تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
راية العلم
 كيف لا أتأزم ولا أتألم؟ لم أعرف ممّن حولي من التّونسي حقّا؟ نعم أكلني الشّك ونال منّي حتّى وجدتني غريبا بين أهلي وأحبابي. كنت أظنّ أنّ تونس وطن بحدود جغرافيّة يضمّ شعبا كما ثقفته يجمعه إطار واحد من الثّقافة والعادات ومجتمعات اتّحدت على أرض واحدة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا. 
وكنت أؤمن شديد الإيمان بتفرّد الشّعب التّونسي بالعقد الاجتماعي بين أفراده والانسجام بين مكوناته المختلفة عقائديّا ويعود ذلك لانفتاح البلاد التّونسية شرقا وغربا على شعوب مختلفة امتزجت عبر ثلاثة آلاف سنة وتوّجت بثورة أقل ما يقال فيها «أكثر الثّورات سلما وأقلّ الثّورات كلفة» وفي القلب غصّة لفقدان كل عزيز وغال.
ومن الأمور المميّزة لهذا الشّعب شكل العلاقات الاجتماعيّة التي بُنيت على اختلاف الجنس والعرق فأصبح بنيانا مرصوصا يشدّ بعضه بعضا. وكم ازداد اعتقادي رسوخا بصدح شعارات الثّورة وأهدافها التي تضمّنتها لوائح أحزاب اصطفّت فكريّا واجتماعيّا حتّى فهم الكلّ أنّ كثرتها لا ينبئ عن انقسام ولكن عن تموقع استراتيجي لحسم معركة الانتخابات أريد لها أن تكون ديمقراطية. ولكن لم أفهم أسلوب العقد الاجتماعي الذي بان مغلوطا ومغشوشا بتفكّك حلقاته وإعادة تموقع أحزابه متذبذبة لا لهؤلاء ولا لهؤلاء. ولا يتوارى المثقّف ولا السّياسي ولا الحقوقي للإعلان عن الشّيء ونقيضه داسا لإذكاء نار الفتنه والبقاء على التماس ينتظر نهاية المقابلة للتّصفيق في كلّ الحالات. يا لها من متعة والبلاد على شفى حفرة من النّار، ويا شوق الانتظار متى يتغلّب أحد طرفي النّزاع على الآخر أو يضعف كلاهما فينخفض عرش السّلطة لمن لا يطالونه.
أعجبت بمفهوم الشّعب العضوي  وهو ترجمة للكلمة الألمانية «فولك» والتي نسبت إليها السيارة الشعبية «فولكسفاقن». كنت أظنّ شعب تونس كذلك يترابط أعضاؤه ترابط الأجزاء في الكائن العضوي الواحد كما يرتبط بأرضه وتراثه. وأعجبت بالسينما الأمريكية التي لا تخلّف مناسبة يرفرف فيها علم البلاد أمام خشوع شباب الأمّة لإبهار العالم بالاعتزاز والنخوة بالانتماء. فيعود علينا صدى الدرس من أقطاب الأرض أن أسباب النجاح إيمان يتبعه عمل. 
أنا اليوم خائف كما لم أخف أبدا على ضياع الوطن باعتباره مشتركا بين مكونات الشعب أفرادا وجماعات وباعتباره مولد الهوية. أنا اليوم في شكوكي والشكّ سمّ مرير وقاتل على لسان عُطيْل، في لباس الجندي وتحت أعباء سلاحي وخوذتي على خطّ النار، عزيز عليّ وطني وعدوّي كل من يسيء إليه وإلى العلم رمز الوطن. إذا ما ضاعت راية العلم بما يحمله من دلالات مشتركة نكون خسرنا المعركة والحرب وقد لا أحاسب نفسي على خسارة الوطن لا قدّر الله بعد أن وضعت نفسي فدية له. أتفهم شعور الجندي المصري الباسل الذي تعرض للأسر في حرب 67 بعد بلاءه الحسن في معارك مشرّفة. كشف لاحقا خلال حديث صحفي أن نتائج الحرب في ظروفها القاسية كانت أهون عليه من خسارته لنظارات شمسية كانت تقي عينيه فانتزعها منه رئيس الكتيبة التي أسرته واستحوذ عليها.
chahed@meteo.tn