فلسطين بوصلتنا

بقلم
مصطفى يوسف اللدّاوي
إرهاب بروكسل والمقاومة الفلسطينية
 يحاول قادة الكيان الصّهيوني الذين يمارسون الإرهاب المنظّم كل يوم على الأرض الفلسطينيّة وضدّ الشّعب الفلسطيني، الظّهور بمظهر الاعتدال والبراءة، والحكمة والعقلانيّة، والاتزان والإنسانيّة، وذلك من خلال محاولاتهم الماكرة والخبيثة للاصطياد في المياه العكرة، واستغلال الظروف الدّولية النكدة والأحداث الدّامية التي يشهدها العالم، وخاصّة تلك التي وقعت مؤخراً في العاصمة البلجيكيّة بروكسل، وهي الأحداث التي يدينها الفلسطينيّون ويرفضونها، ويأباها المسلمون ولا يوافقون عليها، ويرون أنّها عملياتٌ إرهابية يدينها الإسلام ويستنكرها المسلمون، وأنها تشويهٌ متعمدٌ للدّين، وإساءة مقصودة للمسلمين، وحرفٌ لعينٌ لجهود العرب عن قضيتهم المركزيّة ومشكلتهم الحقيقية مع الكيان الصّهيوني الغاصب لأرضهم، والمتنكّر لحقوقهم.
رغم الإدانة الفلسطينيّة الواضحة للتّفجيرات الإرهابيّة التي وقعت في «بروكسل»، والرّفض المطلق لها، والبراءة منها ومن مرتكبيها، فقد قام رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو باستغلال الحادثة وتوظيفها لخدمة مصالح الكيان، عندما تظاهر بالتّعاطف مع أوروبا عامّةً وبلجيكا خاصّةً، وأبدى استعداد كيانه للتّعاون مع السّلطات الأوروبيّة، والتّنسيق الأمني معها، وتقديم المعونات والمساعدات اللاّزمة لها، لمواجهة خطر «الإرهاب الإسلامي»، مستغلاً الأحداث للغمز من قناة المقاومة الفلسطينيّة، وتشبيه نضالها من أجل حقوقها بالإرهاب، ووصف مقاومتها لاستعادة أرضها بالعنف والتّطرف، وكأنّه يدعو للمساواة بين المقاومة والإرهاب، ورفض التّفريق بينهما، والمطالبة بعدم دعم وتأييد المقاومة الفلسطينيّة، بل ورفع الغطاء عنها، كونها لا تختلف في شئٍ عما حدث في أوروبا عامّةً وفي بلجيكا على وجه الخصوص مؤخراً.
إنّها انتهازيةٌ قذرةٌ، ونوايا مشبوهةٌ، ومحاولاتٌ دنيئة، عندما يحاول زعيم الإرهاب الصّهيوني ورأسه المدبّر الأكبر بنيامين نتنياهو خداع العالم وغشّ المجتمع الدّولي، عندما يصوّر نفسه وكيانه بأنّهم الضحيّة، ويظهر إجرامه وإرهابه بأنّه دفاعٌ عن النّفس، وحماية لمواطنيه وسلامة مصالحهم، وكأنّه يريد أن يضفي شرعيّةً على ما يقوم به وجيشه، وما تمارسه سلطاته وشرطته، من عملياتٍ قتلٍ وقمعٍ، واعتقالٍ وضرب، وتدميرٍ ونسفٍ، وقصفٍ وقنصٍ، وإبعادٍ وطرد، ويريد من المجتمع الدولي تأييده في حملته، ومساندته في سياسته، كونه وإياهم يواجهون ذات الخطر، ويقاتلون نفس العدو.
وهو يحاول من خلال منصبه الثّاني في الحكومة في وزارة الخارجيّة إلى جانب رئاسته للحكومة، تفعيل اتصالاته الدبلوماسيّة مع دول أوروبا وروسيا، وغيرهم من الدّول العربيّة والإسلاميّة، إذ طلب من نائبته في الوزارة تسيبني حوتوبلي، وهي التي لا تقلّ عنه تطرفاً وتشدّداً، ولا تتردّد في التّعبير عن مواقفها المتطرّفة والدفاع عنها، ومن دبلوماسييه العاملين في وزارة الخارجيّة، ومن طواقمه الدبلوماسية العاملة في سفارات الكيان المختلفة، استغلال الأحداث لإبراز «الإرهاب الفلسطيني»، وإظهار مخاطره على كيانه وسكانه، وبيان مشابهته التامّة مع ما تواجهه دول أوروبا، فكما أن أوروبا تواجه الإرهاب من داخلها، وتعاني من العنف من عربٍ منحتهم مواطنتها، ومتعتهم بحقوقٍ وامتيازاتٍ أوروبية أسوةً بمواطنيها الأصليين، فإنّ الكيان الصّهيوني يواجه «إرهاباً» من داخله، ويعاني من عدوٍ قريبٍ منه، يستغلّ وجوده واختلاطه بـ «المواطنين الإسرائيليين» ويقوم بطعنهم أو دهسهم، أو بإطلاق النّار عليهم وقنصهم.
