التدوينة

بقلم
محمد الصالح ضاوي
العقيدة الاسلامية الحقيقية التي أرادها الرسول في قلب كل مسلم
 العقيدة الصّافية ليست بيانا يتلى ويحفظ عن ظهر قلب. العقيدة الصّحيحة هي إفاضة نوريّة محمديّة على القلب بحيث يحصل له مشاهدة. 
الرّسول عليه السّلام لم يفسّر المتشابه من القرآن ولم يعلن بيانا حصريّا عن الصّفات والمنسوبات الإنسانيّة لله. لماذا؟؟ لأنّ العقيدة لا تستقرّ في القلب إلاّ بالعلم والمشاهدة: مشاهدة الذّات مشاهدة قلبيّة دون البحث فيها.وعلم الألوهة. 
فالألوهة تعلم والذات تشهد. وهذا لا يتم مع لحظة الدخول الى الاسلام... بل لا بد من مسيرة وسلوك ومعراج إيماني وترقّ في مقامات الإحسان للوصول الى العقيدة الصّافية.
والعلم المتعلّق بالعقيدة يسمّى: «علم التوحيد». وهو العلم الوحيد الذي أمر الرّسول بالاستزادة منه. «وقل رب زدني علما».
وكـــان الرّسول عليه السّــلام يترقّى فيه كلّ يـــوم من سبعين الى مائة درجة، لذلك كان يستغفر مــــن 70 الى 100 مرّة في اليوم، استغفارا، ليس من ذنب ارتكبه، بل من نقص علم مرّ به في درجـــة دنيــا لمــا يترقّــي الى درجة عليا.
وكان الصّحابة رضوان الله عليهم تظهر عليهم أنوار التّوحيد بفعل السّلوك الاتّباعي النّبوي الذي ينتهجوه. ومن تلك الثّمرات: قصّة الصّحابي الذي سأله الرّسول عن حقيقة إيمانه، فقال له: «كأني أنظر إلى عرش ربي...»
وكان كلّ صحابيّ عنده تجربة ايمانيّة متميّزة تختلف عن غيره.... فالعقيدة لها مشترك واحد هو: «لا اله الا الله»، ثم تتفرّع ثمراتها الى ما لا نهاية... وكلّ ميسّر لمقامه... وكلّ مقام له ثمرة... وتجليــات الله لا تتكرّر في الزّمن ولا تتكرّر على شخصين بنفس الأمر.
وبما أنّ النّاس ليسوا على مستوى واحد ولا مرتبة واحدة، فإنّه توجد مراتب مختلفة للعقيدة الإسلامية: مرتبة العوام ومرتبة المتعلّمين ومرتبة الخاصّة ومرتبة خاصّة الخاصّة. وانظر الى الشّيخ الأكبر «محي الدين بن العربي» كيف يسوق في مقدّمة الفتوحات كلّ هــذه المستويــات من العقيدة، مع أنّه يؤكّد أنّ إيمان العجائز أثبت في القلب من إيمان المتكلّمين العقلييّن أصحاب الدّليل العقلي.
والتّجسيم هو رؤية طفوليّة للعقيدة... يمرّ بها كل شخص... لكن بفعل الايمان والسّلوك يرتقي في فهم عقيدته ويتجاوز التّجسيم رويدا رويدا....ومن هذا الباب: يكون التّجسيم عقيدة الأطفال... حتّى لو اعتقدها بسطاء النّاس في بداية إسلامهم.... لكن يتجاوزوها بفعل العلم المتولّد من الإيمان...من هذا الجانب لا خوف من التّجسيم.
أمّا إن يُفرض التّجسيم باعتباره رؤية عقديّة يحمل عليها النّاس كلّهم فهذا عين الجهل وعين الحمق.. لأنّه قطع مع تطوّر الإيمان وتحجير لثمراته.
كذلك تكون عقيدة «الأشعري» كبـاب تعريفي للمسلـم في بداية تعلّمــه ولكن لا تفــرض وتحدّد بها الثّمـــرة، بل لا بدّ أن تكون منطلقا لتجربة شخصيّة فرديّة إيمانيّة لتقبل العلم والثّمرة والنّور، فتظهر حقائق أخرى وأسرار لطيفة كما في القضاء والقدر والوجود والعدم والتّجل وأنواعه والشّهود وغيرها من المواضيع التي لا تعرف الاّ بعد تجربة سلوكيّة... من هذه الرّؤية نقبل بعقيدة الأشعري التي سجّلها الشّيخ الأكبر في مقدمة الفتوحات واعتبرهـا عقيـدة العوام وكلّ النـّاس أي مستوى اول من العقيدة مشترك بين الناس بعد دخول علم الكلام عليهم.
فالإيغال في النّقاش الكلامي في مادّة العقيدة لا يفيد كثيرا لأنّ العقيدة لا تستقرّ الاّ بالسّلوك....ولا ينبغي تعويض التجربة الايمانيّة السّلوكية ببيان عقديّ أشعري أو ماتريدي يتلى ويحفظ... فهذا لا أثر له في القلب....
أما الوهابيّة، فيكفي بيان فساد عقيدتهم وبدائيتها عندما نتكلّم عن الألوهة ومعانيها.