تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
ارشيف
 كثرت مشاغلي وتعطلت شؤون مستعجلة لم أوفّق في تصريفها وازدادت تعقيدا كلما حاولت تفكيكها. كنت أجدني أؤجل كل يوم مسألة فأحفظها في سلة المحفوظات أرشيف همومي.
ارتفعت أكداس ملفّاتي حتّى صارت اليوم أبراجا عالية مائلة ترضخ تحت الضّغط المتنامي فتهدّد بالانفلات والتّرامي. كنت في زمن الانبساط أعالجها أوّلا بأول وأحيانا ولتخفيف الوطء، تصرف المسألة الأخيرة أوّلا. وبدأت التّراكمات منذ حداثة عهد التّسويف، عهد الرّفض بدون لا. ولازلت أحفظ عن أبي مقولةً شائعةً: 
«إذا زُرِعتْ حتّى في بستان متى وحضّنت بلعلّ وسُقِيتْ بِعسَى فاعلم أن الجواب : لا! لا! وألف لا».
إن البنايات الشّاهقة والمائلة تراصّت طوابقها بلاءات ضخمة هائلة ونُسِيتْ منذ أمد بعيد حتّى اصفرّ لون كرتونها. هكذا أرشيفنا هو تراثنا ينسى، وكذلك همومي كنز تراكم عليه غبار السّنين. هل سيَنْفِض يوما الغبارَ عن مخطوطاتي حافظُ أرشيف يدرك جيدا قيمة المنقول وما دسّ بين الرّفوف؟ فمتى يمحّص باحثُُ أفكاري التي إلى اليوم لم تعن شيئا لأحد؟ أيكون استثمارا تعتيق الفكر كما يعتّق الخمر؟ فأين لي بأبي نواس حتّى يعلّم القوم تفريغ عتيق «الخندريس» من براميلها واشتهائها من بريق الكؤوس وتذوق الرّاح وشربها حتّى النّشوة التي تطلق العنان وتنطق الأبكم وتزيل الضّباب؟ أم تُراني أُكره علي انتظار حتفي ليُتلَف كل شيء بموتي. ومن ذاك زمان حتى ذلك اليوم يظلّ برج همومي مرتفعا هائلا يكاد يتصدّع وينهار. والويل من انفلات سوط العذاب، ريح هوجاء عاتية تأتي على كلّ ما ثُبّت دون وتد أو ماء، فيضان يجرف كلّ ما كدّس دون تعب، أو ربّما زلزال عنيف يدكّ كلّ ما ارتفع دون سند أو تكون سحابة جراد مرسلة تبيد كلّ أخضر دون الحطب.
---
-  مهندس
chahed@meteo.tn