شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
الأمير عبدالقادر الجزائري العالم المجاهد
 هو عالم جليل ورجل سياسة ودولة، قاد مقاومة شعبية ضد الفرنسيين لمدّة طويلة ولعب دورا هاما في إخماد الفتنة الطائفية وحماية المسيحيين في دمشق وهو في منفاه الاختياري. إنّه الأمير عبد القادر بن محيي الدين الجزائري. 
ولد الأمير عبد القادر في 23 رجب 1222 هـ الموافق لـ 26 سبتمبر 1807 م، في قرية القيطنة بولاية وهران الجزائرية. نشأ في رحاب العلم فأجاد القراءة والكتابة وهو في سنّ الخامسة ونال الإجازة في تفسير القرآن الكريم والحديث النبوي وهو في الثانية عشرة من عمره. ثمّ انتقل إلى مدينة وهران، فتلقى عن عدد من علمائها أصول العلوم، كالتاريخ والفلسفة والرياضيات والأدب العربي وعلم الفلك والطب وغير ذلك.
غلبتْ الصفةُ السياسية على الأمير عبد القادر الجزائري. فلا نكاد نجد في الكتب التي تؤرِّخ للنهضة العربية ذكراً لهذا الأمير إلا وهو مرتبط بثورته ضد فرنسا، أو بوقوفه ضد الحرب الطائفية عام 1860، أو بتبيان علاقته بالدولة الفرنسية، أو زياراته المتعددة إلى الأستانة ومصر. ففي شهر محرم من عام 1246 الموافق 5 جويلية/تموز 1830م، تعرضت الجزائر لحملة عسكرية فرنسية شرسة مكّنت فرنسا من احتلال العاصمة الجزائر واستسلام الحاكم العثماني وبذلك انتهت المقاومة الرسميّة لتبدأ المقاومة الشعبيّة بقيادة الأمير عبد القادر الجزائري الذي بويع على الجهاد في رجب 1248 الموافق نوفمبر/تشرين الثاني 1832، وهكذا دخل الأمير مرحلة جديدة في حياته اتّسمت بقيادته للمقاومة الشعبية وخوضه صراعات مريرة مع المستعمر الفرنسي استمرّت خمسة عشر سنة حقق فيها نجاحات عديدة أرغمت الجيش الفرنسي على مفاوضته وعقد اتفاقتي هدنة معه في فيفري 1834م وماي 1837م اعترفت فيهما فرنسا بسلطته على منطقة الغرب الجزائري ومنطقة الشلف.
 لكن تعمّد المستعمر انتهاج سياسة الأرض المحروقة والابادة الجماعيّة باستعمال أساليب وحشية في قتل الأطفال والنساء والشيوخ وحرق كلي للمدن والقرى المساندة للأمير عبد القادر عجّلت باستسلامه في ديسمبر 1847 ليصبح أسيرا في سجون الاحتلال يعاني من الإهانة والتضييق إلى أن اعتلى نابليون الثالث كرسي الحكم بباريس عام (1268هـ= 1852م)، فأمر باطلاق سراحه وأكرم نزله، ودعاه لكي يتَّخذ من فرنسا وطنًا ثانيًا له، ولكنه رفض، ورحل إلى سوريا عبر تركيا واستقر بمدينة دمشق بداية من 1855، حيث مارس التدريس. 
اندمج بسرعة في المجتمع السوري وأصبح صديق الجميع من مسلمين ومسيحيين ممّا خوّله المساهمة في إخماد الفتنة الطائفيّة التي اندلعت سنة 1860 وذلك بحمايته لأكثر من 15 ألف مسيحي لجؤوا إلى منازله فاحتضنهم وكان هذا الموقف محلّ إشادة عالمية.
كان عبد القادر الجزائري - إلى جانب هذا كلِّه – رجل فكر متبحِّر في علوم الدنيا والدين. وقد كانت له آراء خاصة في قضايا العقل والأخلاق واللغة والتصوف، مما جعله جديرا بأن يُدرَج في عداد رجالات النهضة المبكرين.
ألّف الأمير عبد القادر عدّة كتب أهمّها «المقرض الحاد»، و«السيرة الذاتية»، و«ذكرى العاقل وتنبيه الغافل»، و«المواقف».
عرف عن الأمير عبد القادر أنّه مدافع  عن العقل وحقِّ العقل في النظر إلى المسائل، ورفضه التقليد الأعمى للسّلف الصالح، فلا يرضى بأقوال السّلف، إلا إذا أحاله إلى محكمة العقل. ودفاع الأمير عن العقل لهو دفاعٌ عن الحرية في بعض جوانبها. والحرية إنما تقف موقفاً مناهضاً لكلِّ أشكال التعصب القائمة على الاستمساك بالماضي بدعوى التقليد الأعمى. ولهذا ففي فكر الأمير نزعة تسامح نكاد نفتقدها في زمننا الحاضر.
ولأن فكرة العقل التي يدافع عنها الجزائري فكرةٌ عامة ومشتركة بين الناس فإن للحقيقة طابعها الإنساني العام، حيث إن الحقيقة جهد البشر جميعاً، بمعزل عن انتماءاتهم الإثنية والقومية. لهذا لا يسأل الأمير عبدالقادر عن مصدر الحقيقة، بل عن الحقيقة لذاتها. فهو يرى أنّ انتماءه إلى الإسلام لا يمنعه من اكتساب الحقائق ممَّن هم على غير دينه وثقافته.
والحقيقة عامل توحيد بين البشر، رغم اختلافهم. وهذا ما ينزع عن الدين صفة التعصب التي هي أحد أسباب الانقسام الطائفي. ومن هذه الزاوية فإنّ الأمير، إذ يميِّز بين الحقيقة الإلهية (كالتوحيد مثلاً) وبين الأحكام التّاريخية، فإنّه يبحث عن ذاك الذي يزيل الاختلاف بين المنتمين إلى الأديان المختلفة التي توحِّدها حقيقة واحدة.
والأمير عبد القادر مع حرية البحث العلمي والتأمل الفلسفي، يدافع عن المنطق والعلوم المكتسبة كما يدافع عن الإيمان عن طريق العقل ولهذا كانت النقطة الأبرز في خطابه هي العلاقة بين العقل والنقل التي دفعته للحديث عن العلاقة بين الأحكام الشرعية والتاريخ. فالأحكام بالنسبة له تتغير بتغير «الأعصُر» والأزمان. أما الذي يُعيب من يقول بالنسخ فهو جاهل بتدبُّر الأحوال.
توفي الأمير ليلة 19 رجب 1300 هـ / 23 ماي 1883 عن عمر يناهز 76 عاما، وقد دفن بجوار الشيخ ابن عربي بالصالحية بدمشق لوصية تركها. وبعد استقلال الجزائر نقل جثمانه إلى الجزائر عام 1965 ودفن في مقبرة العالية في مربع الشهداء الذي لا يدفن فيه إلا الشخصيات الوطنية الكبيرة.