شخصيات

بقلم
محمد العشّي
عبد العزيز الثعالبي: الزعيم المنسي
 لقد كان لشخصيّة عبد العزيز الثعالبي (1876-1944) المناضل السياسي والمصلح الديني والمجدّد الفكري والخطيب البارع والصحفي النابه، أبرز الأثر في التاريخ المحلي التونسي  والقومي العربي وفي الامتداد الإسلامي من المغرب إلى تخوم الصّين خلال عقديْ العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي. غير أنّ هذه الشخصيّة أهملت في الفترة البورقيبيّة في تونس لأنّ بورقيبة لم يكن يسمح أن يشاطره أحد في الزعامة. و لم يتجدّد الاهتمام بها إلاّ في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي حيث بدأت كتاباته تُطبع ويطّلع عليها الناس وبدأت تدريجيّا خطوات إعادة الاعتبار لهذا الزعيم وإيلائه المكانة التي يستحقّها. ومن مآثره:            
على المستوى المحلي
- كان من المؤسّسين الأوائل لفنّ الصحافة في تونس، فقد أسّس بمفرده جريدة «سبيل الرّشاد» الأسبوعيّة سنة 1895 وهو في سنّ التاسعة عشر، دعا فيها إلى التجديد والتطوّر في إطار ثوابت العروبة والإسلام. وترأس سنة 1909 جريدة «التونسي» الناطقة باسم أوّل حركة سياسيّة مناهضة لسياسة الاستعمار في تاريخ تونس الحديث وهي حركة الشباب التونسي. وساند من خلال تلك الصحيفة كلّ مطالب الشّعب وكلّ تحرّكاته الميدانيّة في إطار مقاومة المستعمر. وأسّس سنة 1911 جريدة «الاتحاد الإسلامي» أدان فيها الغزو الإيطالي لليبيا ودعا إلى المقاومة وأشرف منذ سنة 1921 على مجلّة الفجر الناطقة باسم الحزب الوطني الناشئ «الحزب الحرّ الدستوري التونسي» وكتب بانتظام في جريدة «الإرادة» بعد عودته النهائيّة إلى تونس (1937-1944).
- مثّل أحد دعاة التجديد الفكري والإصلاح الديني في تونس امتدادا لأفكار الوزير المصلح «خير الدين التونسي» وتفاعلا مع مدرسة الإصلاح المشرقيّة التي تزعّمها «جمال الدين الأفغاني» و«محمد عبده». وقد عرّضه ذلك إلى هجمات المتزمّتين وأصحاب الطرق الصوفيّة المتواطئين مع سلطة الاستعمار الفرنسي ممّا أدّى به إلى المحاكمة والسجن سنة 1904. وقد عبّر عن أفكاره التجديديّة بعد ذلك في كتاب صدر له في ترجمة فرنسيّة سنة 1905 وهو بعنوان: «روح التحرّر في القرآن». وشملت مواقفه التجديديّة الدعوة إلى تعليم المرأة وتمكينها من حريّة التنقّل والمشاركة في تنمية المجتمع وتحرير العقيدة من بعض بدع الطرق الصوفيّة والدعوة إلى حريّة الفكر والتسامح بين الأديان...
- مثّل الشعب التونسي في مؤتمر فرساي المنعقد في باريس بعد الحرب العالميّة الأولى (1919) وقدّم مطالبه بعد أن ضمّنها كتابا بعنوان « تونس الشهيدة، مطالبها»فكان شبيها بالزعيم الوطني المصري «سعد زغلول». وقد سُجن من قبل سلطة الاحتلال الفرنسي إثر رواج كتابه بتهمة التآمر على أمن الدّولة الفرنسيّة في جويلية (يوليو) 1920 وأطلق سراحه بعد ضغط شعبي في ماي (مايو) 1921.
- ترأّس أوّل حزب سياسي تونسي منظّم ذي امتداد جماهيري في كامل تراب البلاد التونسيّة وله برنامج سياسي واضح في تسع نقاط تضمّنت حقوق التونسيّين في دستور ينظّم السّلط و برلمان يحاسب الحكومة وتعليم إجباري... وهو «الحزب الحرّ الدستوري التونسي» الذي تأسّس سنة 1920 وظلّ الثعالبي يتولّى إدارته مباشرة إلى أن دُفع إلى مغادرة تونس سنة 1923.
- سعى عند عودته إلى تونس سنة 1937 إلى توحيد الصفّ الوطني الذي عرف انقساما حادّا في فترة غيابه.
