نقاط على الحروف

بقلم
طه كعنيش
صفاقس عاصمة للثقافة العربية 2016: «منزعجون حول مستقبل الثّقافة في تونس»
 هذا العنوان مقتبس من تصريح نائب رئيس الهيئة التّنفيذية لتظاهرة صفاقس عاصمة للثّقافة العربية 2016، وذلك على إثر استقالته منها، وكان قد قال:«أنا منزعج حول مستقبل الثّقافة في تونس». فما الدّاعي لقوله ذاك؟ وهل هناك من مظاهر تدعو للقلق حول واقع الثّقافة وأساليب التّعاطي مع تظاهراتها؟ هل من خلل في طرق تمويلها؟ وماهي معالم المشاريع الكبرى أو المتمّمة المراد تفعيلها خلال تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية 2016 وأين عسى أن تكمن نقاط التّحفّظ والاختلاف في النّظر للتظاهرة التّي دعت لاستقالة أكثر من عضو من لجانها وما هي الإرتسامات والتّساؤلات التّي نخرج بها في الختام؟
(1) موجة الاستقالات
كانت استقالة أحد أعضاء الهيئة منذ عام تقريبا بداية الشّرخ في هيئة «صفاقس عاصمة للثقافة العربية»، ثمّ تبعتها استقالة نائب رئيس الهيئة والنّاطق الرّسمي باسمها وسبع في صفوف أعضاء لجان التظاهرة. وهو ما دفع المدير الفني للتظاهرة للتفكير هو الآخر في الانسحاب بعد شهر واحد من تاريخ تعيينه.. 
(2) سياسة الاستبعاد وضبابية الخيارات
فضلا عن أنّ المشاريع المبرمجة انتقائية ولا تتناسب مع الإمكانيات الماليّة المرصودة، فقد شهدت التظاهرة ضبابية وتضاربا في التّصريحات في سياق  أبعدت فيه بعض الهيئات الجهويّة المهمّة من التّمثيلية داخل الهيئة المنظمة، فالمعهد الوطني للتّراث وكذلك وكالة إحياء التّراث وبلدية صفاقس جميعهم استبعدوا من أوّل وهلة من التّمثيلية  في الهيئة. أمّا في مستوى تضارب الخيارات فقد كان صرّح رئيس الهيئة في حوار لإحدى الإذاعات عن اتجاه النّية لاستغلال فندق الحدّادين للتّنشيط الثّقافي  بينما أعلن المكلف بالإعلام والاتصال بالمندوبية الجهوية للثقافة والمحافظة على التّراث بصفاقس ضمن النّادى الثّقافي الطّاهر الحداد وعبر إذاعة تونس الثّقافية عن النّية لاستغلال ذات الفندق (فندق الحدّادين) لبعث مركز ثقافي مختصّ في الفنون والحرف لفائدة الطّلبة. ولنا أن نسأل لم  تضاربت الأقوال في خصوص المدرسة الحسينيّة بقلب المدينة العتيقة بين أن تكون مركزا لتدريس اللّغات الأجنبيّة وأن تكون مشروعا مشتركا مع وزارة التّربية حول حرف التّرميم.
