تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
الانسان
 رأيتني فيما رأيت في نشوة لا ينظر إليّ أحد ولا أحد يتعقّبني. رأيتني إنسانا حرّا كرّمه ربّه وميّزه على جميع المخلوقات بقوله «لا». لأنّ  آدم عصى وما غوى تعرّى وانكشف له السّيئ القبيح، ومن حينها حمل الإنسان وزر أبيه وبقي ابن آدم حيران تعتصره الهواجس، أين الخير من الشّر وما القبيح والحسن؟ وتُحطِّمه الشكوك والظّنون، أين التّقوى من  الفجور؟. 
دأب ابن آدم وواصل مسيرته الإنسانية في صراع أبديّ لا يجد لنفسه دليلاً ولا مرشدًا يبيّن له الحدّ الفاصل بين الحسن والقبيح وأين الحقّ من الباطل. كم من حروب اشتعلت نيرانها كذبا وبهتانا. هذا الإنسان نفسه، رغم الفوضى هذه التي جُبل بها والتي أبقته يتخبّط بين النّور الذي كشف فيه سوءته وعرّاها والعتمة التي حبس فيها الجمال ووأده، اعتنى بالحيوان وأحسن معاملته وجعل له حقوقا تحميه من أشباه الإنسان.
كنت في حلمي أنا ورئيسي بصدد مراجعة كرّاس شروط أعددناها لتوفير مصلحة ضاع رسمها في رمسها. ولم يبق على ذؤابة حلمي غير تأكيد رئيسي على ضرورة بيان الجنس المعني بالمصلحة «إنسان» وأردف ما علق بذهني مثل قرط أمي بشحمة أذنها، نعم أريد بيان لفظة «إنسان» والشريحة العمرية. استفقت من غفوتي على طنين الجملة الأخيرة تقرع طبلة حسّي حتى رجعت إلي وعيي، فقلت «ما هذه إلا أضغاث أحلام وما أكثرها في مثل هذا الزّمان».
نسيت الحلم منذ مدّة وما أنسانيه إلاّ شيطان يستحثني منذ بدء كلّ يوم من فرط طوله أمكن لآخره اللّحاق بأوله وأصبح اللّيل جزءا منه. الحمد لله أن جُعل بيننا شيطان ينسينا ما فرط علينا بالنّهار فيسحبه ويدثّرنا به فيما تبقى من اللّيل. لما تشوّشت لديّ تفاصيل الرّؤيا ولم استطع لمّ شتاتها، لم اعثر إلاّ على بعض من شظايا حلمي الذي اصطدم باليقظة فرفعت من حطامه إنسانا وكراس شروط . 
بدت هذه العلاقة من الوهلة الأولى غريبة ولكن الغرابة لم تدم ووجدت ضالّتي أينما كنت في الحافلة وفي محطة القطار وفي التاكسي الجماعي. كنت أسأل نفسي في كلّ مرّة أجُعل هذا للبشر أم لدونه من الحيوانات؟ وراودني معنى لهذا الحلم يراوح بين استرجاع إنسانيتي المفقودة وخسارة كبيرة فيما تبقى منها. وفي كلتا الحالتين رأيتني مثل خروف بين الخرفان في غدوّها ورواحها تتدافع بين طقطقة ما وقع بين يدي الرّعاة. 
سأظل أحلم، لعليّ استشعر يوما أنّي نزعت جلد الخروف الذي تلبّسني وأزعجني ثغائه أمام عجزي على البعبعة ولا حتّى المأمأة.