في الصميم

بقلم
د.نوفل سعيّد
الإرهاب و امتحان الثابت و المتحول في الدولة التونسية
 من المتفق عليه لدى منظري القانون الدستوري أن أركان الدولة ثلاثة (1) الإقليم و(2) المجموعة البشرية- الشعب- و(3) السلطة. فالدولة لايمكن أن تقوم في أيّ مكان من العالم من دون اجتماع هذه الأركان الثّلاثة.
بالنّظر الى هذه الأركان نفهم أنّ الهجوم الإرهابي الأخير على «بن قردان» قد شنّ بحسب كل المقاييس، وبصفة غير مسبوقة، لضرب ركن مهمّ من هذه الأركان وهو الإقليم اعتبارا الى أنّ إرادة المهاجمين كانت تتّجه بوضوح الى اقتطاع جزء من إقليم الدّولة التّونسية وإخراجه منها بغاية إلحاقه بإقليم «دولة داعش» وإعلانه إمارة. الّا أنّ فشل هذا الهجوم وردّ المهاجمين خائيين أوضح بما لا يدع مجالا للشّك أنّه حين تردّ الدّولة التّونسية الى آخر مربّعات كيانها– تمزيق إقليمها- فإنّها تنتفض وتثور وتستعصي على الغزاة مهما كانوا بعزم وثباة شعبها (الرّكن الثّاني من أركان الدّولة) وقواته المسلّحة المسنودة شعبيّا. 
يمكن للدّولة التّونسية أن تهتزّ في ركنها المتّصل بالسّلطة – و هذا ما شاهدناه منذ جانفي 2011 – وهو الرّكن المتغيّر والقابل للاهتزاز بطبيعته في أيّ بقعة من بقاع العالم ولكن بالنّسبة لتونس فإنّه، في المحصلة، لا تأثير لاهتزازه على استمراريّة الدّولة وبقائها ما دام هناك شعب يسهر على حماية إقليمه. فالشّعب في مجمله الى غاية اللّحظة ليس مستعدّا لمقايضة دولته وارتهانها مهما تعالى منسوب المطلبيّة الاجتماعية، وهذا أمر مهمّ يجدر التّنويه به . 
إنّ الشّعب التّونسي المتجانس في مجمله عرقيّا وثقافيّا ليس مستعدّا للتّفريط في دولته باعتبارها فضاء اقليميّا مناسبا للعيش المشترك. إنّ إرادة العيش المشترك على أرض تونس لازالت تحدو معظم التّونسيين بالرّغم من اليأس الذي قد ينتاب العديدين ويدفعهم، بمرارة، الى مغادرة الوطن الى أماكن غير معلومة. 
إنّ إصرار التّونسيين على التّمسك بدولتهم ينبغي أن يفهم من قبل النّخبة السّياسية على أنّه رسالة واضحة من الشّعب اليها بما مفاده أنّ السّلطة لا يمكن أن تكون إلاّ مشروعا جماهيريّا ديمقراطيّا ووطنيّا يستهدف النّهوض بمصالح العباد وييسر لهم مسالك الحياة بانتهاج سياسات تنمويّة وطنية طويلة الأمد تزيد من غيرة التّونسي على أرض بلاده وحرصه على حماية حرمته ويبعد عنه نهائيا والى الأبد التّفكير في التّفريط فيه.
إنّ التفاف التّونسيين حول دولتهم بما هي كيان مشترك أمر مهمّ يجب أن ترعاه النّخبة السّياسية وتفهم نهائيّا أبعاده بما معناه أنّ السّلطة ليست كراسي وصراع على المناصب بقدر ما هي سعي دؤوب للحفاظ على هذا الكيان المشترك في احترام حقيقي وخالص لمقتضيات العمل السّياسي الدّيمقراطي بما يؤمّن بقاء الشّعب كمستأمن ثابت على الدّولة.
   ---------
  -  محامي واستاذ مساعد بالجامعة التونسية
naousai@yahoo.fr