مشاغبات

بقلم
الحبيب بلقاسم
لمَ السبابُ أيها الشبابُ ؟؟؟
 يَحُزُّ فِي النَّفْسِ، ويَهُزُّهَا هَزًّا، ثُمَّ يَؤُزُّهَا أزًّا، أنْ تَطَّلِعَ عَلَى جُمْلَةٍ رَسَمَ أسْطُرَهَا وخَطَّ أحْرُفَهَا، تِلْمِيذٌ فِي المَدْرَسَةِ الاِبْتِدَائِيَّةِ، فَإِذَا هِيَ تَحْمِلُ أثْقَالًا وقَنَاطِيرَ مِنَ السَّخَافَاتِ والخَطِيئَاتِ والاِعْوِجَاجَاتِ، نَحْوًا وصَرْفًا وتَرْكِيبًا وأسْلُوبًا وخَطًّا وتَعْبِيرًا، لَكِنَّكَ تَعْجَبُ عَجِيبَ العَجَبِ وتَذْهَلُ عَظِيمَ الذُّهُولِ، لَحْظَةَ تَخْرَقُ سَمْعَكَ مُفْرَدَاتٌ يَجْهَرُ بِذِكْرِهَا، ومَلَافِظُ يَصْدَعُ بِعَرْضِهَا، مُفْرَدَاتٌ بَذِيئَاتٌ مُبْتَذَلَاتٌ فَظِيعَاتٌ، ومَلَافِظُ للْحَيَاءِ مُنَافِيَاتٌ وللْفَضِيلَةِ مُجَافِيَاتٌ، حَقًّا إِنَّ الدَّهْشَةَ العَارِمَةَ لَتَسْتَوْلِي وتَسْتَحْوِذُ عَلَيْكَ لَمَّا تَتَقَحَّمُ غُرْفَةَ ذَاكِرَتِكَ هَذِهِ السُّيُولُ العَادِيَةُ مِنْ ألْفَاظِ السَّفَاهَةِ وأقْوَالِ التَّفَاهَةِ، حَقًّا إِنَّ الطِّفْلَ مَوْسُوعَةٌ، وإِنَّ مَعَارِفَهُ فِي هَذَا المَيْدَانِ وَاسِعَةٌ غَزِيرَةٌ، ومَحْفُوظَاتِهِ لِمَلْفُوظَاتِهَا مَتِينَةٌ كَثِيرَةٌ، ولِمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى قَوَامِيسِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، أُنْبِئُهُ أنَّ جُلَّ مُفْرَدَاتِ السَّفَاهَةِ والبَذَاءَةِ، الدَّائِرَةَ عَلَى ألْسُنِ فِتْيَتِنَا وشَبِيبَتِنَا ونَاشِئَتِنَا، المَنْطُوقَ بِهَا جَهْرَةً بُكْرَةً وأصِيلًا، فِي شَعْبَانَ وفِي رَمَضَانَ، فِي السُّوقِ والشَّارِعِ والبَيْتِ والمَدْرَسَةِ والحَافِلَةِ وقُرْبَ المَسْجِدِ وحَذْوَ المَعْهَدِ، أنَّ جُلَّ هَذِهِ المُفْرَدَاتِ، ولَرُبُّمَا كُلَّهَا، عَرَبِيَّةٌ فَصِيحَةٌ دُوِّنَتْ فِي المَعَاجِمِ والمَرَاجِعِ، فَمِنْ أيْنَ لَهُمْ هَذِهِ المَعَارِفُ، وهَذِهِ المَعَازِفُ، مَنْ أجْرَى عَلَى ألْسِنَتِهِمْ هَذِهِ الكَلِمَاتِ البَذِيئَةَ، ومِنْ أيْنَ لَهُمْ هَذِهِ القُدْرَةُ الفَائِقَةُ عَلَى هَذَا الحِفْظِ لِهَذَا اللَّفْظِ، ومَا لَهُمْ لَا يُحْسِنُونَ كِتَابَةَ نَصٍّ جَيِّدٍ أوْ جُمْلَةٍ جَمِيلَةٍ، وكَيْفَ يَجْهَلُونَ سِيرَةَ خَاتَمِ الأنْبِيَاءِ، وسِيَرَ السَّادَةِ الخُلَفَاءِ، والصَّحَابَةِ الحُنَفَاءِ، وقَادَةِ الغَزَوَاتِ العُظَمَاءِ، وسَادَةَ الأمَّةِ العُلَمَاءِ ؟؟؟
والَّذِي لَا إِلَاهَ إِلَّا هُوَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ والأرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، إِنَّ القَلْبَ لَيَنْفَطِرُ، وإِنَّ النَّفْسَ لَتَنْكَدِرُ، وإِنَّ الفُؤَادَ لَيَكَادُ يَنْفَجِرُ، عِنْدَمَا تُنْبِئُهُ التَّقَارِيرُ، وتُعْلِمُهُ التَّذَاكِيرُ، أنَّ بِلَادَنَا مُحْتَلَّةٌ المَرَاتِبَ الأُوَلَ، وبَالِغَةٌ الدَّرَجَاتِ العُلَى، وسَامِيَ الذُّرَى، فِي كُلِّ مَا هُوَ مُضِرٌّ بِالصِّحَّةِ، صِحَّةِ الأخْلَاقِ والدِّينِ والقِيَمِ، فِي الفَسَادِ والسِّفَادِ، فِي العُزْبَةِ والطَّلَاقِ، فِي الخِيَانَةِ والفِرَاقِ، فِي المُخَدِّرَاتِ والمُكَدِّرَاتِ، فِي المُسْكِرَاتِ والمُنْكَرَاتِ، فِي التَّبَرُّجِ والتَّغَنُّجِ، وفِي السَّفَاهَةِ والسِّبَابِ، ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ سَنَةٍ خَلَتْ كُنْتُ فَكَّرْتُ فِي كِتَابَةِ مَقَالٍ عَنْ هَذِهِ المُعْضِلَةِ، يَتَضَمَّنُ مُقْتَرَحًا بِمُعَاقَبَةِ المُجَاهِرِينَ بِالمَلَافِظِ المُخِلَّةِ بِالحَيَاءِ المُنَافِيَةِ للْأخْلَاقِ الحَمِيدَةِ، وكِدْتُ أفْعَلُهَا لَولَا قَبَسٌ أضَاءَ فِكْرِي، لَوْلَا سُؤَالٌ أُلْقِيَ إِلَيَّ يَقُولُ فَحْوَاهُ: مَنْ يَا تُرَى قَائِمٌ بِهَذَا الفِعْلِ، وقَابِضٌ عَلَى فَاعِلِهِ، ووَاعِظُهُ بِالقَوْلِ والفِعْلِ، بِالدَّرْسِ والأسْوَةِ، عَسَاهُ يَنْتَصِحُ ويَتَّعِظُ، ويَرْتَدِعُ ويُقْلِعُ، جَلَسْتُ أتَأمَّلُ مُتَالِّمًا، فَأدْرَكْتُ وأيْقَنْتُ أنَّ الجَمِيعَ وَاقِعٌ فِي المُسْتَنْقَعِ، وهَاوٍ فِي الأخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الوَقُودِ، مَا سَلِمَ مِنَ الوَبَاءِ أحَدٌ، ومَا نَجَا مِنَ الدَّاءِ نَفَرٌ، إِلَّا عِبَادُ اللَّهِ المُخْلَصُونَ، الأخْيَارُ المُصْطَفَوْنَ، حَدِيثُ السُّوءِ وسَبُّ رَبِّ العَالَمِينَ ودِينِهِ المُسْتَقِيمِ، فِي الأرْجَاءِ مُنْتَشِرٌ، وفِي الأنْحَاءِ مُشْتَهَرٌ، جِىءْ ذَاكَ الَّذِي اُعْتُقِلَ لِدِينِهِ وسَلْهُ عَمَّا يَقُولُ الشُّرَطُ والضُّبَّاطُ، إِنَّكَ لَتُبْدِي دَهْشَةً وذُهُولًا، وحَيْرَةً وشُرُودًا، حَتَّى لَتَرْتَابَنَّ فِي البِلَادِ الَّتِي تُؤْوِيكَ، فَلَوْ كَانَتْ المَسْألَةُ مَقْصُورَةً عَلَى النَّاشِئَةِ والشَّبَابِ، لَهَانَ الأمْرُ وأمْكَنَ العِلَاجُ ولَوْ طَالَ الأمَدُ، وطَارَ الأمَلُ، غَيْرَ أنَّهَا اَسْتَفْحَلَتْ فَاَقْتَحَمَتْ كُلَّ سَاحَةٍ ومَيْدَانٍ، تَمُرُّ الفَتاةُ أمَامَ جَمْعٍ مِنَ الشَّبَابِ، وتَخْرَقُ سَمْعَهَا حُزْمةٌ مِنَ السِّبَابِ، وتَظُنُّ أنَّهَا تَكَادُ تَخِرُّ صَرِيعَةً حَيَاءً وخَجَلًا وعَجَبًا واَسْتِنْكَارًا، فَإِذَا هِيَ تَمْضُعُ يَخْضُورَةً ثُمَّ تَبْتَسمُ، وتَفْسِيرُ ذَلِكَ أنَّهَا مَا عَادَتْ تَعُدُّ السَّفَاهَةَ مِنَ القَوْلِ أمْرًا عَجَبًا، لَقَدْ اِعْتَادَتْهُ مُذْ أبْصَرَتْ دُنْيَاهَا فَمَا عَادَ يُثِيرُ فِيهَا حَيْرَةً وغَيْرَةً ودَهْشَةً وشَيْئًا نُكُرًا، لَا بَلْ أمْسَى الكَلَامُ القَبِيحُ يُنْقَلُ عَلَى الهَوَاءِ مُبَاشَرَةً، فِي شَاشَاتِنَا وقَنَوَاتِنَا، وتَجِدُ فِيهِ صَبَايَانَا فَاكِهَةً وأبًّا، وتَتَعَالَى قَهْقَهَاتُهُنَّ طَرَبًا وتَرْوِيحًا...وَا كَبِدِي.
لَيْسَ بِالسِّبَابِ، أيُّهَا الشَّبَابُ، يُبْنَى المَجْدُ والشَّرَفُ، ويُعْلَى العِزُّ والوَطَنُ، وتَسْمُو المَكَارِمُ والقِيَمُ، لَسْنَا بِالسِّبَابِ بَالغِينَ العُلَا، وغَالِبِينَ العِدَى، ونَائِلِينَ المُنَى، لَسْنَا بِالسِّبَابِ هَازِمِينَ شرْذِمَةً مِنْ خَنَازِيرَ، دَنَّسُوا القُدْسَ الشَّرِيفَ، دَمَّرُوا الأقْصَى المُنِيفَ، فَهَلْ مِنْ ذِكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ ؟؟؟