للنقاش

بقلم
النوري الجبالي
الفصل 120 من الدستور : الحلقة المفقودة لوظيفة الرقابة الدستورية
 يقاس تقدم الدّول بمدى كفالة قوانينها الأساسية المتعارف عليها بالدّساتير لمجموعة من المبادئ والقيم  لعلّ أهمها الحرّيات الفرديّة والعامّة  والكرامة والعدالة والمساواة أولا والالتزام باحترام هويّة الشّعب ثانيا والتفاعل مع روح العصر ثالثا و تعميق الشّعور بالوحدة  الوطنيّة رابعا وحماية السّيادة الوطنيّة واستقلاليّة القرار الدّاخلي خامسا وبمدى احترام جميع السّلط الدّستورية لعلويّة وسموّ الدّستور، لذلك أسند الفصل 120 من الدّستور التّونسي الصّادر في غرّة جوان 2013 الى المحكمة الدّستورية كهيئة قضائيّة مستقلّة اختصاص مراقبة دستوريّة القوانين.
وباعتبار أنّ قيم الحريّة والمساواة والكرامة والعدالة لا ينبغي أن تبقى مفاهيم تطرح كنقوش جميلة تزيّن لوحة الدّستور بل يجب تجسيمها  على المستوى العملي كممارسة فعليّة في واقع حياة النّاس، فإن للمحكمة الدّستورية وظيفة أخرى تتعهّد من خلالها بضمان احترام علويّة الدّستور حفظا لأحكام الدّستور الوضعيّة من مفاجآت الواقع المختبئة وراء أقنعة الدّيمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني لتظلّ عمليّة حفظ الأحكام الشّرعيّة ومقاصد الشّريعة الإسلاميّة طبقا للفصل الأول من الدّستور الذي ينصّ على أنّ تونس دينها الإسلام ولغتها العربيّة وما تمّ التّنصيص عليه كذلك في توطئة الدّستور من وجوب التّمسك بتعاليم الاسلام والاستناد الى مقومات الهويّة وتوثيق الانتماء الثّقافي والحضاري غير محصّنة من مفاجآت الواقع المختبئة وراء أقنعة حرّية الضّمير المطلق والتعبير والمعتقد والانفتاح على الحضارات الأخرى والقيم الكونيّة والمعاهدات الدّولية ومحاربة الإرهاب وهو ما شجّع اليوم بعض الأصوات المبحوحة والأقلام النّشاز والعقول الهجينة للمطالبة بتحييد المساجد دون تعريف لمعنى التّحييد والى تقييد الحرّية الشّخصية (لباس النقاب كأنموذج) والدعوة إلى توحيد خطب الجمعة ومحاولات التّضييق على المدارس القرآنيّة وتعطيل تقنين منظومة الأوقاف والخطباء والتسويق لإصلاح المنظومة التّربويّة طبقا لما يسمّى بهتانا مناهج الحداثة وتكريس الاغتراب اللّغوي عن اللّغة العربيّة ممّا يستوجب بالضّرورة تشريعيّا بالقوّة وبالفعل، طبقا لمقتضيات الفصل الأول  من الدستور من جهة ومقتضيات التّنصيص على احترام الهوية والتّعاليم الإسلاميّة من جهة أخرى، وجوب تعهّد الكتلة النّيابيّة التي تعتبر نفسها ذات مرجعية إسلامية بطرح مبادرة تشريعيّة لتنقيح الفصل 120 من الدّستور بالتّنسيق المسبق مع  أهل الاختصاص وكل المعنيين بالارتقاء بالمنظومة الفقهيّة القائمة على تضخيم الفقه الفردي والأحوال الفردية الى منظومة فقهيّة قائمة على تضخيم الفقه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي أيضا،  فقه المقاصد وفقه الموازنات من أجل التّنصيص بوضوح على إلزاميّة احترام كلّ المنظومة القانونيّة من قوانين ومراسيم وأوامر وقرارات ومناشير للأحكام الإسلامية الثّابتة.
وباعتبار أنّ الدّستور التّونسي نصّ على إمكانية تعديله طبقا للفصل 143 منه، فإنّ المجال يبقى مفتوحا للأجيال القادمة لبلورة رؤية واضحة لسدّ الفراغ التّشريعي وتصوّر صيغة الرّقابة الدّستورية الشّرعية لضمان الملائمة والمطابقة للأحكام الإسلاميّة ولاستكمال الحلقة المفقودة لوظيفة الرّقابة الدّستوريّة وما على الإسلاميين - كما  يقول المفكر والنائب بالمجلس التأسيسي أحمد المشرقي- أن يتخلّصوا من الإيديولوجيا الى إسلام العمل، فالمؤثّرين في التّاريخ يفعلون أكثر ممّا يتكلّمون.
علينا أن نمرّ من الإسلام الذي يدعو اليه النّاس الى الإسلام الذي يأتيه النّاس من كلّ فجّ عميق. بل إنّ بناء دولة الحقّ والعدل والعزّة لا تتحقّق بالمشاعر الطّيبة والأماني الصّالحة والعودة الى الإسلام والتّحرر من التخلّف والتّبعيّة فحسب وإنّما بانضاج مشروع واضح المعالم ينبني على أساس المرونة في التّطبيق حسب الظروف الموضوعيّة وهو مشروع يجمع بين منطق الثّورة ومنطق الدّولة واستحقاقات كلّ منهما ومن ثمّة تكون منظومة الرّقابة هي الحارس لمبدأي الشّرعيّة والمشروعيّة أي أن يسود القانون الإلهي والقانون بمعناه العام وبالتّالي  تحافظ على الحدود الدّستورية للسّلطات، فلا مجال لأيّ سلطة أن تفوّض اختصاص من اختصاصاتها لسلطة أخرى ولا مجال أيضا لتداخل وتقاطع صلاحيّات السّلط الدّستوريّة ولتبقى مهمّة المطالبة بتعديل الدّستور لسدّ منطقة الفراغ التّشريعي المشار اليه مطروحة على الحركة السّياسية ذات المرجعيّة الإسلامية.