الكلمة الحرّة

بقلم
محمد مرسلي
اصلاح القوانين المؤطرة للعمل السياسي
 حسب ما يرى الفقيه الفرنسي أنّ الأخذ بمبدأ الفصل بين السّلطات يضمن ممارسة و إحترام الحقوق والحرّيات الفرديّة، إذا ما تمّ توزيع السّلطات على ثلاث هيئات: تكون السّلطة التّشريعية بيد الشّعب أو ممثّليه ، تكون السّلطة التنفيذية بيد ملك قويّ، وتسند السلطة القضائية إلى هيئة مستقلّة .
و في كلّ الأحوال، فإنّ مبدأ الفصل بين السّلطات  يضمن حماية حقوق وحريات الأفراد في وجه تعسّف السّلطة، وهو مقياس لمدى ديمقراطيّة النّظام واحترامه لمبادئ العدالة والمساواة في المجتمع. 
ولعلّ الأحداث والتّطورات الأخيرة التي عرفها العالم عامّة والدول العربية خاصّة، جعلت أنظمة الحكم تقوم على أساس الفلسفة اللّيبرالية ، التي ترتكز على فكرة إحترام الحقوق والحرّيات الأساسيّة الفرديّة والجماعية، والتي نادت بها مختلف المواثيق والإعلانات الدّولية . الأمر الذي دفع الدّول إلى إعادة صياغة تشريعاتها الدّاخلية بما يتماشى معها، و يأتي في مقدّمة هذه التّشريعات الدّستور(1).
ونظرا لإدراك المؤسّس الدّستوري أهمّية مراجعة الأنظمة الدّستورية لصيانة المنظومة القانونيّة داخل الدولة وحماية للدّستور، وتحقيقا للحكم الرّاشد سارعت الدّول الغربيّة بالقيام بعملية الإصلاحات الدّستورية  والتي تقوم على أساس الأنظمة الفردّية من تعدّدية حزبية وحرية التعبير وحرية الصحافة(2)   واستقلالية القضاء(3) وحرّية اختيار ممثّلي الشّعب في المجالس البرلمانيّة والمحلية(4). أمّا الدّولة النّامية فهي لا تراه طريقا كافيا لحلّ مشاكلها خاصّة المتعلّقة بالتّنمية، ومحاربة البطالة والفقر، بما في ذلك الدّولة العربيّة والإسلامية التي لها ماض حضاري عريق يزخز بقيم التّشاور والديمقراطية .
غير أنّ تطبيق هذه المفاهيم يمكن أن تأخذ أبعادا مختلفة من دولة إلى أخرى، حسب ظروفها وطبيعة بنيتها السّياسية وخصوصيات المجتمع المدني لكل دولة.
وعلى هذا الأساس، فإنّ عمليّة إصلاح الأنظمة الدّستورية ينبغي أن تندرج في إطار ديمقراطية الحياة الوطنيّة بشكل يربط الثّقة والتّلاحم بين الحكّام وشعوبها، ويساعد على دفع عجلة التّنمية من خلال الرّقابة الشّعبية أو ما يعرف بالرّأي العام بواسطة المؤسّسات المنتخبة وطنيّا ومحلّيا .   
يظلّ المبدأ العام المتعلّق بحرّية اختيار الشّعب لممثّليه وحياد الإدارة مجرّد وحقّ نظريّ غير مطبّق في الواقع العملي، ما لم يتبنّ القانون العادي آليات قانونيّة لتجسيد هذا المبدأ في الميدان .
ويتعلق الأمر أيضا بقانون الإنتخابات التي يجب أن يحمل في طيّاته حرّية الأفراد في التّرشح وفقا لشروط واضحة وميسرة، بعيدة عن أيّ تعجيز أو إقصاء لفئة أو مجموعة، ويجب على القانون أن يكرّس مبدأ المساواة في تولّي الوظائف عن طريق الإنتخاب. فالمبدأ العام لكلّ مواطن الحقّ في أن يكون ناخبا أو منتخبا بصفة حرّة مستقلة، أو ضمن قائمة حزبيّة(5).
ويجب أن تلتزم الإدارة بالحياد إزاء العمليّة الإنتخابية لأنّها عبارة عن منافسة سياسيّة بين أحزاب، تتسابق  للوصول إلى السّلطة، ويقتصر دور الإدارة على التّأطير المادّي للعمليّة الإنتخابيّة في شفافيّة تامّة وتحت رقابة الأحزاب والمترشّحين، والرأي العام، وأمام القضاء في حالات طعن في قرارات الإدارة الرّامية إلى رفض ترشّح حزب أو فرد أو طلب مراجعة أو الفساد الكلّي أو الجزئي لنتائج الإنتخابات أمام القضاء الإداري أو الدّستوري(6) .
فنزاهة الإنتخابات مسألة حيويّة، وإنّ نظرية سيادة الشّعب تفترض إحترام إرادة النّاخبين فيما إختاروه من ممثّلين على أن يتمّ التّصويت سرّا، ولكن فرز  الأصوات يتمّ بشكل علني يسمح للجمهور بالمراقبة، وبحضور كل من ممثلي المترشحين والأحزاب وعامة النّاس .
إنّ الإنتخابات الحرّة هي الوسيلة الوحيدة لإختيار الحكام، فالشّعب هو مصدر السّلطة، يمارسها عن طريق الإستفتاء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، عن طريق المؤسّسات التي ينتخبها ويختارها لنفسه(7)، سواء عن طريق نظام الأغلبيّة أو النظام النّسبي(8).    
