أزاهير

بقلم
الحبيب بلقاسم
سلمان الفارسي
 نَجَائِبُ النَّجَاةِ مُهَيَّأةٌ للْمُرَادِ، وأقْدَامُ المَطْرُودِ مَوْثُوقَةٌ بِالقُيُودِ، هَبَّتْ عَوَاصِفُ الأقْدَارِ فِي بَيْدَاءِ الأكْوَانِ فَتَقَلَّبَ الوُجُودُ ونَجَمَ الخَيْرُ، فَلَمَّا رَكَدَتْ الرِّيحُ إِذَا أبُو طَالِبٍ، عَمُّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، غَرِيقٌ فِي لُجَّةِ الهَلَاكِ، وسَلْمَانُ عَلَى سَاحِلِ السَّلَامَةِ، والوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ يَقْدُمُ قَوْمَهُ فِي التِّيهِ، وصُهَيْبٌ قَدْ قَدِمَ بِقَافِلَةِ الرُّومِ، والنَّجَاشِيُّ فِي أرْضِ الحَبَشَةِ يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، وبِلَالٌ يُنَادِي: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، وأبُو جَهْلٍ فِي رَقْدَةِ المُخَالَفَةِ.
  لَمَّا قَضَى فِي القِدَمِ بِسَابِقَةِ سَلْمَانَ عَرَجَ بِهِ دَلِيلُ التَّوْفِيقِ عَنْ طَرِيقِ آبَائِهِ فِي التَّمَجُّسِ، فَأقْبَلَ يُنَاظِرُ أبَاهُ فِي دِينِ الشِّرْكِ، فَلَمَّا عَلَاهُ بِالحُجَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَوَابٌ إِلَّا القَيْدُ، وهَذَا جَوَابٌ يَتَدَاوَلُهُ أهْلُ البَاطِلِ مِنْ يَوْمِ حَرَّفُوهُ، وبِهِ أجَابَ فِرْعَوْنُ مُوسَى: لَئِنْ اِتَّخَذْتَ إِلَاهًا غَيْرِي، وبِهِ أجَابَ الجَهْمِيَّةُ  الإِمَامَ أحْمَدَ لَمَّا عَرَضُوهُ عَلَى السِّيَاطِ، وبِهِ أجَابَ أهْلُ البِدَعِ شَيْخَ الإِسْلَامِ حِينَ اِسْتَوْدَعُوهُ السِّجْنَ، وهَا نَحْنُ عَلَى الاثَرِ، فَنَزَلَ بِهِ ضَيْفُ: ولَنَبْلُوَنَّكُمْ، فَنَالَ بِإِكْرَامِهِ مَرْتَبَةَ: سَلْمَانُ مِنَّا أهْلَ البَيْتِ، فَسَمِعَ أنَّ رَكْبًا عَلَى نِيَّةِ السَّفَرِ، فَسَرَقَ نَفْسَهُ مِنْ أبِيهِ ولَا قَطْعَ، فَرَكِبَ رَاحِلَةَ العَزْمِ يَرْجُو إِدْرَاكَ مَطْلَبَ السَّعَادَةِ، فَغَاصَ فِي بَحْرِ البَحْثِ لِيَقَعَ بِدُرَّةِ الوُجُودِ، فَوَقَفَ نَفْسَهُ عَلَى خِدْمَةِ الأدِلَّاءِ وُقُوفَ الأذِلَّاءِ، فَلَمَّا أحَسَّ الرُّهْبَانُ بِاِنْقِرَاضِ دَوْلَتِهِمْ سَلَّمُوا إِلَيْهِ إِعْلَامَ الأعْلَامِ عَلَى نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا وقَالُوا: إِنَّ زَمَانَهُ قَدْ أظَلَّ فَاَحْذَرْ أنْ تَضِلَّ، فَرَحَلَ مَعَ رُفْقَةٍ لَمْ يُرْفِقُوا بِهِ: وشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ، فَابْتَاعَهُ يَهُودِيٌّ بِالمَدِينَةِ، فَلَمَّا رَأى الحَرَّةَ تُوقِدُ حَرًّا شَوَّقَهُ، ولَمْ يَعْلَمْ رَبُّ المَنْزِلِ بِوَجْدِ النَّازِلِ، فَبَيْنَا هُوَ يُكَابِدُ سَاعَاتِ الاِنْتِظَارِ قَدِمَ البَشِيرُ بِقُدُومِ البَشِيرِ، وسَلْمَانُ فِي رَأسِ نَخْلَةٍ، وكَادَ القَلَقُ يُلْقِيهِ لَوْلَا أنَّ الحَزْمَ أمْسَكَهُ كَمَا جَرَى يَوْمَ: إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ  لَوْلَا أنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا، فَعَجَّلَ النُّزُولَ لِتَلَقِّي رَكْبِ البِشَارَةِ ولِسَانُ حَالِهِ يَقُولُ:
«خَلِيلِيَّ مِنْ نَجْدٍ قِفَا بِي عَلَى الرُّبَا...
فَقَدْ هَبَّ مِنْ تِلْكَ الدِّيَارِ نَسِيمُ»
فَصَاحَ بِهِ سَيِّدُهُ مَالِـــكٌ: اِنْصَرِفْ إِلَى شُغْلِــكَ. فَقَالَ: كَيْفَ اِنْصِرَافِي ولِي فِي دَارِكُمْ شُغْلُ.
ثُمَّ أخَذَ لِسَانُ حَالِهِ يَتَرَنَّمُ لَوْ سَمِعَ الأطْرُوشَ:
«خَلِيلِيَّ لَا وَاللَّهِ مَا أنَا مِنْكُمَا...
إِذَا عَلَمٌ مِنْ آلِ لَيْلَى بَدَا لِيَــــــا»         
  فَلَمَّا لَقِيَ الرَّسُولَ عَارَضَ نُسْخَةَ الرُّهْبَانِ بِكِتَابِ الأصْلِ فَوَافَقَهُ: يَا مُحَمَّدُ أنْتَ تُرِيدُ أبَا طَالِبٍ ونَحْنُ نُرِيدُ سَلْمَانَ، أبُو طَالِبٍ إِذَا سُئِلَ عَنْ اِسْمِهِ قَالَ عَبْدُ مَنَافٍ، وإِذَا اِنْتَسَبَ اِفْتَخَرَ بِالآبَاءِ، وإِذَا ذُكِرَتْ الأمْوَالُ عَدَّ الإِبِلَ، وسَلْمَانُ إِذَا سُئِلَ عَنْ اِسْمِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ، وعَنْ نَسَبِهِ قَالَ اِبْنُ الإِسْلَامِ، وعَنْ مَالِهِ قَالَ الفَقْرُ، وعَنْ حَانُوتِهِ قَالَ المَسْجِدُ، وعَنْ كَسْبِهِ قَالَ الصَّبْرُ، وعَنْ لِبَاسِهِ قَالَ التَّقْوَى والتَّوَاضُعُ، وعَنْ وِسَادِهِ قَالَ السَّهَرُ، وعَنْ فَخْرِهِ قَالَ سَلْمَانُ مِنَّا، وعَنْ قَصْدِهِ قَالَ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، وعَنْ سَيْرِهِ قَالَ إِلَى الجَنَّةِ، وعَنْ دَلِيلِهِ فِي الطَّرِيقِ قَالَ إِمَامُ الخَلْقِ وهَادِي الأئِمَّةِ.