وجهة نظر

بقلم
د.نوفل سعيّد
في أسباب الأزمة أصل الأزمة الساسية و الاجتماعية الراهنة
 أصل الأزمة الساسية والاجتماعية التي نعيشها اليوم في تونس تكمن في كون المجتمع لم يعد يقبل / يستطيع أن يستثمر نفسه (يعيد انتاج نفسه) ضمن المنظومة القيمية القائمة. 
أسباب هذا العجز متعددة:
(1)
المراهنة طيلة عقود طويلة على الدّولة الحديثة بشكل كلّي  باعتبارها آداة ساهرة على قيادة المشروع الوطني وعلى تحقيق الاندماج الاجتماعي بما يعنيه ذلك من تقليص واسع النّطاق للمنظومات القيمية الأهلية.
(2)
مصدر هذه المراهنة هو تأسيس الشرعية الوطنية لا على شرعية الأصول- العبارة لكارل دويتش-(مسك الحاكم للسلطة بناء على أحكام سابقة الوضع كالدستور) وإنّما على شرعية الكاريزما والنضال التحريري ( بورقيبة).     
(3)
مع مرور الزمن تبين عجز الدّولة عن القيام بالأدوارالقياديّة التي أسندتها لنفسها ممّا أدّى الى تآكل منسوبها الرّمزي لدى الجماهير التي أضحت تطالب بشرعيّة جديدة هي شرعيّة الإنجاز بدلا عن شرعية الأصول وتزامن هذه  المطالبة مع تآكل الدور الاقتصادي القيادي للدّولة لصالح الرّأسمال المحلّي المنشغل أساسا بالرّبح بدلا عن التوزيع العادل للثروة.  
(4)
انخراط الدّولة الحديثة في مشاريع تنمويّة مملاة من الخارج ( الإصلاح الهيكلي ) لا تخدم بالضّرورة الاحتياجــات الوطنيــة أدّى في جملــة ما أدى إليه الى تهميش قطاعات شعبيّة واسعة وساهم بشكل فعّال في تآكل مخزون الدّولة الرّمزي كأداة محقّقة للإندماج الاجتماعي بل أصبحت معه الدّولة تعني لدى الكثيرين آلة كبيرة تنتج الإقصاء (أنظر مثلا فشل المنظومة التّربوية في تحقيق الصّعود الاجتماعي بعد أن كانت القاطرة التى تحقّق هذا الصّعود).
بالتبعية أصبحت الدولة في عيون الكثيرين عبئا على نفسها وعلى المجتمع.   
(5)
بالموازاة مع الشّعور بالتهميش، أدى عجز الدّولة  في قيمامها بدورها الٌاقتصادي الإدماجي وضمور دور المنظومات القيميّة الأهليّة عن القيام بهذا الدّور- في حدود نطاقها- نشأ شعورعميق  من نوع آخر لدى  قطاعات واسعة من المواطنين يتمثّل في فقدانهم للشّعور بقيمتهم الخاصّة. هذا الشّعور يجد مصدره في ما أسماه الفيلسوف الأميركي رولز «بالأساس الاجتماعي لاحترام الذات»( انظر منسوب العدوانيّة العالي الذي يشهده الشّارع التّونسي مثلا) الذي يسمح للمواطن بالتشبّع بالشّعور بقيمته الخاصّة كجزء من كيان اجتماعي واسع يسعي الى تحقيق مفهوم مشترك للخير جدير بأن يسعى جميع المواطنين كلّ بحسب موقعه الى تحقيقه. 
أليست العدوانية في أصلها  و مصدرها مؤشّرا على غياب الأساس الاجتماعي لاحترام الذّات بما يعنيه  هذا من غياب للشّعور بضرورة مساهمة الجميع في مشروع اجتماعي مشترك يقوم على السّعي الجماعي لتحقيق الخيرالعميم لكل الأفراد؟. أليست اللامبالاة بالآخر وعدم الاكتراث بإلحاق الضرر به – التي نشعر بها اليوم بشكل حادّ –دليلا على هذا الغياب- غياب اعتراف – بحسب عبارة المفكرالألماني اكسال هونيث-المواطن ببقية المواطنين كشركاء أكفاء جديرين بالاحترام باعتبارهم يسعون جميعا لتحقيق الخير العام.