اقتصادنا

بقلم
نجم الدّين غربال
التفاوت آفة النمو الاقتصادي
 اهتممنا في حلقتين سابقتين باقتصاد بلدنا تونس واعتمدنا منهجيّا على كلّ من التّقارير التي أعدّتها المنظمات الدّولية والإحصائيات التي قامت بها الجهات المُختصّة واستطلاعات الرّأي ووقفنا بشكل فيه قدر كبير من الموضوعيّة عند الحالة الاقتصاديّة لبلدنا واتّجاهها مُستقبلا.
أما مضمونا فقد سلّطنا في الحلقة الأولى الضوء تباعا على مؤشّرات اقتصادية وأخرى نقديّة ماليّة وجبائيّة واتّخذنا السّنة التي اندلعت في آخر أيامها الثّورة التّونسية سنة مرجعا لنقف عند تطور الأوضاع الاقتصاديّة  طيلة الخمس سنوات الأخيرة، فوصلنا إلى استنتاجات أهمها أن :
- لاقتصادنا قُدرة على سُرعة التّعافي 
-  الإرادة السّياسية القويّة مطلوبة لرفع تحدّي النّمو الاقتصادي
- الحيلولة دون كلّ ما من شأنه أن يُعطّل آلة الإنتاج أمر لا بد منه
- تقديرات صندوق النقد الدولي مُشجّعة على الاستثمار سواء الدّاخلي منه أو المُباشر الخارجي بصفة أخصّ والتّصدير خاصّة في اتجاه المنطقة الأوروبيّة وكذلك على الاستهلاك ممّا سيجعل اقتصادنا يتعافي ويسترجع نشاطه باعتبار أنّ كلّ من الاستثمار والتّصدير والاستهلاك هم مُحركّات الاقتصاد. 
ثم عرضنا في حلقة ثانية عوائق حقيقيّة قد تحول دون تحقيق نسب نمو مرتفعة في قادم السّنين منها :
- إدارة الملفات الاقتصادية (البيروقراطية - الشّفافية – ضعف الحوكمة والفساد) 
- ضعف الحرّية الاقتصادية
- محدوديّة الموارد الماليّة
- هشاشة البيئة التّشريعية (التّشريعات القديمة – البُطئ في المُصادقة على قوانين ومجلاّت جديدة)
- مناخ الأعمال (هشاشة الاستقرار – ضعف الحوافز – ضعف البني التحتية...)
- التجارة المُوازية
- محدودية الاقتصاد الرّقمي .....
وكما استنتجنا أن تقديرات صندوق النّقد الدولي في ما يخصّ مُستقبل النمو الاقتصادي ببلدنا مُشجّعة، فإنّ قناعتنا راسخة بما ينتظرنا والذي نحن واعون بثقله وتعجز السّماوات والأرض على حمله ولكن قدرنا أن نحمله ونُصبح بلدا صاعدا ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك هدفنا بل وسيلتنا لاحتواء الفقر والبطالة حتى تتحقّق كرامة كلّ تونسي وتتحقّق بذلك المُواطنة الحقيقية للجميع في أرضنا الطّيبة.
وفي هذه الحلقة نُشخّص التّفاوت باعتباره آفة النّمو الاقتصادي والعائق الحقيقي وراء إخفاق الصّعود الذي يمكّن من النمو، فقد أحبطت هذه الآفة مُحاولات تحقيق التّنمية في أكثر من بلد وفي أكثر من تكتل دولي كمجموعة «بريكس» المُتكونة من كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا؟
آفة النّمو الاقتصادي
I - التفاوت
لاحظت دراسة أعدّتها المنظمة الأوروبيّة للتّعاون والتّنمية في ديسمبر 2011 أنّ الدّول الصّاعدة ذات القدرة الكبيرة على جذب الاستثمار والمستثمرين والدّول المنضوية في تلك المنظّمة تشترك في مواجهة التّفاوت إلاّ أنّ تصاعد التّفاوت مثّل مشكلة حقيقية في الدّول الصاعدة حال دون تخطّيها عتبة الصّعود لتُحقّق التّنمية المنشودة.
