تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
عصير السحاب حلال
 كثرت انتقادات النّشرة الجويّة التي يعدّها عدد غير قليل من خبراء المرفق الوطني للرّصد الجوّي بالاعتماد على التّطبيقات العلميّة والفنّية المتاحة والمتطوّرة ثمّ يقدّمها إعلاميون ومنشّطو برامج القنوات التّلفزية. وطالت هذه الانتقادات لتلاحق أخصائيّي الرّصد في سعيهم لمشاغلهم اليوميّة يؤاخذونهم بزوال البركة من النّشرة الجويّة لتبرّج الشّابة مقدّمتها وتعرّيها وعدم ذكر الله في نصّ التّوقعات. 
وفي يوم كنتُ في سفرة عبر قطار حاضرا وشاهدَ عيان لردّ خبير الرّصد الجوّي على الاتّهامات الموجّهة إليه من جمع من الحاضرين التفّوا حوله يجادلونه بكلّ شراسة. وقد رقّ قلبي له لشدّة ما تحمّل من نبال الاستفزاز والتهكّم أصابته من كلّ جانب وقد أعجبني صبره ودفاعه على سمعة عمله ونبل مهنته. فكان الخبير كفنّان على الرّكح أذهل المتفرّجين.
طلب من الحاضرين الإنصات إليه ورفع ما أتيح بيده قلما إلى أعلى رأسه وسألهم : ماذا سيحصل للقلم إذا ما تركته لحاله؟ فقال جميعهم «سيسقط». وللتّأكد من الجواب، سألهم فردا فردا، فكان الجواب نفسه «سيسقط القلم وهذا طبيعي»
فقال الرّجل بكل ثقة في النّفس: « أنا أتوّقع سقوط القلم بمشيئة الله، ويرفع الله القلم إلى أعلى بإذنه إذا شاء. هكذا أتوقّع هطول المطر ولا أدّعي إنزاله من المزن، وكذلك أتوقّع هبوب الرّياح وارتفاع أو انخفاض الحرارة». واصل الرّجل كلامه: «هكذا اشتغلت في تنبّؤ الجوّ دون معصية ولا آثام، وأرجو أن يرضى الله عنّي. أمّا أنتم، أدرك أن بعضكم لا يرضون ولن يرضوا إلّا بتوقّعات جويّة يريدونها «حلالا» إذا ما باركها شيخ قبل نشرها بالفاتحة وآية الكرسي. إنّي لأخشى أن تحرّموا على النّاس عصير السّحب بعد هطول توقّعه المتنبئ.»
ظنّ الرّجل أن دعابته الأخيرة التي رسمت البسمة على شفاه أغلب الحاضرين قد لا تتجاوز  القطار ومجال حركته طيلة السّفرة التي دار فيها الحوار. ولكن في يوم غير بعيد، وعند ولوجه كعادته لمكتبه، فوجئ بورود مكاتيب يطلب أصحابها الشّغل كمساعد متنبئ لإحلال النّشرة الجويّة.