من القلب

بقلم
شمس الدين خذري
ماذا بعد الامتحان
 ماذا يمكن أن نستخلص بعد خروج رمضان؟ وبماذا يمكن أن نستفيد منه؟ وماهو مفهوم الإمتحان؟
ربما هذه الأسئلة التي راودتني قد تكون خطرت ببالكم أو ربّما تكون حرّكت فيكم أسئلة أخرى، فكلّنا نعلم أنّ الدّنيا امتحان أو هي أشبه بقاعة امتحان كبيرة وفي كلّ مرة ينتهي دور أحد فينا في هذه القاعة ليذهب ويعرف نتيجة امتحانه. وهكذا هو رمضان فيه تُمتحن أنفسنا وتُختبر بعد أن تُسلسل شياطين الجنّ لنبقى في مواجهة شهواتنا ورغباتنا. إنّه امتحان غايته معرفة قدرتنا على العلو والسّمو بأفعالنا وأنفسنا لنستحق بذلك المكانة العالية التي خصّنا الله بها من دون سائر مخلوقاته. «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»(1). 
أهم ما نلاحظه بعد خروج رمضان هو ذلك الفراغ الهائل الذي يحدثه بعد أن كنّا طيلة شهر كامل منغمسين إمّا في العبادة والذكر والصلوات أو في متابعة المسلسلات والجلوس في المقاهي لساعات. وعندما يودّعنا رمضان ندرك أننا ربما أضعنا فرصة هائلة قد لا تعوّض ولكننا مع كل هذا لا يجب أن نيأس، بل علينا أن نعيد المحاولة ونبدأ من جديد مستثمرين مااكتسبناه خلال هذا الشهر. فإذا كنّا قد بدأنا في رمضان بصفحة جديدة من أعمال طيبة فلنحاول المحافظة عليها والاستمرار فيها بنفس العزيمة حتى بعد وداعنا للشهر. وبالعكس إذا كنا قد تخلصنا خلاله من بعض العادات السيئة فلنهجرها نهائيا بعده.  فهذا هو الهدف منه وهذه علامة قبول الصيام كما يقول بعض العلماء.
نحن نتعرض دائما للإمتحانات والاختبارات وحياتنا في الحقيقة هي امتحان شامل وعام، وهذا ما يجب تكريسه لدى صغارنا وشبابنا الذين أتمّوا امتحاناتهم الدّراسية وعرفوا نتائجها وهاهم الآن قد بدؤوا عطلتهم الصيفية.
علينا أن نبرز لهم أنهم كما يستعدّون جيّدا للإمتحان الدراسي فإنّ لديهم إمتحان أكبر في الحياة يجب عليهم أيضا الإستعداد له. علينا أن نعلّمهم كيف يستغلّون عطلتهم جيدا في تقييم انجازاتهم طيلة السنة الدراسية المنقضية ومراجعة الأخطاء التي حصلت خلالها من أجل التحضير الجيّد للعام القادم. كل ذلك من دون التنقيص في حقّهم من اللعب والترويح عن النفس، فهذا أيضا ضروري ليعلموا أنّ الممتحن بعد نجاحه ينال الفوز بالراحة ويكافئ بالجوائز. 
وهكذا في علاقتنا مع الله، وتعاملنا مع امتحان الحياة الدنيا، نحن مطالبون دوما باستغلال كل مناسبة لمراجعة ما أنجزناه في ما مضى حتّى نسدّد خطانا ونواصل الطريق بأقل الأخطاء. فإذا حققنا النجاح في امتحان الحياة، فالله يكافئنا بالجنّة وهذا أهمّ ما يجب أن نتعلمه. يقول الله تعالى في كتابه العزيز : «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(2) 
وقال أيضا : «وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا»(3)
إنّ أهمّ ما يمكن أن نستخلصه من كلّ امتحان هو أن الجزاء من جنس العمل وأن سرّ النجاح يكمن في : «التحضير الجيد لما هو قادم». 
الهوامش
(1) سورة ص الآية 72
(2) سورة النحل الآية 97
(3) سورة النساء الآية 124