الكلمة الحرّة

بقلم
محمد بدير
الإنثروبولوجيا الثقافية بين فلسفة الفن وجدلية الصورة البصرية
  مقدمة
لعل أبرز ما يتوافق مع هذا الفكر أو الموروث الثّقافي هو الحفاظ عليه وإسناده الى تعبيرات تقييميّة أتت أكلها إلى حضارة العصر وأصبحت تسمّى بالثقافة الانثروبولوجيّة لدى الإنسان الأزلي وتشخيص الصّورة النّمطية له حتى أصبحت تجسّد هذه الحضارة في شكل عمل مرئي ينضاف الى المكتسب العلمي الثّقافي عبر أجيال تراوح بينهما العقل في تفسير المعتقد والاجتهاد لمعرفة الهويّة في ظلّ ما سمّي بعلم الإنسان. ففي هذا الصدد يمكّننا طرح التّساؤل الأتي: كيف نُدرك الجماليات البصريّة في ضوء القيم الجمالية للفنّ؟ وكيف نميّز بين العالم الإثنوغرافي وعالم الإنثروبولوجيا المرئيّة؟ وعن الثّقافة في بنية الوعي الجمالي في المجتمعات القديمة؟
الاصطلاح المفاهيمي:
تعدّ الانثروبولوجيا الثّقافية التّراث المسيطر في الإنثروبولوجيات في الولايات المتحدة الأمريكيّة حيث تشمل كلاّ من الاثنولوجيا أو التحليل المقارن والتاريخي للثقافات. ولمصطلح الإنثروبولوجيا معنيان: معنى واسع وأخر محدود فهي بالمعنى الواسع تتضمّن علم الآثار ماقبل التّاريخ وعلم اللّغة الإنثروبولوجي بالإضافة الى دراسة المقارنة للثّقافات والمجتمعات الانسانية(1).
القيم الجمالية المادية للفنّ 
من خلال المكسب الثّقافي الموروث.
يعتبر «ارنولد» أنّ الثّقافة هي دراسة الكمال والتي من شأنها أن تقود الى كمال متناسق بتطويرها لكلّ جوانب إنسانيتها ثم الى كمال عام بتطويرها لكل إجزاء المجتمع(2). إنّ الحاجة لشرح تفضيلات الأفراد ومدركاتهم تستدعي أسلوب التفسير الوظيـفـي  Functional mode of explanation أي الطّريقة التي تـعـتـبـر آثـار سلوك ما أو ترتيب اجتماعي مع عناصر أساسيّة لأسباب هذا السّلوك(3)، طالما أنّ الإنسان قد يكون مبدعا أي منتجا للفنون أو قد يكون متلقّيا لها على اعتبار أنّه يفتقد الى الموهبة أو الى القدرات المنتجة لها(4).
الانثروبولوجيا الثقافية بين مبدأ الرمزية 
(دلالة المقدس الديني) والاثنوغرافيا الوصفية
يرى «هيقل» أنّ الرمز THE SYMBLE يمثّل بداية الفنّ من النّاحية التاريخية ومن النّاحية الفكريّة(5)، فالرّموز في عهد السلف هي عبارة عن شيء مقدّس روحاني ممّا سهّل على الإنسان أن ينجر لما هو طبيعي بدلالات الفنّ المختلف، فيشكّل مقدّس التّفضيل جمالي لما هو بين يديه كرموز العالم الحيواني وتتمثل في حيوان الحصان كرمز شمسي ثم رمز جهنمي ثم رمز الموت والجنس،،، ثم رمزية الجنس البشري كالإنسان المتوحش، رمزية الرقصات المأتمية، رمزية حواس الإنسان. 
وفي مثــال على ذلك يعــدّ نصف القمر في أوروبا رمزية جنائزيّــة، وفي الهند يشكّل جزءا من الفضاء المقدّس للمعابـــد البوذيّــة التي يوجد في مدخلها على الأرض ولــه رمزيّة كونيّة مع تزيينات منحوتة متداخلة متضمّنـة في مركزها زهرة اللّوتس البدئية(6).