فهذه الدّول تعرف كما تعرف بلدنا تفاوتا أكبر ممّا تعرفه الدّول المتقدّمة في الرّواتب والأجور كما أنّ نُظمها الجبائيّة كنُظمنا أقل نجاعة وقُدرة على إعادة توزيع الثّروة المُركّزة أصلا في أيدي قلّة من أفراد المجتمع، فضلا عن تردّي الخدمات العامّة من صحّة وتعليم ونقل وغيرها زد عليه الضّعف المُلفت لعملية التّغطية التي تقوم بها نُظم الحماية الاجتماعيّة لديها كما هو الحال لدينا.
كما أنّ هذا التفاوت ذو طبيعة مُتعددة الأبعاد منها التاريخي ومنها الجهوي وكذلك الاجتماعي فما هي أهم مصادر التّفاوت الداخلية؟ .
II -  أهم مصادر التفاوت الداخلية
بمكن حصر مصادر التّفاوت في الدّول الصاعدة والتي نكتفي بذكر ما نتقاسمه معها في ما يلي :
- محدودية النُظم الجبائية في إعادة توزيع الثروة.
- الشروخ الجهوية العميقة الواضحة للعيان ما بين الريف والحضر في أكثر من بلد.
- الثغرات والعوائق التي تحول دون تمكين فئات عريضة من التعليم في مراحله المتعدّدة.
- العوائق التي تعترض الباحثين عن شغل أو الراغبين في تطوير مساراتهم العلمية والتدريبية والمهنية.
- البطالة التي تُعتبر المصدر الأخطر للتفاوت أكثر من قلّة ذات اليد نفسها.
- النشاطات الموازية والتي وإن مكّنت الكثيرين من مواطن شغل إلاّ أنّها تحرم السّلطات العمومية من موارد إضافيّة ممّا حال دونها وتوفير الخدمات العامّة المنتظرة. 
- التفاوت الكبير في الأجور الناتج عن عوامل أهمها النشاطات الموازية والانتماءات الجغرافية وانعدام تكافؤ الفرص.
- مشاكل الحوكمة في روسيا مثلا وضعف الشفافية في المجالين الاقتصادي والمالي خاصة في الصين وجمود الإنتاجية في كل من روسيا والبرازيل.
- الفارق الكبير ما بين دُخول عائلات المدن والأرياف كما هو الحال في الصين والبرازيل.
- التفاوت الاجتماعي ما بين الأغنياء قليلي العدد والفقراء الكثيرين الظاهر في جميع المجتمعات وخاصة في المجتمع الصيني رغم الجهد المبذول والذي قلّص من عدد الفقراء لديه.
- التفاوت البيئي المرتبط بنوعية المياه والهواء وكذلك التربة.
III - متطلبات التخفيف من التفاوت
III-1 رفع تحديات عديدة منها:
• محاربة الفقر العاكس للتفاوت( كما يعكسه كل من منحى جيني ومنحى لورنس)
• تجفيف منابع الفساد المفسر للتفاوت.
• العلاقات الموازية في المجال الاقتصادي.
• التعليم حين يكون مصدرا للإقصاء كما ذهب إلى ذلك «ستيغليست».
• مخلفات التاريخ والسياسات الخاطئة السابقة
• التصورات الخاطئة والتعبيرات الثقافية الداعمة للتفاوت
• نوعية المياه والتربة والهواء غير الصالحة.
III-2 مقاربة متعددة الأبعاد
لمواجهة هذه الحالة من فشل الصعود في تجسير الهوة ما بين التنمية وانعدامها والناتجة عن عدم مُواجهة مشكلة التفاوت لا بد من تبني مقاربة متعددة الأبعاد تقوم على الإجراءات التالية :
• تحفيز أقوى على النشاطات غير الموازية
• نشر الاستثمارات في مختلف الجهات وتجسيد مقولة «التمييز الايجابي»
• تركيز مُقومات الاقتصاد التضامني 
• توجيه سديد للمعونات الاجتماعية 
• نشر التصورات والتعبيرات الثقافية الداعمة لعدم التفاوت
• نشر عوائد التعليم.
III-3 سياسات حكيمة تهدف إلى :
• تطوير مناخ الأعمال
• تطوير البني التحتية
• معالجة ملف الصحة ووضع إصلاحات للإدارة العمومية وللمنظومة القيمية والتربوية والتعليمية 
• إدماج النشاطات الموازية في الإطار الرسمي...
----
- رئيس مركز الدراسات التنموية
najmghorbel@gmail.com