(3) عقم المركزية 
ما سميّ « الادارة العميقة» بالجهة  فسّرها «المكني» بأطراف في سلطة الاشراف تقاوم مفهوم اللّامركزية(1). وهو تحفّظ عن عوامل أخرى، لكن  في هذه النّقطة بالذات أي تجليات المركزية، فإن الهيئة تم تنصيبها في عهد وزير الثقافة السّابق مراد الصكلي دون العودة  للجهة رغم أنّها تزخر بالطّاقات والمبدعين والمثقفين .. وأنّ الهيئة لم تقنع مثقفي الجهة وأبناءها نظرا لافتقادها لوجوه ثقافية بارزة وآثرت التعامل مع أكاديميين وجامعيين محسوبين على تيارات فكرية بعينها. ولو كان رهان المركزيّة في إطار التّأسّي بالتّجارب الرّائدة محليّا من هذا الموقع أو ذاك لهان الأمر، ولكن رئيس  الهيئة يريد تبعا لتصريح إذاعي أن يتأسّى بما يحصل في البلدان الأوروبيّة من التّجارب مثل تقليد  المكتبة الرّقمية على أساس أنّها  عندهم (في أوروبا)هي الموقع الثّالثّ بعد المنزل ومقر العمل وذلك لجميع الشّرائح العمرية، وأنّه ينقصنا عنهم في بلدنا فنّ الشّارع وأنّ السّبيل لذلك «مسرح مغطى» بالهواء الطّلق مع مكان لممارسة الرّياضة بشط القراقنة، وأيضا نهج نموذجي داخل المدينة العتيقة كتجربة للتلميع عفا عنها الزمن. فهذه مركزيّة الغالب والمهيمن ثقافيّا والمقترحات جميعها مازالت محلّ شدّ وجذب وتفعيلها متوقّف على انعقاد المجلس الوزاري لضبط ميزانيّة للتّظاهرة في أقرب الآجال حتى يقلع المشروع ويتجاوز نسق العمل المحتشم ...بل إنّ رئيس الهيئة بعد أن كان سبق وانتقد بيروقراطية الوزارة وعدم ايفاء الوالي بتعهداته، أصبح يلهث وراء وزيرة الثقافة. ولذلك كانت الهيئة عديمة الفاعلية ومنقسمة على نفسها ومرفوضة من جزء كبير من مثقفي الجهة.  
(3) الاستثمار الثقافي وشبهة الفساد المالي
يبدو أنّ بعض الجمعيات تراهن على نصيبها آملة في دعم مركزي للتّظاهرة، فقد بادرت إحدى الجمعيات الداعية إلى تبادل الخبرات بين الثّقافات ودفع وإنماء الاستثمار في الثّقافة بمشاركة المؤسّسات الاقتصادية. يوم استقالة نائب الرئيس ( 16مارس 2016 ) بمراسلة رئيس الحكومة، للتّدخل لإنقاذ تظاهرة «صفاقس عاصمة للثقافة العربية» ومحاسبة كلّ من عمل على تهميش الحدث. بدوره فإنّ رئيس الهيئة -وهو مستثمر ثقافي ورجل أعمال- بعد أن عمل في تكتّم وصمت مع أعضاء الهيئة لم يأخذ على محمل الجدّ التّفاعل مع المجتمع المدني ورفض النّقد الموجه للهيئة في النّدوة الصّحفية التي عقدها للتّعريف بالبرنامج والخطوات المقطوعة فيه،(31/12/2015) وردّ على  نقد  المجتمع المدني مستشهدا بقول الشّافعي «فكلك عورات وللنّاس أعين».
وبقطع النّظر عمّن تكون هذه الأعين  فهناك حديث عن شبهة فساد مالي وإداري صلب الهيئة خصوصا على مستوى إسناد دراسات المشروع إلى مكاتب معينة في فرنسا وروما دون إجراء طلب عروض وطني، برقابة قبلية وبعدية في هذا الشّأن وإنّ التّعلل بكون أصحاب هذه المكاتب تونسيّون وشرّفوا تونس في أكبر بلدان العالم، فإنّ  عدم الالتجاء إلى عروض هو مطيّة الفساد ولا معنى في ذلك لذريعة ربح الوقت ومراعاة المصلحة الوطنية لأنّ المصلحة الوطنية تكمن في التّنافس على قاعدة  الأكفأ والأجود وباتباع معايير شفافة. 
