ادب الشباب

بقلم
فداء القلال
«وصال» ... مولود ثقافي يتطلع للنور
 في زمن ثقافة «السندويتش» والوجبات المعرفيّة السريعة التي تخلّى فيها الكثير عن الكتاب حتّى صار مجرّد ديكور يزيّن المكتبات، تضيء «وصال» كنجمة في بيداء مظلمة عزّ فيها النور.. «وصال» .. أوّل إصدار أدبيّ للرّوائي الشّاب «سلمان زكري».. «وصال» تأتي لتأكّد أنّ الشّباب يكتب .. يبدع ..يقرأ..  يضيف للمشهد الثّقافي.. 
لقد اهتمت معظم الإصدارات الأدبيّة بعد الثّورة بأدب السّجون، موثقة لأحداث سنوات الجمر، ناقلة نضالات الماضي التي على أهميتها، لم يخضها الشّباب ولم يشارك فيها ولم يكن جزءا من صناعتها.. فاختارت «وصال» أن تداعب الجزء المنسي من ذاكرة الشّباب.. أن تحدّثهم عن المعارك التي خاضوها بحناجرهم وعزيمتهم.. إنّها توثق عبر سلسلة من الأحداث لفترة ما بعد سقوط النظام.
«وصال» تنفث في معشر الشباب روحا من الثّورة التي حلموا بها ثم أغمض الواقع أعينهم عنها قصرا.. تعيد ذكرى الانعتاق والتحرّر وفوضى الحرّية.. هكذا أراد لها الكاتب أن تكون.. إنّها تكشف وبهدوء عن الواقع السّياسي لتونس اليوم.. ذاك الواقع الذي أصبحت تتحكّم فيه لوبيات الفساد التي غزت كلّ المجالات، من إعلام واقتصاد وسياسة، وتؤكّد أنّ المتحكّم الحقيقي في المشهد هم بقايا النّظام العالقة في مفاصل الحكم خاصّة الداخلية، ثم تطوف مع الأحداث بطيف من الأمل لتقول أنّ التّغيير ممكن وأنّ للحلم بقيّة وهو ما يظهر من خلال ما يحضى به البطل «حمزة» من إشعاع عند كشفه للحقائق عبر تدويناتــه. لقد قدّمت «وصال» بصورة كاريكاتورية هزيمة سلطــة الحديـــد أم سلطة الكلمة.
إنّ صدور هذه الرّواية دون أن تتعرض للمضايقات هو في حدّ ذاته رسالة أمل لكل شابّ حالم. فهي تقول.. مازال هناك متّسع للحلم وللحرّية .. ولئن كبّلت فينا الكثير من الأماني، فانّ الكلمة لم تكبّل بعد.. ومازالت تتنفس..
ولا ينسى الكاتب نصيب المرأة من الرّواية، فيقدمها أمّا مجاهدة وحبيبة مثالية وشريكة في النّضال، يقدّمها امرأة قويّة قادرة على اختيار طريق الفضيلة مهما اشتدّت ظلمة الرداءة من حولها.. وينقل لنا من خلالها أجمل ما يمكن أن يخالج شابّا محبّا من مشاعر و أحاسيس واضطرابات. ثمّ يقدّم الطفولة كضحيّة لكلّ ما تداخل من أحداث.
 الطفولة التي تدفع وحدها ثمن كلّ ما يحصل من صراعات واحتدام ولئن صورها في النّهاية متسامحة وسعيدة.. ككلّ طفل لا يستطيع أن يحتفظ بالألم داخله طويلا..الاّ أنّ القارئ لا يشاركها تذوّق تلك السّعادة الوهميّة.. ويستبطن ألما مخزونا ينتظر لحظة ترجمته بصور مختلفة غير متوقعة.
هكذا كانت «وصال» .. جمع بين متناقضات الألم والفرح، الظلمة والنور، الأمــل والاحبـــاط، الخيــر والشــر، البساطة والتعقيد، الحبّ والكراهية، الموت والحياة... وكل ذاك ضمن سلسلة من الأحداث اللاّمتوقعة، محكمة العقد والحلّ ...
وختاما نذكر أن وصال أكثر من مجرّد رواية.. إنّها دعوة مفتوحة لكلّ شابّ ليسلّ قلمه من غمده فينتج ويبدع ويفجر على الأوراق حبرا يترجم به أفكاره.
----
- طالبة
fidaakallel@gmail.com