الاثنوغرافيا وتشخيص لمصطلح الهوية:
يضيف مفهوم الهوية الثقافية التباساً آخر إلى صلة الخصوصيّة بالكونية حين تجري الدّعوة إلى الانغلاق على الماضي ورفض التّجديد من النّاحية الموضوعية للإنسان وثقافاته القديمة عبر المعتقد الدّيني والحفاظ على سيرورة العمل المبدع الذي أبدعه عالم الإنسان بطريقته الخاصّة. المزيد من التغيير سوف يؤدي في النهاية إلى نسيان الماضي وتراثنا والقضاء على أصالتنا وخصوصيتنا وهويتنا الثقافية المتوارثة عبر الأجيال. والخلاصة هنا أنّ المجتمع هو جامع الأفراد وأنّ الثّقافة هي كيان السّلوك المكتسب لهؤلاء الأفراد جيلا بعد جيل  حسب الهويّة وثقافة المجتمع .
الإنثروبولوجيا المرئية 
وتشخيص لصورة العالم الحضري:
اتّجه مزيد من الاهتمام الى الاختبار ما اذا كانت تلك الوسائل تنقل رسائل ضمنيّة بشأن الموضوع الذي تصوّره وذلك في شكل صورة مرئيّة بصريّة حملت بصمة فنّية وذلك بما يسمى بالفيلم الإثنوغرافي (الوثائقي) الذي يجسد لنا القيمة الفنّية التي نحن بصدد معرفة التاريخ القديم وما آلة إليه الحضارات السالفة.
رمزية العالم الحضاري
ارتبطت الصّورة على الدّوام وعبر القرون بالحضارة. وعلى العموم يدين تصوّر الإنسان الحديث عن بابل واليونان القديمة، أو العصر الوسيط الى البصر أي الى الصّورة عوض القراءة(7)، تجلّى ذلك في نوع الموروث الثّقافي والايدولوجيا الحضارية لتلك الشّعوب، من حيث النّشأة والتّطور وما تعنيه هاته اللّغة البصريّة، لغة الصورة في تشخيص الفكر التأويلي وإن كان يبدو وعلى حدّ سواء ما تجسّده في ابراز فنّ من فنون العالم الحضاري وتجسيدا لمكانة ذلك التّطور الزّماني والمكاني لحضارات لازمة تلك الفترة عبر سنين من الموروث الجمالي وحفاظ على الانثروبولوجيا بما فيها الثّقافة المتردّية للإنسان المبدع. 
الخاتمة
إن تذوق الإنسان الفني لمختلف الفنون يعتمد على معيار جمالي صنعه مفهوم الذاتي نتيجة مشاهداته للجماعات البشرية وصراعه مع الحضارات الأزلية والعوامل الطبيعية، وتخيّله الرّموز التي عبّر عنها. وإذا كانت هذه الاثار الموجودة على جدران الكهوف وغيرها قد قام بإبداعها لأهداف عملية وأهداف نفعية فان هدفها ايضا تصوير فكرة او تخليد رؤية او تجسيد خيال او اي تعابير امنية هذا ما استحسنه البعض حول المفهوم العام للانثروبولوجيا ولا سيما منها العنصر الثقافي الذي استأصل المبادئ الكاملة لتأريخ الفن الحضاري القائم على التجانسية ولتبقى الصورة كيان رمزي يصور لنا الماهية والنشأة لتلك الشعوب وفق معيار فني معين.
الهوامش
(1) الإنثروبولوجيا الثقافية لأفريقيا، سعاد علي شعبان.
(2) هارلمبس وهولبورن، سوشيولوجيا الثقافة والهوية، تر: حاتم حميد محسن.
(3) مجموعة من الكتاب، نظرية الثقافة، تر: علي السيد الصاوي.
(4) الفنون في حياتنا، بشير خلف.
(5) رمضان باسطاويسي، جماليات الفنون وفلسفة تاريخ الفن عند هيقر.
(6) فيليب سبيرنج، الرموز في الفن_الأديان_ الحياة.
(7) عبد الله ثاني قدور، سيميائية الصورة.