في هذا السياق وأمام غياب الحوكمة في الصفقات نتساءل عن مدى استعداد رئيس الحكومة بالإيفاء بما كان أعطى في السّابق من موافقة مبدئية للرّفع في الميزانية المخصّصة للتّظاهرة (2). إلى الآن وحسب نائب الرئيس المستقيل لا توجد شبهة فساد مالي ولكن إذا احتكمنا إلى معايير تجلّيات الفساد وفقاً لما تذهب إليه منظمة الشفافية الدولية فإنّ بعضها ينطبق على عمل الهيئة، فمن تلك المعايير التّعيينات القائمة على المحسوبية والانتساب والولاء للأحزاب أو لذوي القربى أو العشيرة، وضعف المؤسسة وافتقارها للديمقراطية واتباع  قواعد ونظم عامّة متشعّبة في العمل والانجراف المتنامي نحو السّرية والإنتاج القائم على نمط منافسة عماده المحاباة، وليس المنافسة المبنيّة على الجودة والإبداع والاقتصاد في الكلفة، وهذا ما يؤدي إلى الإضرار بالتّجارة وإعاقة الاستثمار. وتعريض الممتلكات العامّة للبيع لتحقيق منافع ومكاسب خاصة ... لذلك يرى البعض أنّ الحلّ يكمن في حلّ الهيئة وإقالة رئيسها قصد تصحيح المسار وإصلاح الحال وأن يكون للهياكل الرقابية  دور أتمّ مع  التوقّف عن سياسة غضّ الطرف عن إسناد مهام إنجاز الدّراسات مباشرة إلى مكاتب معيّنة في الخارج. 
 (4) تراث ليس للبيع 
في مثل هذه التّظاهرات فضلا عن  كونها يمكن أن تكون منفذا لخصخصة المواقع والمعالم الأثرية، فإنّه وبغضّ النّظر عن أنّ المشهد تخيّم عليه ضاغطة الزّمن، فإنّ وزيرة الثّقافة الحالية لا تتردّد في القول  أنّه من الصّعب أن تكون كلّ المشاريع حاضرة يوم 23 جويلية 2016 تاريخ انطلاق تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربيّة، ذلك أنّ وزارة الثّقافة لا يحقّ لها أن تموّل مشروع منشأة لا تعود إليها بالنّظر (الكنيسة المزمع تحويلها لمكتبة راجعة بالنّظر للملك البلدي) فلا ندري هل وزيرة الثّقافة متحفظة على المشاريع أو الأموال أو عليهما معا.. وقد هرع رئيس الهيئة لمقابلتها بعد صعقة الاستقالات ونرجو ألاّ تعيد ما كان صرّح به الصّقلي لـ(موقع العرب) من أنّ المواقع الأثريّة بعضها معرّض للنهب، وألاّ قدرة للوزارة على الاهتمام بها ماديّا، وأنّ الحلّ يكمن في عقود خصخصة المواقع الأثريّة في شكل لزمات لمدّة 25 سنة وأكثر... وهي قد صرّحت بعد المقابلة لرئيس الهيئة « ليس لدينا مشكلة مع الإمارات». هنا قد لا يمكن إلاّ أن نصدّق قول الصّكلي بأنّ الوزارات عاجزة (ديون تونس 44 مليار دينار) وإذن فالسّؤال المحيّر ما قصّة 35 مليون دينار المرصودة للتظاهرة؟ هل هي من ميزانية وزارة الثّقافة أو هي «هبات» من منظمات ودول خارجيّة لها نفوذ بالدّاخل؟ أم هي  دين آخر على «الدّيون» أم توجد نيّة حقيقة للتفويت بالبيع لبرج ما من أبراج المدينة العتيقة؟ خاصّة وأن هناك أطرافا خليجيّة عبّرت عن رغبتها في الشّراء (3). فأين يا ترى إدارة شؤون الملكيّة العقاريّة من كلّ هذا ولماذا تهتمّ بتسوية وضعية العقارات للخواص ولا تهتمّ بتسوية الوضعيات العقاريّة للوزارات وما موقعها في الحفاظ على هذا التراث؟ وإنّنا بإزاء هذه الرّغبة الجامحة في بيع تراثنا نتساءل لماذا استعجال التّظاهرة وعدم المضيّ لـتأجيلها؟ بل لماذا نضرب بعرض الحائط القانون عدد 35 لسنة 1986 والقاضي بحماية الآثار والمعالم التّاريخية والمواقع الطّبيعية والعمرانية ولماذا لا تحترم البنود المتصلة بالمحافظة على الممتلكات الثّقافية بتفعيل أدوار المجلس الأعلى لصيانة الممتلكات الثّقافية والمضمنة بالقانون عدد 44 لسنة 1988. وإنّي أتساءل بموجب أيّ وثيقة قانونية تمّ تفويض التّصرف في الكنيسة الكاثوليكية من البلدية إلى الهيئة التّنفيذية والبلدية غير ممثلة في الهيئة والكنيسة ملك بلدي ..وما رأي الادارة الجهوية للتجهيز ورأي وزارة الرّياضة ووزارة الشّؤون الدّينية في تحويل الكنيسة إلى مكتبة فهل  يندرج هذا التّصرّف في مسيرة التّفويت في المعالم الدّينية منذ 1964 أم إنّ المعلم الكنسي هو الآخر خارج السّيطرة؟ ولماذا لا تهتمّ كلّ وزارة بمنشآتها؟ ولمّا كان تعريف الآثار هي المباني والمعالم التاريخيّة والمواقع الطبيعيّة والعمرانية القائمة بالمدن والأرياف وما صنعته أو أنتجته أو شيّدته يد الإنسان منذ ما لا يقلّ عن مائة سنة شمسية (الفصل 3 من قانون 1986) فالتقدير أنّ «المدرسة الحسينية» معلم تراثي ترجع ملكيته بالنّظر لوزارة التّربية .. فما دخل الهيئة حتى تعلن عن أوجه التّصرّف في هذه المنشأة ومن خوّل لها ذلك والتقدير أنّ وزارة الثّقافة تنام في العسل بميزانيّة ضعيفة ومعالمها ربّما بعد لم تدخل تحت حصر.. وما أكثر المعالم التّاريخية والمدارس العربية داخل المدينة العتيقة و خارجها مما هي من التراث فمن سيتكفّل بترميمها ؟ وكيف والوضع هكذا أن نحتفل؟
(5) حدث عربي أم فرنكفوني 
الحدث عربي، وعندما  نتمعّن فقرات الإعداد لمشاريع التّظاهرة فهناك مشاريع رئيسية وأخرى متمّمة. وليس بالسّهل عند الاستقصاء تعرّف مدى صلة مجمل تلك المشاريع (الكبرى والمتمّمة) بالهويّة العربية للتظاهرة وهي تظاهرة متراشحة تلازما مع الاسلام كون هذا الدّين نزل بلغة العرب فامتزج إرث شعوبها به أينما امتدّ هذا اللّسان. لكن الهيئة التّنفيذية بعد أن أعلنت برنامجا يهدف بالأساس إلى إدراج مدينة صفاقس على قائمة اليونسكو للتراث العالمي لم تهتد إلى تحديد ما إذا كانت صفاقس عالمية بإرثها الاسلامي (تأسست في العهد الأغلبي) أم بإرثها الإيطالي والإسباني والفرنسي في الحقبات الاستعمارية، وإذن فالنّخبة في انفصام والعناصر المستقيلة من الهيئة لعلّها معذورة من هذا الوجه.. 