وأجرت صحفٌ إسرائيلية مقارنةً مشبوهةً في غير محلّها ولا مكانها، بين شوارع بروكسل الخالية من السّكان، الذين لجأوا إلى بيوتهم وتوقّفوا عن استخدام المطارات والمحطّات والمرافق العامّة، خوفاً من عمليات تفجيرٍ جديدة، أو حوادث إطلاق نارٍ أخرى من مطلوبين ما زالوا فارّين، ولم يتم القبض عليهم، فضلاً عن الانتشار الكثيف لعناصر الشّرطة ورجال الأمن في كلّ مكان، وبين شوارع القدس وتلّ أبيب ويافا وغيرها من المدن والبلدات، التي خلت من المستوطنين الإسرائيليين، وأصبحت محلاّتها شبه خالية، ومرافقها خاوية، خوفاً من عمليات الطّعن والدّهس التي يقوم بها الفلسطينيون.
كأنهم يريدون القول أنّهم يعانون من نفس الإرهاب الذي تعاني منه أوروبا، ويكتوون من نفس النّار التي اكتوت بها بروكسل ومن قبل باريس، وأنهم وشعوب أوروبا يشربون من نفس الكأس المرّ، ويريدون من العالم أن يصدقهم ولا يكذبهم، وأن يقف معهم ويؤازرهم، وألاّ يصدق الرّواية الفلسطينيّة، ولا الشكوى العربيّة، وألاّ يصدّقوا الصور التي تنشر، والمشاهد التي تبثّ، والتي تبيّن إجرام جيشهم واعتداء مستوطنيهم، بل إنّهم يريدون أن يثبتوا أنّ هذه الصور ملفقة، وأنّ هذه المشاهد مزوّرة ومدبلجة، ولكنّ الحظّ لم يسعفهم بسرعة، إذ قام جنديٌ نظامي بإطلاق النّار على رأس شابٍ فلسطيني مصابٍ فقتله أمام عدسات الإعلام، التي صوّرت الجريمة ووثقتها، وبينت بالدّليل القطعي كذب العدو وافترائه، وأنّه وجنوده يمارسون الإرهاب، ويرتكبون الجرائم المحرّمة، ويستخدمون القوّة المفرطة.
انتهى الزّمن الذي كانت فيه الحركة الصّهيونية تستفرد بالإعلام، وتسيطر على الرّأي العام، وتتفرّد وحدها في نقل الصّورة ورسم المشهد، وتحاول أن تفرض وجهة نظرها، وأن تعمّم على العالم أحكامها، الذي كان لزاماً عليه أن يتبعها ويصدّقها، وأن يروج لها وينشرها، من خلال وكالاتها الحصريّة، وشبكاتها العالميّة، التي تخضع لشروطه وتعمل وفق سياساته.
أمّا اليوم فقد تغيّر العالم، وتعولمت المعلومة، واخترقت الصّورة الحدود والحواجز، وكسّر جدار الفصل وحائط العزل، وانتهى زمن الهيمنة والسّيطرة والاحتكار، وبات الإعلام في متناول الجميع، والكاميرا بين يدي حاملها، يصوّر ويوثّق ويبثّ وينشر، ويكشف ويفضح ويعرّي، ولم يعد الإسرائيليّون قادرون على الاستفراد بالعالم وإيهامه بظنونهم، وفرض أوهامهم عليه، لكنهم ما زالوا في سكراتهم يعمهون، وفي ظلماتهم يعيشون، إذ يظنّون أن العالم يصدّقهم إذا قالوا، ويؤمن بروايتهم إذا شهدوا، إذ لا شاهد يناقضهم، ولا أحد يكذبهم.
إن محاولات العدو الإسرائيلي وعلى رأسه بنيامين نتنياهو للخلط بين المقاومة والإرهاب ستبوء بالفشل والخسران المبين، ولن يجد من يناصره ولو وقفت قوى الظلم والطغيان معه، وأيّدته دول الاستعمار ورموز الاستكبار العالمي، التي تصرّ على العمى، وتكابر على التّيه والضّلال، وستبقى المقاومة وسيزول الاحتلال، الذي هو رمز الإرهاب ومحركه، وأساسه وسببه، فهو الذي يرتكب الإعدامات الميدانيّة، وجرائم الحرب المتعدّدة ضدّ الشّعب الفلسطيني.؟؟