الإفتتاحية

بقلم
التحرير الإصلاح
الإفتتاحية
 «عيد بأية حال عدت يا عيد ...بما مضى أم بأمر فيك تجديد»... نتذكر هذا البيت الشعري للمتنبي كلّما حلّ علينا العيد ونتساءل في كلّ مرّة كما تساءل المتنبي هل من جديد؟ لكنّ الجواب  الذي  يأتي عادة بالنفي يتغيّر هذه المرّة... فالأحداث المتسارعة التي حصلت خلال شهر رمضان لهذه السنة تؤشّر بأن هناك جديد وأنّ العالم بأكمله قادم على مرحلة جديدة لن تستفيد منها إلاّ الأمم الذكيّة القادرة على استيعاب ما يحصل والتي لديها الاستعداد للفعل في ما قد يحصل في المستقبل القريب والبعيد. فهل يمكن أن تكون أمّتنا ضمن الأمم الذكيّة؟ أمّ أنها ستواصل مسيرتها نحو مزيد من التخلّف والانحطاط والتشتت ومزيد من عرض نفسها في سوق النخاسة لمن يدفع أكثر ؟
  ما حدث في الأيام الأخيرة زلزال بأتم معنى الكلمة سيغيّر صورة العالم في العاجل قبل الآجل ، فداعش بدأت تفقد إشعاعها وسيطرتها على ميدان المعارك في سوريا والعراق وليبيا وهي أهمّ بؤر التوتّر في العالم العربي وربما في العالم كلّه، وبريطانيا تعلن مغادرتها الاتحاد الأوروبيّ بلا عودة بقرار شعبي واردوغان يتصالح مع الكيان الصهيوني ويضع حدّا لحلم الكثيرين في أن يكون «العثماني الجديد» الذي سيعيد مجد الأمّة الإسلاميّة. وهناك أين يقرّر مصير الأمم، في الولايات المتحدة الأمريكيّة، يستعدّ أحد المتطرفين أو كما يحلو للبعض تسميته بالمخبول لاعتلاء كرسي الرئاسة ليكون رئيس أكبر دولة مؤثرة في السّاحة العالميّة.  
أمّا في الجانب الاقتصادي، فقد شهد العالم في المدّة الأخيرة تطورات سلبيّة تؤكد بأن الاقتصاد العالمي مقبل على أزمة كبرى بدأت ملامحها تظهر منذ سنوات، وأنّ الأرقام الصادرة من هنا وهناك تؤكّد بما لايدع مجالا للشكّ بأنّ أساسيات الاقتصاد العالمي في حالة تدهور مستمر منذ الأزمة المالية الأخيرة (2007) فبالإضافة إلى التدحرج المستمر لمؤشر النمو نتيجة التباطؤ الحاصل في الاقتصادات الصاعدة والرئيسية في العالم وعلى رأسها الصين وتراجع الناتج الصناعي والانكماش الحاصل بمنطقة اليورو، فإنّ الاقتصاد العالمي أصبح يعاني من أزمة مالية خانقة نتيجة تفاقم مشكلة الديون. فقد بلغ حجم إجمالي الديون نسبة 185 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات الصاعدة ونسبة 265 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الدول الصناعية الكبرى وهي مستويات  خطيرة تتجاوز ما وصلت إليه في 2007 قبل الأزمة المالية العالمية الأخيرة.
كما ارتفعت معدلات البطالة على مستوى العالم بشكل كبير لتصل إلى نحو 200 مليون عاطل عن العمل للمرة الأولى بسبب ضعف الأداء الاقتصادي مما سيؤدي حتما إلى اضطرابات اجتماعيّة حادّة ستمسّ الدول الكبيرة قبل الصغيرة ولنا في ماحدث مؤخرا في فرنسا وما يحدث هذه الأيام في اسبانيا خير مثال. 
وعلى الصعيد الثقافي والفكري يشهد العالم بروز أفكار وتعبيرات ثقافية جديدة كردّة فعل على الأزمة الخانقة التي يعيشها الإنسان من جرّاء هيمنة السياسي والتجاري والتكنولوجي على الثقافة ومنتجاتها وفشل «العولمة» في الإجابة على تساؤلاته وحاجياته الثقافيّة  بعد ان خرّبت الخصوصيات الثقافية للشعوب وفرضت ثقافة  اللامعنى ودفعت الإنسان إلى مادّية مشطّة  والعيش في عالم تتّسم بنيته وقوى التحكم فيه بالتجريد، ممّا جعله يفقد بصورة متزايدة، القدرة على أن يمنح أفراده رؤية واضحة لهويتهم، أو إحساسا عيانيا بالمعنى، وبالحقيقة، والحرية. وتسعى التعبيرات الثقافيّة الجديدة التي بدأت تغزو العالم إلى تقديم أجوبة عن الوجود والإنسان وترفع القناع عن الوجه الحقيقي للحداثة  التي أسقطت من اعتباراتها الجانب الروحي للإنسان.
في ظلّ هذه الأحداث الهامّة والأزمات الخانقة نتساءل عن دورنا كعرب ومسلمين في المساهمة في إنقاذ البشرية وتوجيهها إلى أقوم السبل التي تعيد إليها إنسانيتها ويمتعها بحريتها التي سلبت منها، ويعيد المعنى إلى القيم العليا التي تميّز بها الانسان عن سائر المخلوقات كالعدل والمساواة والتعاون والسلام. المؤشرات الأولية تشير إلى أننا مازلنا بعيدين كل البعد عن لعب هذا الدور الذي يتطلب تغيير ما بأنفسنا قبل كلّ شيء وتجديد ثقافتنا وتحرير ديننا من الشؤائب التي تعلّقت به فحبسته في فهم «طائفي» ضيّق ومنعته من أن يكون كما أراده الله «رحمة للعالمين». 
رئيس التحرير