5-1 تحويل الكنيسة الموجودة بوسط المدينة من فضاء للرياضة إلى فضاء ثقافي متكامل: هذا المشروع الأوّل يجمع بين مكتبة رقمية بأحدث التّقنيات ومسرح لمائتي متفرج وقاعة عروض.. والسّؤال لماذا المضيّ في مجاراة بعض القوى الغربية المتغطرسة على الإنسانية في تكريس أدوار الكنيسة الكاثوليكية الرّومانية وقد انحرف نشاطها  تاريخيا في دائرة الهرطقات الوثنية؟ لماذا الاستمرار في الدوس على الكنيسة بتحويلها لمكتبة رقمية نموذجية عربيا وافريقيا ولماذا – كما في المشروع- اِستغلال الواجهات البلورية للكنيسة من ناحية الإضاءة وتحويلها إلى قطعة فنية ليلا؟ هل بتوظيف أحدث تقنيات الأنوار اللّيلية وما يندرج تحت رموزها وإيحاءاتها من إرث الكاتدرائيات الشّركية نؤصّل العمود الفقري لتظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية؟. فما بال «النّخب المضاربة» لا تبيّن للشباب أنّ تلك  الأنوار لها خلفيات لدى المتنورين من خدام المعبد الماسوني بما يعزّز سمت التّحرر من القيم والمعتقدات وصرف العبّاد عن عبادة المعبود بحق (من بعض تلك الطّقوس شعائر وتعاويذ تعطي أثناء تأديتها في ساحات وأوقات بأنوار محدّدة الطّاقة التّي يستلمها المتنورون للتواصل مع الكيانات الأخرى )  فهل نؤكد بعد تظاهرات من نوع ساعة الأرض EARTH HOUR ، وصفاقس منورة بيكم، أنّ المدينة يستلمها «الماسونيّون المضاربون» – الذين قد لا يدرون-  أنّ سكان المدينة بهكذا تظاهرات سيكونون خادمين لجنود الخفاء العاملين عالميا وبغطاء المنظمات الدّوليّة على إخماد روح المسيح وطمس تبتله بقيم أخرى مغايرة للمعلن وتكون هي المقصود من استغلال الكنيسة لأنشطة متستر عنها ومرافقة لإحياء التّظاهرة عبر مناشط بعينها ولا مجال لغيرها....
- المشروع المتمّم لعالمية الكنيسة الرّومانية هو استكمال ترميم الكنيسة اليونانية المشيّد في عصر الهيمنة العثمانية وهو المحاذي لساحة شهداء 1881 المواجه لباب القصبة ولا ندري إن كان جلب الوثائق التّي قيل إنّها نقلت إلى سفارة اليونان بتونس والتّي تروي جزء من تاريخ المدينة على مدى مائة سنة يمكن أن يتنزل ضمن الاهتمامات. 
- هنا طرحت مشاريع على صلة بالرّومنة منها نفض الغبار عن آثار طينة الرّومانية (ضمن خطّة استراتيجية لمعهد التّراث) وترميم المسرح البلدى الحديث وهو المبني سنة 1954 على النّمط الفرنسي والإيطالي (لا العربي) وربما إعادة بناء المسرح القديم المبني سنة 1903 وهو الآخر بني على الطّراز العصري ولكن تحطم أثناء الحرب العالمية الثّانية ولم تر دولة الاستقلال فائدة من إعادة بنائه ربّما وفاء للشهداء وربّما لكونه مثّل تدشينا للحقبة الاستعمارية أو لغير ذلك من الأسباب فهل سنعيد بناءه نحن.. ؟ فصفاقس عاصمة للثّقافة العربية أو مؤتمر أفخارستي في ثوب جديد ؟
