شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
الشهيد أبو جهاد اغتيال البندقية
 في فجر السادس عشر من شهر أفريل من سنة 1988 تحركت عصابة من الموساد ضمت 26 فردا من بينهم وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي الحالي موشي يعالون وتسللت بواسطة زوارق مطاطية إلى شاطئ رواد بالعاصمة تونس وتوجهت إلى منزله فقتلت الحراس واقتحمت غرفته لتسكن في جسده النابض بفلسطين وقدسها سبعين رصاصة كاملة فاستشهد على الفور. إنه الشهيد البطل «خليل الوزير» المعروف بأبي جهاد الذي اغتالته يد الغدر منذ 28 سنة وهو يبلغ من العمر 52 عاما فغادرنا تاركا وراءه تاريخا طويلا من النضال والمقاومة. ليتحول إلى رمز حيّا في قلوب الفلسطينيين والعرب المناضلين على مرّ الأجيال. 
ولد خليل إبراهيم محمود الوزير «أبو جهاد» في العاشر من أكتوبر من عام 1935 بمدينة الرملة وهي من أكبر وأقدم مدن فلسطين التاريخية. ولمّا بلغ من العمر ثلاثة عشر، هُجّر مع عائلته تحت تهديد سلاح عصابات «الهاجانا» الصهيونية في ربيع 1948 وهام على وجه الأرض المغتصبة مع قوافل المهجّرين من مدينة إلى أخرى حتّى استقر به المقام بغزّة. 
لم يكن من السهل على الفتى خليل نسيان منظر الصهاينة وهم يقتلون أبناء شعبه في شوارع الرملة ويهجّرون ما تبقّى من النساء والشيوخ والأطفال فانخرط بسرعة في النضال وكرس نفسه للعمل الفلسطيني المسلح ضد العدو الصهيوني إنطلاقاً من غزة، وانتخب أميناً عاماً لإتحاد الطلبه فيها وفي عام 1956 درس في جامعة الإسكندرية، ثم انتقل إلى السعودية للتدريس فأقام فيها أقل من عام، ومن السعودية توجه إلى الكويت، أين تعرف على ياسر عرفات وشارك معه في تأسيس حركة فتح وأشرف على إدارة مجلة «فلسطيننا» التي تحولت إلى منبر لإستقطاب المنظمات الفلسطينية التي كانت متناثرة في العالم العربي وتوحيدها . وبمجرد استقلال الجزائر في عام 1963م غادر الكويت ليفتتح أول مكتب لحركة فتح في الجزائر وحصل على إذن من السلطات الجزائرية بالسماح لكوادر الحركة بالاشتراك في دورات عسكرية وإقامة معسكر تدريب للفلسطينيين الموجودين على أرضها.
وبعد عامين انقل إلى دمشق حيث أقام مقر القيادة العسكرية، وكلف بالعلاقات مع الخلايا الفدائية داخل فلسطين، كما شارك في حرب 1967م وقام بتوجيه عمليات عسكرية ضد الجيش الصهيوني في منطقة الجليل الأعلى.
وقد تولى بعد ذلك المسؤولية عن القطاع الغربي في حركة فتح، وهو القطاع الذي كان يدير العمليات في الأراضي المحتلة وقاد العمل العسكري داخل الوطن المحتل وأشرف شخصياً على تخطيط وتنفيذ أبرز العمليات النوعية الخاصّة والتي أنزلت بالعدو المحتل خسائر جسيمة. وخلال توليه قيادة هذا القطاع في الفترة من 76 – 1982م عكف على تطوير القدرات القتالية لقوات الثورة. وشارك في قيادة معارك الدفاع عن القضية الفلسطينية والشعب والثورة في جنوب لبنان والبقاع والمخيمات الفلسطينيّة في لبنان كما كان له دور بارز في قيادة معركة الصمود في بيروت عام 1982م والتي استمرت 88 يومًا خلال الغزو الصهيوني للبنان.