ولا يتصوّر وجود نظام ديمقراطي حقيقي بدون وجود تعدّدية حزبية. هذا الأمر دفع الكثير من الدّول خاصّة العربيّة منها إلى تبنّي إصلاح سياسي في هذه الجزئيّة بإعتناق التّعددية الحزبيّة، مع مراعاة كلّ بلد وخصوصياته(9) .
ولنظام تعدّد الأحزاب مزايا وعيوب، فينبغي تدعيم المزايا لدعم الدّيمقراطية والتقليص من النقـائص والحدّ من آثارها السّلبية وذلك عن طريق إصلاح قوانين الأحزاب السّياسية بالنّص على آليات تضمن التّسيير الدّيمقراطي داخل الحزب وتداول السّلطة فيه، ووضع وسائل لحلّ الخلافات الحزبية، والنّص على ضمانات قضائيّة لحماية النّشاط الحزبي من تعسّف الإدارة ومنح الأحزاب السّياسية الحقّ في إصدار نشرّيات وجرائد في حدود ما يسمح به قانون الإعلام(10) وجعل حلّ الأحزاب ووقف نشـاطها وغلق مقرّاتها وحجز أو مصادرة أي مطبوع لا يتمّ إلاّ بحكم قضائي، شريطة أن تكون هذه الأحزاب شرعيّة ومعتمدة وفقا للقانون وشريطة أن لا تتسبّب بإخلال النظام العامّ في الدّولة، وأن لا تخضع لتبعية مؤسّسات أجنبية، وأن لا تلجأ إلى العنف أو إلى الطّائفية الدّينية أو اللّغوية أو العرقيّة، وكذا عدم المساس بالثّوابت الوطنية ...الخ .
ولا يقتصر الأمر على الأحزاب السّياسية والإنتخابات، إنّما يتعدّاها ليشمل النّظام الإعلامي بما يجسّد المبادئ الدّستورية المتعلّقة بحريّة التّعبير، وذلك من خلال الإعتماد على صحافة حرّة(11) لا تخرج عن إطار القانون وعن ثوابت الأمّة والمصلحة العليا للبلاد .
ينبغي على المؤسّس الدّستوري عند دراسته للرّقابة الدّستورية بمختلف أنواعها معالجة نصوص دقيقة وواضحة تُشعر أصحاب السّلطة بضرورة إحترام الدّستور كدرجة أولى، وتنبههم بأنّ اختراقهم لمجال حرّيات الأفراد يؤدّي حتما إلى جزاءات يوقّعها المجلس الدّستوري بكلّ إستقلالية لمواجهة تلك النّصوص المخالفة للقانون .
وهذا لا يتمّ إلاّ بتعديل القوانين المؤطّرة للنّشاط السّياسي بما فيها القوانين المتعلّقة بالنظام الإعلامي. وما يجسّده من تحقيق لمبدأ حرّية التعبير، في إطار القانون وما تقتضيه من محافظة على ثوابت الأمّة والمصالح العليا للدّولة.
ويتعين أيضا مراجعة النصوص المتعلّقة بالأحزاب السّياسية والجمعيّات، والتي تؤطّر نشاط المجتمع المدني، الذي أصبح أداة رئيسيّة في المجتمعات المعاصرة في محلّية المشاركة الدّيمقراطية، مكمّلا عمل البرلمانات والهيئات التمثيلية الأخرى، فالدّيمقراطية التّمثيلية تقوم على أساس إستشارة الجمعيّات والخلايا الجوارية ، وغيرها من التّنظيمات المتّصلة بالنّشاط الإجتماعي في الدّولة .
الهوامش
(1) شيهوب مسعود، مقاربة حول آليات الإصلاح السياسي في العالم العربي، مجلة الفكر البرلماني،العدد 21، 2008 ، ص 63.
(2) تختلف مدى حرية الإعلام من دولة إلى أخرى فحرية الإعلام تختلف عن ما هو عليه في أمريكا .
(3) في أمريكا ينتخب القضاة أما في أوروبا يعينون .
(4) تختلف أنظمة الإنتخابات من دولة إلى أخرى (إنتخابات نسبية، إنتخابات بالأغلبية، إنتخاب كلي أو جزئي وكذلك إنتخاب غرفة تشريعية واحدة أو غرفتين . 
(5) سعيد بو الشعير ، القانون الدستوري و النظم السياسة المقارنة، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2010، ص 103. 
(6) المنازعات المتعلّقة بنتائج الإنتخابات التّشريعية والرئاسية من إختصاص المجلس الدّستوري طبقا لنصّ المادّة 166، 167 من القانون العضوي رقم 12-01 المؤرخ في 12يناير/ جانفي 2012 المتعلّق بنظام الإنتخابات ، الجريدة الرّسمية رقم 01 المؤرخة في 14 يناير/ جانفي 2012. 
(7) مسعود شيهوب ، مقاربة حول آليات الإصلاح السّياسي في العالم العربي، ص 77.
(8)  لكل نظام مزايا وعيوب إلاّ أنّ عيوب النّظام الأغلبية هو صورة الدّيكتاتورية الحزب الحاكم وأهم عيوب النّظام النّسبي هو عدم إستقرار الحكومة المنبثقة من التّحالفات. 
(9) بوضياف محمد، الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في الجزائر، دار المجدد، سطيف، 2010، ص 52.
(10) قانون رقم 12-05 المؤرخ في 12 يناير/جانفي 2012 المتعلق بقانون الإعلام ، الجريدة الرّسمية رقم 02 المؤرخة في 15/01/2012.
(11) يطلق على الصحافة إسم السلطة الرابعة، كسلطة مضافة إلى السلطات الثلاث السابق ذكرها .