التدوينة

بقلم
محمد الصالح ضاوي
كيف كان يسلم الناس زمن النبي؟
 أغلب النّاس زمن الرّسول صلى الله عليه وسلّم أسلموا بسماعهم القرآن فقط. كان الرّسول يطلب منهم أن يستمعوا الى كلام الله فقط، فإن أعجبهم دخلوا في الدّين الجديد، وإن أنكروه لم يدخلوا... لكن كلّهم تقريبا، من سمع القرآن، دخل في الدّين الجديد.... مع أنّه اليوم: لدينا نفس القرآن، ولكن ليس لدينا تأثير النّبي.... لماذا؟
لأنّ القرآن المتلو من قبل الرّسول كان يصاحبه نور يخرج من صدر الرّسول الى صدر السّامع، فيقلبه مسلما دون إرادة منه.... وهو مثل النّور الذي قال عنه الغزالي: «نور قذفه الله في قلبي....»
«يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُم بُرْهَٰنٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا» النساء 174
غياب النّور اليوم هو الذي يجعل كلامنا مجرّد لغو بلا تأثير.... آلاف الخطب والمحاضرات والمجالس الدّينية بلا تأثير على السّامعين.... لأنّ النّور يأتي من همّة المتكلّم، من باطنه، من سلوكه الذي يقتفي فيه الرّسول الأكرم.... وهذا النّور يؤخذ وراثة عن الرّسول كما أخذه الصّحابة وتابعيهم.... فغياب شيوخ التّربية الوارثين للمقام المحمّدي والمؤيّدين بالنّور القرآني أدّى بنا إلى السّباحة في بحر الأوهام والخيالات التي ندّعي أنّها انتاجا عقليّا.....
أمّا الخوارق، فكانت في أغلبها مؤيّدات للمؤمنين تتوجّه اليهم بالتّأييد والتّثبيت.... وقلّة قليلة من الأعراب الذين آمنوا من طريق الخوارق والمعجزات.... وهي اليوم كرامات، موجـودة ومنتشرة بين النّاس،،،، بل يمكننا أن نقول أنّ كلّ شخص كافر يؤمن بالله ويدخل الإسلام إلّا وله حكاية فيها كرامات لا يستطيع تفسيرها بالأسباب الظّاهرة المعروفة....
المشكل مـــع أولئك الذين يظنّون أنّ الإيمان مجرّد لائحة صادرة عن القـــوة العظمـــى مطلــوب تنفيذهـــا فورا والاّ فإنّ بنود العقوبات سوف تطبّق فورا.... هؤلاء لا يعرفون أنّ الإيمان منتوج سلوكي باطني وظاهري، ضمن مسيرة ومعراج روحي، يزداد الإيمان فيه وينقص، تبعا للكشف والنّور.... وكلّ إيمان لا يثمر علما في التّوحيـد، لا يعول عليه..
لقد تعبنا وهرمنا لمّا استبعدنا الجانب الرّوحي للإسلام... بدعوى محاربة البدع والشّعوذة... حيث أتينا على أركان الإيمان والإحسان، ظنّا منّا أنّا خلّصنا الإسلام من الشّوائب.... 
إنّ إسلامنا اليوم كلّه: ظنّ وشكّ وتأويل... إلاّ من رحم ربّي....فإنّ إسلامه كشف وفتح ومشاهدة ورسوخ قدم.... التّواصل الرّوحي هو جوهر الإسلام.... وهو جوهر الحياة ككل...
إسلامنا بعيد عن التّحقق واليقين، بلا روح ولا نور، لا يخرج من تجربتنا الباطنيّة، يهتزّ أمام أصغر ابتلاء وامتحان في الحياة.... لذلك نحن قوم نتألّم كثيرا....ولسنا سعداء....
الإســــلام الحقيقـــي: هو تلك القــــوّة الرّوحيــــة والحضاريّة التي لا بدّ لنهضتنا منها.... لا يتجلّى لنا إلاّ بالتّصالح مع الرّوح والباطن.... عن طريق الآداب والأخــلاق والرّقائـــق والزّهد من الدّنيا.... بأن نجعلهــــا في أيدينــــا وتحت أرجلنــــا وليســـت في قلوبنا....
عندها: نسعد.... ولا نتألّم....