، الآية 54
(5)  البقرة، الآية 143 
(6)  لسان العرب لابن منظور، م:9، ص: 299/300، دار الحديث، القاهرة، ط: 1423هــ/ 2003. 
(7) القلم، الآية 28
(8)  المصدر نفسه، م:9، ص: 300. 
(9)  البقرة، الآية 143
(10) الجامع لإحكام القرآن، للقرطبي، م:9، ج:18، ص:183، دار الفطر، ط:1422هــ/ 2002م.
(11) التحرير والتنوير للإمام الطاهر بن عاشور، م: 12، ج: 29، ص: 86، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس.
(12) القلم، الآية 28
(13) التحرير والتنوير، مرجع سابق، م:1، ج:2، ص: 18/19.
(14)  البقرة، الآية 143 
(15) القلم، الآية 28
(16)  البقرة:238،
(17)  المائدة ، الأية 89
(18)  العاديات، الأية 5
(19) التحرير والتنوير، مصدر سابق، م: 12، ج:29/30، ص: 501.
(20) رواه  الإمام أحمد  والبيهقي.
(21) رواه  أحمد والنسائي وابن ماجة.
(22) رواه  البخاري ومسلم.
(23) متفق عليه.
(24) الموافقات في أصول الشريعة، للإمام الشاطبي، م:1، ج: 2، ص: 125.
(25) المصدر نفسه، م:1، ج: 2، ص: 128.
(26) الرحمان، الآية 7
(27) الفرقان ، الآيات 45/46/47
(28) الرعد، الآية 3
(29) يونس، الآية 67
(30) الفرقان، الآية 62
(31) النبأ، الآيات من 6 إلى 11
(32) الحجر، الآية 19
(33) الملك، الآيتان 3 و4
(34) السجدة ، الآيات 7 إلى 9
(35) سبق تخريجه
(36) العلق ، الآية 1
(37) المجادلة ، الآية 11
(38) فاطر ، الآية 28
(39) آل عمران ، الآية 18
(40) الحج ، الآية 54
(41) الرحمان ، الآية 33