الإفتتاحية

بقلم
التحرير الإصلاح
الإفتتاحية
 ثلاثة عوامل أساسية تقف حاجزا أمام انتهاء مأساة العرب والمسلمين وتعيق كلّ محاولات نهوضهم وتدفعهم دفعا إلى مزيد من التخلّف والتناحر والانقسام،  العامل الخارجي بما له من وزن وتأثير من خلال النشاط المخابراتي للقوى الدوليّة المعادية للاستفاقة العربيّة ودعمها لأطراف الردّة بالمال والعتاد والنصيحة والعامل الدّاخلي المتكون من عنصرين أولهما سياسة النعامة التي ينتهجها الحكّام ورجال السياسة بما فيهم القوى الجديدة الصاعدة بعد الثورات العربيّة  وثانيهما - وهو الأهمّ - تجاهل المسألة الثقافية وعدم اعتبارها أولويّة الأولويات. ولقد حذرنا مرارا وتكرارا - ومازلنا نفعل - من هذا التجاهل ورفعنا شعار «الإصلاح الثقافي أولا» لكن لا حياة لمن تنادي.
وإذا كانت أبواق السياسيين أكثر عددا وأعلى صوتا من أبواق المثقفين، وإذا كان «المثقف المصلح» عملة نادرة هذه الأيام، وهو محاصر من كلّ جانب  فإنّ ذلك لن يثنينا عن مواصلة رفع شعار «الإصلاح الثقافي أوّلا» والعمل على تحقيقه على أرض الواقع. إصلاح يهدف إلى تغيير عميق في ثقافة  الشعوب العربيّة، يرفع من منسوب الأمل في النهوض لديها ويزيد من إيمانها بقدراتها وحبّها للانعتاق والحرية وطموحها اللامحدود في العيش بكرامة. 
إنّ من يعتقد أن هذه الشعوب جاهلة وأنها سبب البليّة وأن إصلاحها والنهوض بها لا يتمّ إلا عبر الإمساك بزمام السّلطة والاختصاص في السياسة فليتبوأ مقعده ضمن الخاسرين الفاشلين. لقد جرّبت النخب منذ عقود التغيير انطلاقا من الأعلى واستهداف رأس السلطة والتعويل على قوة الدولة أكثر من الاهتمام بتطوير المجتمع وإصلاح ثقافته، فكانت النتائج دكتاتوريات متنوعة وتبعيّة مقيتة لقوى الاستبداد العالمي. 
الحلّ ليس في الفوز بكراسي الحكم أو اقتسامها، فما الفائدة من حكم بدون سلطة وما قيمة أن تكون ربّان السفينة والمقود ليس بيدك بل بيد غيرك يرسم لك الطريق ويفرض عليك إتباعه. الحلّ يبدأ بمراجعة عميقة لمنهج التغيير والعمل على تثوير ثقافة المجتمع ليحصل التغيير من خلال الناس. ولا يمكن أن يتحقّق ذلك في ظلّ انعدام الثقة بين النخبة والجماهير ولكي نبني هذه الثّقة فإننا لسنا في حاجة إلى سياسيين ومثقفين يجيدون فنّ المناورة والخطابة ورفع الشعارات الرنّانة بل إلى رجال يجمعون الثقافة بالسياسة، يعيشون ضمن الناس، يقاسمونهم همومهم ويتبنون مطالبهم ويصدعون بالحق ولو على أنفسهم ويعيدون الاعتبار لقيم العمل الطوعي والتضحية بمصالحهم من أجل الصالح العام. إنّنا في حاجة إلى «المثقف المصلح» ذلك الذي من خلال أعماله وإبداعاته ونضالاته يحوّل أفكاره المنبثقة من معاناة المجتمع ومضامين الواقع إلى برامج ومشاريع واقعيّة بعيدا عن المخيال الإيديولوجي الذي يحكم جزءً كبيرا من النخبة الحالية.
ولأن الهيمنة الثقافية هي المدخل الرئيسي للهيمنة الاقتصاديّة والسّياسيّة فإن هذا المثقف يجب أن يعي أن المعركة الحقيقية هي ثقافية بالأساس وأن مدارها يشمل الصراع على الأجهزة الثقافية (مؤسسات التعليم، المساجد، المسرح، المهرجانات،الإعلام،...الخ) وليس صراعا على الجهاز السياسي للدولة لأنه عبر هذه الأجهزة فقط يمكن إصلاح ثقافة الجماهير وتغيير ما بأنفسهم ليتحولوا إلى قوّة ضاربة وسند قويّ لطلائع التغيير وعندها فقط ستقطف الشعوب العربيّة وهي واعية ثمرات ثوراتها  ويحدث التغيير المنشود  «إن الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم» صدق الله العظيم.
وفي الختام ، يجب أن لا تنسينا المآسي والأحداث التي نعيشها كل يوم في ربوع بلادنا العربية حلول شهر رمضان المعظّم لسنة 1437 هـ. وبهذه المناسبة نتوجّه إلى جميع قراء مجلة «الإصلاح» وكل التونسيين والعرب والمسلمين بأحر التهاني وأطيب الأمنيات راجين من الله العلي القدير أن يعيننا على صوم أيام هذا الشهر المبارك وعلى قيام لياليه في الطاعة والتقرب إلى ربّ العالمين ، آملين أن يساهم حلول هذا الشهر في زحزحة حال الأمّة نحو الأفضل وأن يرفع من منسوب المحبّة والتعاون في قلوب أبنائها ويبعدهم عن دوامة التباغض والتناحر وأن ينير طريقهم ويرشدهم إلى مخرج من نفق الظلم والظلام .
رئيس التحرير