على المستوى العربي و الإسلامي
سافر الثعالبي مرّات عديدة خارج تونس(1896-1902) (1912-1914) (1923-1937) وكان في كلّ سفرة يربط علاقات وطيدة مع عدد من الزعماء الإصلاحيين مثل الكواكبي ورشيد رضا وأمين الحسيني وغيرهم. وإذا كان في رحلاته الأولى قد عُرف بصفة الصحفي النّشيط والوطني الغيور، فإنّه في رحلته الأخيرة قد توجّه إلى الشّرق في صورة الزّعيم السّياسي المناضل ورمز الحركة الوطنيّة التونسيّة، فكان يجد التّرحاب حيثما حلّ. ولعلّ أهمّ مآثره خلال إقامته المطوّلة بالشرق (قضّى أغلبها بين العراق ومصر) :
-السعي عام 1924 إلى توحيد اليمن وإلى تحرير جزئها الجنوبي من هيمنة الاحتلال الانجليزي. والتدخّل بين الإمام «يحيى حميد الدين» حاكم اليمن الشمالي والملك «عبد العزيز آل سعود» لتجنّب اندلاع الحرب بينهما بسبب خلافات على الحدود. وقد تمكّن فعلا من تحقيق التهدئة بين الطرفين.
-  المشاركة الفاعلة في إنجاز المؤتمر الإسلامي بالقدس سنة 1931. حيث كان الثعالبي من أكثر المتنبّهين إلى الخطر الصهيوني المتربّص بفلسطين وكتب العديد من المقالات في ذلك الاتجاه. وكان من أشدّ المتحمّسين إلى تكوين جبهة إسلاميّة عالميّة مضادّة للجبهة الصهيونيّة التي قويت بعد وعد بلفور. لذلك شارك مع مفتي القدس الشيخ أمين الحسيني في ترتيبات المؤتمر، واختير عضوا في لجنته التنفيذيّة التي تضمّ 25 عضوا وفي مكتبه الدائم الذي يضمّ سبعة أعضاء. وكان من الفاعلين في أشغال المؤتمر وفي إعداد القرارات والتوصيات التي تمخّضت عنه.
- توجيه أنظار العالم الإسلامي وخاصّة الأزهر الشريف إلى ضرورة الاهتمام بالمسلمين في شبه القارّة الهنديّة ودعم وحدتهم وجهودهم من أجل الاستقلال عن بريطانيا والكشف عن مناورات الهندوس بما في ذلك الزعيم التاريخي للهند «غاندي» الذي التقاه الثعالبي سنة 1925 وحاوره لمدّة ستّ ساعات. كما نبّه إلى وضع طبقة المنبوذين وبيّن إمكانيّات تحوّلهم إلى الإسلام والعوائق التي تحول دون ذلك.
- يعتبر الثعالبي من أوائل الذين دعوا إلى الوحدة العربيّة ومهّدوا السبيل إلى تكوين جامعة الدول العربيّة. وله في ذلك المعنى مقالات عديدة لا سيّما في مجلّة «الرابطة العربيّة».
ممّا قيل في الثعالبي
- الأستاذ محمد زكي باشا:«الأستاذ الثعالبي أمّة جامعة، فلقد كنت من أشدّ النّاس إعجابا بذكائه الباهر وفصاحة لسانه وسعة اطلاعه وغزارة علمه وفرط حميّته الإسلاميّة ... كلّ ذلك في تواضع وأدب وحياء وبُعد عن الإدّعاء والكبر...» 
-عبد الحميد بن باديس:«عبدالعزيز الثعالبي..هكذا أذكره، دون لقب أوصفة. فإنّ هذا الإسم لم يَبْق عَلَمًا على ذاتٍ مشخّصة، تحتاج إلى صفاتها وألقابها، بل صار في أذهان الناس عَلَمًا على الرجولة والبطولة والزعامة، وعلى التفكير والعمل والتضحية، وعلى الإسلام والشرق والعروبة،... فإذا قُلتَ محمد عبد العزيز الثعالبي قلتَ هذا كلّه».
ما طبع من مؤلفات الثعالبي: (يبن 1984 و 1999)  
- تونس الشهيدة
- روح التحرّر في القرآن
- محاضرات في تاريخ المذاهب والأديان
- خلفيّات المؤتمر الإسلامي بالقدس
- محاضرات في التفكير الإسلامي والفلسفة
- معجز محمد صلى الله عليه وسلّم (سيرة نبويّة في جزأين)
- سقوط الدولة الأمويّة
- الرحلة اليمنيّة
- تاريخ المذاهب والأديان
- مسألة المنبوذين في الهند
- تاريخ شمال إفريقيا