إنّ إثراء السّياحة الثّقافية في هذه الحقبة التّي يراد فيها إعادة تشكيل خرائط المنطقة تعني شيئا واحدا هو ارتداء عباءة الطّقس الوثني بتسبيحات الأنوار التّي تتمركز حول القطب السّالب للمعرفة والجاحد للحقّ وهو ابليس الملعون وإلاّ فما هي سياسة الهيئة لتوثيق وتحقيق مخطوطات  مكتبات صفاقس الهامّة (أشهرها مكتبة جامع صفاقس ومكتبة السّيد محمد المزيو ومكتبة الشّيخ محمد السّلامي نائب جمعية الأوقاف، ومكتبة الشّيخ محمد المهيري ومكتبة أحمد الشّرفي فضلا عن مكتبة النّوري الصّغير.) فهل هذه المخطوطات عربية أم  طورانية؟ 
5-2 المشروع الثّاني «كورنيش مدينة صفاقس» يتقاطع مع الأوّل و يتنزل لدعم السّياحة والتّسوّق ويتمثل في تأهيل فضاء «شط القراقنة» أو بإحداث ميناءٍ ترفيهي وتوفير فضاء لإحتضان التّظاهرات الثّقافية. فمتى كانت صفاقس مدينة  سياحية؟ وهل كان النّشاط التّجاري مرتبطا فيها بما تنتجه أو بما تستهلكه من ضروب المستورد؟ فما يحصل من تهميش للفلاحة والصّناعة بأنماطها المبتكرة والمتفاعل مع التّراث الزّيري والأندلسي.. إلاّ الضّرب بعينه لاقتصاد المدينة فضلا عن اقتصاد الوطن وهل تهيئة شاطى القراقنة للفسحة والتّرفيه بذريعة مصالحة أهالي صفاقس مع بحر المتوسط يمكن أن يستطاب حال أنّ متساكني قرقنة (كامل منطقة سيدي فرج) نكبوا منذ أيّام قليلة في موارد أرزاقهم بسبب تسرب النّفط من أحد الآبار وأكيد أنّ السّكّان سيعانون الأمرين من الشّركات التّي ستستنزف مخزون الطّاقة التّي تتوفر عليه الجزيرة وهل بهذا المشروع من بشارة إلاّ إكمال الإجهاز على الصّيد البحري وهو القطاع الذي اشتعلت أضواؤه الحمراء فهل نكون بهكذا خيارات  أنقذنا المدينة أو أغرقناها في ظلمة التّخلّف والتّفقير؟ وهذا هو واقع المشروع الثّاني واستثماراته.
5-3 المشروع الثالث ترميم و إضاءة سور المدينة العتيقة هذا المشروع الثّالثّ تقرّر أن يتمّ على مرحلتين تعهّدُ السّور بالصّيانة والتّرميم، ثمّ وفي مرحلة موالية تركيز إنارة فنية عاليه باِستعمال تقنيات متطورة حتى يتحوّل ليلا إلى ما يشبه البطاقات البريدية التّي تختزل في كل مكان من الصّور ملحمة تحكي تاريخ المدينة أو تخلد ذكرى عَلَمٍ كان فيها.. فأمّا التّرميم فقد بدأ منذ أكثر من عشرين سنة ولم ينته وأمّا الإضاءة فما أكثر المرافق العمومية بجهة صفاقس الغارقة في الظّلام والفقر والعطش وبالذات في قلب المدينة العتيقة التّي سيحيط بها السّور العظيم والمضاء، فالمدينة العتيقة رمز الحضارة العربية الاسلامية استقرّ بها اليوم النّازحون والبطالون وأصحاب السّوابق العدلية وشبكات التّهريب والارهاب والمجون. وهي اجتمعت في أحيائها المهجورة ودكاكينها ومخازنها الأحجار المكدّسة و الألواح التّي تشدّ الحيطان خشية أن تتداعى على المارّة وليلها دعارة ومزابل وجرذان فما بال المشرفين على التّظاهرة لا يستفيقون؟
ومن الأسئلة التّي تمثل أمامي بعد موجة الاستقالات هل من التفاتة للمعالم والمؤلفات والصّنائع والحرف والأسواق ذات الطّراز العربي والحفصي؟. لماذا نتناسى أنّ عدّة عائلات من صفاقس من أصول عربية وتنتسب للسّادة الأشراف من أهل بيت النّبوة (النّيفر، الرّقيق، الكراي، المنيف، خنفير..)؟ لماذا لا يقع الاهتمام مثلا بجامع «سيدي علي أبي شويشة» من احفاد الشّيخ «على الكراي»؟ لماذا لا ترمّم بعض المساكن التّي تمثّل تحفا معماريّة من التّخطيط الهندسي المنظّم المشابه للمدن الاسلامية والذي يستبعد نظريّة أنّ أساس المدينة تجمّع سكني عفوي. لماذا ترمّم كنائس المدينة العصرية حال أنّ معهد التّراث يخبرنا أنّ بعض المعالم الاسلامية موصدة أبوابها مثل  مسجد «سيدي بلخير» في أحد أزقة المدينة العتيقة ؟