غادر بيروت مع ياسر عرفات وبعض القيادات الأخرى لمنظمة التحرير الفلسطينيّة إلى تونس ليواصل نشاطه النضالي من بعيد حيث يعتبر أبو جهاد - رحمه الله – أحد مهندسي الانتفاضة وواحدًا من أشد القادة المتحمسين لها، ومن أقواله: «إن الانتفاضة قرار دائم وممارسة يومية تعكس أصالة شعب فلسطين وتواصله التاريخي المتجدد». ومنها: «لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة». 
تقلد أبو جهاد العديد من المناصب خلال حياته، فكان أحد أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، وعضو المجلس العسكري الأعلى للثورة، وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ونائب القائد العام لقوات الثورة. و هو من القيادات الفلسطينيّة التي تؤمن بالنضال الميداني وترفض فكرة التفاوض مع مغتصب الأرض فكان يقول : «إن مصير الاحتلال يتحدّد على أرض فلسطين وحدها وليس على طاولة المفاوضات». 
كما كان يقول: «لماذا لا نفاوض ونحن نقاتل؟» 
 لهذه الأسباب صدر قرار اغتياله في محاولة من الكيان الصهيوني اطفاء لهيب انتفاضة الشعب الفلسطيني والخروج من مأزقهم الخانق.
ويعتبر أبو جهاد معلما وأبا روحيا لعدد كبير من المناضلين الفلسطينيين، وهو قائد عشاق الكفاح المسلح، وحارس شعلة النضال المقدسة التي أشعلتها بنادق الثوار، وحجارة الأطفال الذين لا يعرف الخوف طريقا إلى قلوبهم، فقد أرسى بتفاصيل حياته ومسيرته النضالية المشرفة، أسس النضال، وترك بصماته الواضحة، وخلق جيلا من المناضلين في المجالات العسكرية والنقابية والأمنية والإعلامية.
لقد جسّدت حياته قصّة شعب بأكمله لم يكن ليهدأ له بال قبل استرجاع أرضه وإقامة دولته على كل فلسطين. فمنذ ولادته إلى استشهاده اجتمعت في شخص أبي جهاد الحالات الفلسطينيّة المختلفة من اللاجئ إلى المهجّر إلى المقاوم إلى الشهيد.
وأفضل ما يمكن أن نصف به الشهيد ما كتبه فيه الشاعر الفلسطيني محمود درويش : 
«لم تذهب لحظة من حياة خليل سدى لقد وزع جسه على كل الخنادق،  وإخترق الحصار تلو الحصار.وها هو الآن يرشّ دمه المتفجّر على مشهد الميلاد العظيم ها هو يرى الجنين في سعادة الولادة الكبرى.. هو هو يتحرر من المنافي التي لا حصر لها ويفرغها على عتبة الوطن.
لمن ندرك حتى هذه اللّحظة، أنّ «خليل الوزير» قد غاب،  فهو الذي يدفع الإنتفاضة الآن على مستوى أعلى من التّصعيد،  وهو الذي يحرّك في الواقع الملتهب،  هنا وهناك، سبق الساعات التي تسبق النّصر.  
ولكننا كنا ندرك، دائما أنه أكثر من مبنى وأوسع من مؤسسة. انه أفق في رجل في كل واحد منا أثر فيه. وفيه موسوعة البلاد: أسماء الناس، وأسماء البنات. وأسماء الجماد، كان يحفظ الوطن ويتلوه بتدفق التفاصيل كما يحفظ الطالب درسه الأول.
ولا مكان لمكانه.. أنه منتشر كالأنهار التي تعرف مصبها ولا تعرف ضفافها. وهو رمز لكل ما هو حيوي في حياتنا المحرومة من إنضباط التقاليد. إلى هذا الحد يصل به الزهد: إلى حد حرمان نفسه من لذة المشاركة في النصر.
لم نفتقده بعد، لأنه لا يزال بيننا، ومعنا وحارسا لحدود الحلم.. سنفتقده أكثر هناك..  حين نهنئ بعضنا البعض بالنّصر، ولن نجده بيننا
هناك... أمام الشجرة التي غرسها، وتحت الراية التي رفعها،  هناك.. سيختلط العيد بالحداد،  هناك... سنبكي عليه أكثر؟
هناك... سنذوق مرارة الحرية؟ 
هناك... سنجهش: أين أبو جهاد؟».