أخيرا لماذا لا تزداد العناية بأسواق المدينة كسوق الصّاغة، وسوق الكامور، وسوق الفرياني، وسوق الصّباغين، وسوق الحدادين، وسوق الجمعة، فتلك الأسواق من أعظم أسواق مدينة صفاقس تاريخا ونشاطا. وسوق الرّبع كان بمفرده يمثّل موارد رزق للأنسجة الصّوفية المعروفة بـ «اللّفة» مثل الأغطية والبرانس والعجارات والزّربية والمرقوم ونحوها ونلاحظ أنّ تجّار الأقمشة والملابس الجاهزة القطنية والحريرية وأيضا الشّاشية، والعمائم والأحزمة الحريرية والشّملة الجربية والجزائرية، كسدت سوقهم فماذا يعني صفاقس عاصمة عربية إن لم يعد لتلك الأسواق بريقها ونشاطها فيرتفع الاهتمام الذي تحظى به لمثل الاهتمام الذي حازه ممشى (100م) والمخصص للتظاهرات الحزبية والحفلات الاستعراضية التّي تؤول لرقصات الفلاش موب غير العربية. و إن أبى البعض  إلاّ تفرنسا وترونما فها هو الرّحالة « ادوارد راي» (4) يحدّثنا أنّ منتجاتها الرّئيسية «هي الملابس الصّوفية والأغطية والبرانس وفوطات الوجه والغطاء الذي تستعمله نساء المغرب واليهود، وصناعة الجلد خاصة والاحذية الصّفراء(البلغة الصّفاقسية)، ذات الصّبغة الجيدة». ...ذاكرا أنّها تصدّر كميات كبيـرة منها الى الاسكندرية وبعض المواني الشّرقية الأخرى، كما حدثنا. هل تكون الثّقافة مثل الثّورة  على طرفي  نقيض من التّنمية؟ هل الانزعاج على مستقبلها يجدي؟ وإلى متى التّحفظ وكيف به وبالنقد يبقى مطمورا في الأنفس وللنّاس أعين ونظر؟ 
هوامش
(1) إذاعة تونس الثّقافية نقلا عن وكالة تونس افريقيا للأنباء.
(2) كانت سلطة الاشراف اقترحت إضافة 25 مليون دينار للميزانية المرصودة للتّظاهرة والتّي تقدر بـ 10 مليون دينار لكن اشترطت وجود  أرقام واضحة ومشاريع وبرامج حقيقية وواقعية
(3) كشف رئيس الهيئة لصحيفة «الشّارقة 24» أثناء زيارة مسؤولة الثّقافة في إمارة الشّارقة، لصفاقس أنّ المسؤولة « اتصلت بهيئة تنظيم التظاهرة، وأعربت لها عن رغبة الشّيخ الدّكتور سلطان بن محمد القاسمي، في شراء بيت شعر من كل بلد عربي». موضحا في تصريحه أنه اقترح عليها شراء الشّيخ، لبرج من أبراج مدينة صفاقس العتيقة التّي تسعى الهيئة إلى المحافظة عليها، باعتبارها نمطاً معمارياً، مهدداً بالاندثار، قائلاً: «سأتشاور مع أعضاء الهيئة والسّيدة وزير الثّقافة، وإمكانية تنظيم زيارة واللّقاء مع الشّيخ الدّكتور سلطان بن محمد القاسمي، لتنظيم عملية التّنسيق للاحتفاء بسموه وتكريمه في مدينة صفاقس». وفي المقال أبدت المسؤولة الإماراتية رغبتها، وحرصها على العودة من جديد إلى مدينة صفاقس، والاطلاع عن قرب على أبراج مدينة صفاقس العتيقة
(4) رحالة أنجليزي زار صفاقس سنة 1294 هـ/ 1877م.